• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 41- برهنة الجواب السابق -الاحتمالات الاربع فيما لو ورد أمر بالمهم والاهم .

41- برهنة الجواب السابق -الاحتمالات الاربع فيما لو ورد أمر بالمهم والاهم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(41)


الاستشهاد بكلمات الشيخ على تغاير الموضوعين لديه
ويدل على ما ذكرناه من اختلاف موضوعي كلامي الشيخ في البابين، عباراته الصريحة في باب التزاحم في ضمن كلامه عن التخيير بين الخبرين المتعارضين على السببيّة قال: (فكل منهما مع ترك الآخر مقدور يحرم تركه ويتعين فعله، ومع إيجاد الآخر يجوز تركه ولا يعاقب عليه)([1]) فهذه خصيصة المتساويين في الأهمية ومطلق موارد التخيير، عكس الترتّب فان خصيصته على العكس ففي المتساويين الأمر كما قال: (ومع إيجاد الآخر يجوز تركه ولا يعاقب عليه) أما في الترتّب فعلى العكس في الشق الثاني من كلامه([2]) فانه مع إيجاد الآخر المهم يحرم ترك الأهم ويعاقب عليه، ففي المهمين المتساويين الأمر من الطرفين كما قال: (ومع إيجاد الآخر يجوز تركه ولا يعاقب عليه) اما في الأهم والمهم فالأمر من طرف واحد كذلك (مع إيجاد الأهم يجوز ترك المهم ولا يعاقب عليه) لا من الطرف الآخر فانه (مع إيجاد المهم يحرم ترك الأهم ويعاقب عليه).
وقال: (ولا مانع من تعيين كل منهما على المكلف بمقتضى دليله إلا تعيين الآخر عليه كذلك)([3]) وذلك على عكس الأهم والمهم إذ الأهم لا يمنعه المهم، والمهم لا تعيين له، وبعبارة أخرى: ليس المهم مانعاً من تعيين الأهم اما الأهم فمانع من تعيين المهم، اما المتساويان فكل منهما مانع عن تعيين الآخر.
وقال: (فوجوب الأخذ بأحدهما نتيجة أدلة وجوب الامتثال والعمل بكل منهما، بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة)([4]) واما في الأهم والمهم فان المهم لا دليل على وجوب امتثاله والعمل به مع وجود الأهم بل حتى مع عصيانه لدى الشيخ، وذلك لاقتضاء الأهم صرف القدرة إليه.

تتميم: إذا ورد أمران بالأهم والمهم فالمحتملات أربع:
سبق انه لو ورد أمران بالأهم والمهم مع عجزه عن امتثالهما، فان المحتملات حينئذٍ أربع:
أ- ان نرفع اليد عن الأهم في صورة عصيانه ونقول بكون الأمر بالمهم مولوياً، وهذا مما لم يقل به أحد، لكننا نقول به في صورة واحدة وهي صورة يأس المولى عن إطاعة العبد للأهم فانه مع اليأس حيث يعلم عدم انبعاثه قطعاً فانه لا يمكنه قصد بعثه جداً، إلا صورةً، وقد مضى تفصيله، نعم في صورة العجز عن الأهم يسقط أمره قهراً فلا مجال للشك في كون أمر المهم حينئذٍ مولوياً، لكنه خارج من الترتّب تخصصاً ولا يكون عاصياً بتركه الأهم بالبداهة، ولا يخفى اننا أرجعنا صورة العصيان إلى العجز في بحث دقيق سابق فراجع.
ب- ان نرفع اليد عن المهم؛ نظراً للقول باستحالة الترتّب، وهو ما ذهب إليه الشيخ.
ج- ان لا نرفع اليد عن أي منهما بل نقول بثبوت الأمر والطلب فيهما وهذا هو ما ذهب إليه الميرزا الشيرازي ومن تبعه كالميرزا النائيني وجمع منهم السيد الخوئي، وذلك بدعوى ان طلب الضدين ممكن إنما المحال طلب الجمع بين الضدين وان الترتّب هو طلب الضدين، على تقدير عصيان الأهم، لا طلب جمعهما.
د- ان نرفع اليد عند اليأس عن الإطاعة (سواء أعصى([5]) أم كان لا يزال غير عاص) عن مرتبة الفعلية في الأهم دون مرتبة الإنشاء أي ان نرفع اليد عن الطلب الفعلي دون الحكم القانوني، ويكون المهم حينئذٍ هو المبعوث إليه، فهذا هو ما صوّرناه كوجه رابع.

