• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 255- تتمة البحث السابق .

255- تتمة البحث السابق

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(255)


وجوه حكومة ((وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحُوَ الْمَزَامِيرَ)) على قاعدة الإلزام
سبق ان قوله صلى الله عليه واله وسلم: ((وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحُوَ الْمَزَامِيرَ وَالْمَعَازِفَ وَالْأَوْتَارَ وَالْأَوْثَانَ وَأُمُورَ الْجَاهِلِيَّة))([1]) حاكم على قاعدتي الإمضاء والإلزام لوجوه ثلاثة ونضيف وجهاً رابعاً ثم خامساً:
الرابع: سَبْقُ قولِه صلى الله عليه واله وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي هُدًى وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحُوَ...)) فان تقديم ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي هُدًى وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) يفيد عرفاً كونه علة أو كالعلة لأمره صلى الله عليه واله وسلم بمحو المزامير والمعازف وسائر أمور الجاهلية أي ان مقتضى بعثه رحمة للعالمين جميعاً، لا للمسلمين فحسب، هو محو المزامير من صفحة الوجود، ولو كان بعثُهُ رحمة للمسلمين خاصة لأمره بمحوها من دُور المسلمين خاصة، والمدعى ان ذلك ظاهر عرفاً فيما أفيد ولو لم يستظهر فهو مؤيد فيحتاج للضميمة كي يورث الاطمئنان والقرائن الثلاث السابقة نعمت الضميمة.
الخامس: انه صلى الله عليه واله وسلم حيث كان مأموراً بنهي الناس عن عبادة الأوثان وعن اللعب بالمزامير وشبهها، وجب عليه إبلاغ الجميع مسلمين كانوا أم كفاراً، خاصة مع وضوح ان الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالأصول (خلافاً لمن ادعى انه حيث لم يؤمنوا بالله والرسول صلى الله عليه واله وسلم فليسوا مكلفين بالفروع، وفيه: ان المقدور بالواسطة مقدور([2]) والأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في المتعلقات، نعم القاصر لا يتنجز التكليف عليه لا انه غير مكلف) فالواجب إذاً، كأصل عام، هو نهي الكل عن المنكر وإن كانوا كفاراً إلا ما علم من الشرع، بدليل أو سيرة مسلّمة عدم وجوبه) فلو كان مأموراً بمحوها وجب عليه محوها من بيوت الكل وإلا لقال (وأمرني أن أمحو من بيوت المسلمين المزامير...) والحاصل: انه كما ان الأمر بالنهي عن المنكر تشريعاً يقتضي العموم، كذلك الأمر بمحو المنكر تكويناً وبالفعل (كتحطيم الأصنام) يقتضي العموم كذلك. فتأمل

مناقشة ناظرية الرواية على قاعدة الإلزام
ولكن الاستدلال بهذه الرواية على ناظريتها على قاعدة الإلزام، حتى لو سلمنا باعتبارها سنداً نظراً لمبنى حجية مراسيل الثقاة المعتمدة أو بدعوى انها أخبار مستفيضة أو بشهادة التاريخ على صدق المضمون حيث حطم صلى الله عليه واله وسلم الأصنام وورد عنه قوله: ((بُعِثْتُ بِكَسْرِ الْمعَازِفَ وَالْمَزَامِيرِ‏))([3]) إضافة للرواية السابقة أو لغير ذلك مما يوكل تحقيقه لمحله والذي لأجل ذلك وغيره لم يبحث مثل صاحب الجواهر عن سندها بل أرسل الاستدلال بمراسيلها وبمثل رواية تحف العقول إرسال المسلمات مع ان دأبه البحث عن السند ولعله لما سبق ولكون الإجماع وليس الشهرة فقط عليها ولغير ذلك، مخدوشة:

الرواية أجنبية عن القاعدة لأنها من مبتدعات الجاهلية لا الدين
اما أولاً: فلأن الظاهر ان الرواية أجنبية عن قاعدة الإلزام فان قاعدتي الإمضاء والإلزام إنما هما في (ذوي الأديان) فكل ذي دين تلزمه أحكامه وتُمضى له، ورواية المزامير والأوثان إنما هي عن أحكام لم تكن مقتضى أديانهم بل كانت من عادات الجاهلية كما هو صريح قوله عليه السلام في أخرها ((وَأُمُورَ الْجَاهِلِيَّة)) بناء على انه من عطف العام على الخاص وان مفاده (وسائر أمور الجاهلية) بل مع قطع النظر عن ذلك فان الظاهر ان عملهم في آلات اللهو لم يكن حتى بادعائهم من أحكام دينهم بل كان من مقتضيات عاداتهم وتقاليدهم وشهواتهم، وقاعدة الإلزام والإمضاء إنما تُمضيان ما اعتقدوه انه من دينهم وإن كان اعتقاداً باطلاً.
اللهم إلا لو عمّمنا الدين لكل ما يدين به قوم ويلتزمون به سواءً أسمّي ديناً اصطلاحاً أو لا، كما ذهب إليه السيد الوالد صناعياً خلافاً للمشهور، فما كان من عادات قوم وتقاليدهم واعتبروه حلالاً فهو – على هذا الرأي - دين لهم وكذا ما سنّه القانون في الأمم التي تدين بالقوانين وإن كانت على خلاف دينها فانه دين لهم وذلك مثل علاقات الصداقة التي يرونها حسب القانون والعرف مبيحة للمقاربة مادام الطرفان راضيين فانهم لا يعتبرونه زواجاً كما لا يعتبرونه زنا بل يعتبرونه أمراً ثالثاً محللاً لذا يرون الولد ولد حلال ويمنحونه كافة الحقوق، بل وسّع بعضهم الدين إلى مثل الشيوعية فانها نوع دين برفض الأديان! أي انهم يدينون لعقلهم أو لحكومتهم أو للمادية الديالكتيكية بذلك! وفيه ما لا يخفى من البعد والغرابة.
وعلى أي فانه على المشهور لا تشملهم قاعدة الإمضاء والإلزام إذ ليس هذا ديناً بالمعنى المرتكز في الأذهان وهو ما تلقي – ولو حسب الزعم - من السماء لا ما وضعه البشر كقانون أو بنوا عليه كعادة أو تقليد أو شبه ذلك.


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


عن أبي عبد الله عليه السلامقال: ((دُعَاءُ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ يَسُوقُ إِلَى الدَّاعِي الرِّزْقَ وَيَصْرِفُ عَنْهُ الْبَلَاءَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ لَكَ مِثْلَاهُ)) ثواب الأعمال (للصدوق): ص153.

---------------------------------------------------------------------------------------------
([1]) المحدث النوري، مستدرك الوسائل، مؤسسة آل البيت – قم، ج13 ص219.
([2]) فلا يقال حيث لا يزال غير مؤمن بالله والرسول فكيف يؤمن أو يلتزم بأوامرهما؟
([3]) الرواية مروية عن طرق العامة، واما عن طرق الخاصة فبحاجة إلى بحث.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2981
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 28 ربيع الثاني 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15