بيان مغايرة المسلك الرابع لمختار مصباح الأصول
وقد توهم البعض ان بعض الأعلام كالفوائد وكمصباح الأصول ذهبوا إلى هذا الرابع استناداً إلى ظهور بعض عباراتهم في ذلك، لكن ملاحظة مجمل كلامهم ومبناهم ينفي إرادتهم ظاهر بعض كلماتهم بما يقطع به انهم بانون على الوجه الثالث لا الرابع.
اما ما يتوهم منه بناؤهم على الوجه الرابع فمنه ما في مصباح الأصول: (إذ المفروض وجود الأمر بكلا الواجبين، غاية ما في الباب أنّه لا يمكن الالتزام بفعليّة كلا الواجبين، للزوم التكليف بغير المقدور)([6]) فان ظاهره أو نصه رفع اليد عن الفعلية لا عن مرتبة الإنشاء.
لكن هذا الظاهر غير مراد قطعاً([7])، وذلك لوجوه:
منها: تصريحه تبعاً للميرزا النائيني بانه على الترتّب يكون طلباً للضدين (لا طلباً للجمع بينهما) فهو صريح في وجود الطلب الفعلي (وهو البعث) ومرتبة الفعلية لهما لا ان الأهم ليس بمطلوب بل هو منشَأ فقط وفي رتبة الحكم القانوني فقط وان المهم هو المطلوب فقط.
فلاحظ كلماته: (وبعبارة أخرى: معنى القول بالترتّب هو الجمع بين الطلبين لا طلب الجمع بين الضدين، والمحال هو الثاني دون الأول)([8]) و: (وهذا الفرض هو محلّ كلام القائل بإمكان الترتّب ولا محذور فيه، إذ لا طلب للجمع بين الضدين بل جمع بين الطلبين مع كون أحدهما مشروطاً بعصيان الآخر)([9]) و: (فالجمع بين الطلبين لازم للقول بالترتّب، ولا يتحاشى منه القائل بالترتّب، إلا أنّه يدّعي أنّ الجمع بين الطلبين لا يستلزم طلب الجمع بين الضدين كي يكون محالاً، وهذا هو الصحيح)([10]) فهو صريح في ثبوت طلبهما وهو معنى الفعلية، عكس الحكم الانشائي القانوني الذي لا طلب فيه.
هذا كله إضافة إلى ان المحال طلب الجمع بين الضدين إذا أريد به البعث، لا مجرد الإنشاء القانوني، إضافة إلى ان التضاد إنما هو بين الأحكام الفعلية بمعنى المبعوث إليها ولا تضاد بين حكمين إنشائيين قانونيين بما هما كذلك إذ عالم الاعتبار لا يضيق عنهما.
ومنها: البرهان الإنّي حيث ارتأى استحقاق عقابين بترك الأهم والمهم معاً، خلافاً للآخوند الذي رأى لزوم عقاب واحد لأن له قدرة واحدة وعجزاً واحداً فكيف يُعاقب على ترك أمرين هو قادر على أحدهما وعاجز عن الآخر على سبيل البدل؟ وعلى أي فان السيد الخوئي لم يرتض ذلك وقال في رد الآخوند (والجواب عنه بعد تصوّر الترتّب بما ذكرناه واضح، فانه لا مانع من الالتزام باستحقاق عقابين لا لترك الجمع، كي يقال: ان الجمع غير مقدور له فكيف يصحّ العقاب عليه، بل لأجل الجمع بين التركين)([11]) ومن الواضح ان استحقاق العقوبة لا يكون إلا إذا كان الطلب فعلياً دون ما إذا كان إنشائياً أي دون ما كان الإنشاء فيه قانونياً فقط لوضوح انه لا عقوبة عليه كما هو حال الأحكام وقت تدرج نزولها فانها وإن كانت منشأة لكن حيث لم يُبعث إليها فلا عقوبة على تركها لمن أطلع عليها بنحوٍ ما.

هل استحقاق العقاب على ترك الأهم أو على تعجيز النفس عنه؟
بقي: اننا وإن قلنا بان الأمر بالأهم يتنزل بعد العصيان إلى أمر إنشائي بدون طلب فعلي، لكنه لا يستلزم القول بعدم استحقاق العقاب على ترك الأهم؛ بل نقول باستحقاقه العقاب على تركه لكن لا لتركه بل لتفويته القدرة على الامتثال بتركه، وتعجيزُ النفس عن امتثال الواجب المطلق حرام؛ فان ما بالاختيار لا ينافي الاختيار ولذلك يستحق العقوبة تارك الحج إذا استطاع فأتلف ماله أو راحلته عمداً فانه وإن كان غير قادر الآن لكنه حيث وجب وجوباً مطلقاً وجب عليه حفظ قدرته وحرم عليه تفويتها وكان معاقباً على تفويت الحج بتفويتها هذا.
والأصح ان نقول: انه يستحق العقوبة بالعصيان للأهم وان التنزّل للمرتبة القانونية كان بعد العصيان لا قبله ولا معه وإلا لما كان عصياناً، فالعقوبة على تركه لتركه، نعم مرحلة ما بعد العصيان تكون العقوبة على تفويت القدرة فيها بفعل المهم، فتأمل وتدبر جيداً.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((ثَلَاثٌ مَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيهِ لَمْ يَتِمَّ لَهُ عَمَلٌ وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَخُلُقٌ يُدَارِي بِهِ النَّاسَ وَحِلْمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ الْجَاهِلِ)) الكافي: ج2 ص116.
-------------------------------------------------
([1]) الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي – قم، ج4 ص36.
([2]) بل حتى في الشق الأول: (فكل منهما مع ترك الآخر مقدور يحرم تركه ويتعين فعله) بلحاظ (يتعين) فتدبر تعرف.
([3]) المصدر نفسه.
([4]) المصدر نفسه.
([5]) هذا على المسامحة والمشهور، أما على الدقة فالعصيان عندنا مساوق للعجز.
([6]) السيد محمد سرور الواعظي البهسودي، مصباح الأصول، مكتبة الداوري – قم، ج1 ق2 ص7.
([7]) مع قطع النظر عن ان تعبيره أعم من إرادته رفع اليد عن فعلية الأهم أو عن فعلية المهم، اما مسلكنا فرفع اليد عن فعلية الأهم خاصة.
([8]) المصدر نفسه: ص17.
([9]) المصدر نفسه: ص20.
([10]) المصدر نفسه: ص24.
([11]) المصدر نفسه: ص28.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2974
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 26 ربيع الثاني 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16