• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 38- تتمة مناقشة الكفاية ومصباح الاصول .

38- تتمة مناقشة الكفاية ومصباح الاصول

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(38)


وجوه عديدة لنفي مساوقة إمكان الترتّب لوقوعه
وبعبارة أخرى: مساوقة إمكان الترتّب لوقوعه([1])، متوقفة على فروض ثلاثة: 1- فرض إمكان الترتّب، 2- فرض وجود الأمر بالمهم، 3- فرض إطلاقه، والفرض، كما سبق، أعم من الوقوع فلا يصح الاستدلال به عليه، أي ان الإشكال هو ان الفرض الثالث يحتاج إلى إثبات فانه لو ثبت إمكان الترتّب احتجنا إلى دليل على تعلق الأمر بالاعتكاف مثلاً فلو بحثنا عنه ووجدناه احتجنا إلى إثبات انه مطلق حتى من جهة صورة عصيان المزاحم الأهم له.
بعبارة ثانية: لو فرضنا انه لا مشكلة إلا الترتّب، وجب العمل بالمهم، لكن الكلام كل الكلام هو ان هذا الفرض غير واقع إلا في الجملة، فوقوعه في هذا المورد الخاص، كالاعتكاف، بحاجة إلى دليل وذلك نظير ما لو قال شخص انه لو فرضنا انه لا مشكلة في هذا المطلق إلا من جهة كونه في مقام البيان، لعمّ، فانه يرد عليه انه وإن صح ذلك في عالم الفرض لكن هذا الفرض قد يكون غير واقع إذ فيه مشكلة من جهة القرينة على الخلاف، أو العكس.
وعليه: ففرض إمكان الترتّب جزء العِلّة لثبوت إطلاق الأمر بالمهم، وليس عِلة تامة ليكون إمكانه مساوقاً لوقوعه.

 

القفز من البحث الأصولي إلى الفقهي بدون دليل
بعبارة ثالثة: لا يصح القفز من البحث الأصولي إلى البحث الفقهي بدون دليل على الأخير وهو ما صنعه الآخوند قال: (فلو قيل بلزوم الأمر في صحة العبادة ولم يكن في الملاك كفاية، كانت العبادة مع ترك الأهم صحيحة لثبوت الأمر بها في هذا الحال، كما إذا لم تكن هناك مضادة)([2]) فيرد عليه: انه من أين (ثبوت الأمر بها في هذا الحال) فهذا ما يجب ان يبحث عنه الفقه، ولو وجدنا هذا الأمر فلا بد من بحث انه مطلق أو لا، وفرض وجوده وإطلاقه كما سبق أعم من فعلية وجوده.
وبعبارة رابعة: كيف صحّح الآخوند أمر الاعتكاف وإطلاقه وعباديته بمجرد البناء على إمكان الترتّب وبضم فرض ان به أمراً مطلقاً؟ فان أقام الدليل على ان به أمراً مطلقاً كان دليلاً عليه لا له؛ إذ هو ما نقول من ان إمكان الترتّب لا يستلزم وجود الأمر بالمهم وإطلاقه بل لا بد بعد فرض إمكانه من إقامة الدليل على وقوع الأمر بالمهم.

 

المصحح للعبادية هو التنزل من عالم الفرض إلى عالم الواقع
بعبارة خامسة: هل المراد البقاء في عالم الفرض أو التنزل لعالم الواقع والأمر والنهي الخارجيين؟ فإن كان المطلوب الثاني لم يكفِ فرض إمكان الترتّب وفرض وجود الأمر مع فرض إطلاقه. وذلك نظير قولك: لو فرض انك مجتهد عادل وفرض انك الأعلم لقلدناك أو لوجب علينا تقليدك، فهل ينتج ذلك اننا قلدناه بالفعل؟ أو ينتج: فالواجب علينا الآن إذاً تقليدك! فكذلك المقام تماماً.
بعبارة سادسة: ان تحويل القضية الشرطية واللويّة إلى قضية حملية بحاجة إلى دليل، فنقاشنا في وجود هذا الدليل ووقوعه، لا في إمكان الترتّب على الفرض، ولو قيل قد فرضنا وجود الدليل أجبنا: بما سبق من ان فرضه أعم من تحققه وفرضه لا ينتج تحققه.
والحاصل: ان الإشكال هو في انتقال الآخوند من البحث الأصولي إلى إثبات ان بالاعتكاف أمراً وانه مطلق كان بلا دليل بالمرة.

 

معقد بحث الترتّب، بنحوين
وبعبارة سابعة: ان معقد بحث الترتّب يمكن ان يكون بنحوين:
الأول: إذا أمر بالأهم فهل يمكنه الأمر بالمهم مترتباً على عصيان الأهم؟ فإذا كان هذا هو المعقد فبديهي انه لا يجري فيه كلام الآخوند ومن تبعه، إذ ليس ههنا حتى فرض وجود الأمر بالمهم وإطلاقه، ومعقد كلام بعض الأعلام ممن ادعى المساوقة، كمصباح الأصول، هو هذا الأول، قال مصباح الأصول: (بقي الكلام في الترتّب، وانه يمكن الأمر بالضد المهم مترتّباً على عصيان الأمر بالأهم أم لا؟)([3]) فهو صريح في هذا النحو الأول فانه لو فرض انه قلنا (أمكن) فالآن يجب البحث عن انه وقع أم لا؟
ولا يشكل بانه بالنظر للحكمة لا بد من وقوعه؛ لما سبق مراراً من ان الحكمة قد تقتضي عدم الأمر بالمهم أبداً على تقدير عصيان الأهم حتى على فرض إمكان الترتّب([4]).
الثاني: انه إذا كان أمران أي وجدنا أمرين خارجاً، بالأهم والمهم فهل يمكن تصحيح الأمر بالمهم بالترتّب؟ فإن صح كان مولوياً وإلا كان إرشادياً أو غير ذلك([5])، وهنا يرد ان هذا مبني على وجود الأمر (وقد وجدناه) فلا حاجة لدليل عليه، لكن من أين إطلاقه؟ فإن فرض إطلاقه أعم من وقوعه، فلو فرض لكان الاعتكاف مأموراً به فرضاً وصحيحاً فرضاً، لكنّ كونه صحيحاً واقعاً وخارجاً متوقف على دليل منّا على الإثبات على تمامية مقدمات الحكمة.

 

مناقشة كلام مصباح الأصول
وبذلك ظهرت المناقشة أيضاً في: (إلا أنّ المقام ليس كذلك، فإنّ إثبات إمكان الترتّب كاف في الحكم بوقوعه بلا احتياج إلى دليل من الخارج على وقوعه، إذ المفروض وجود الأمر بكلا الواجبين)([6]) إذ يرد عليه إضافة إلى انه خلاف معقد مبحث الترتّب لديه، ان وجود الأمر بكلا الواجبين أعم من كونه مطلقاً ففروض وجوده لا يغني عن فرض إطلاقه فكيف ينفع في نفس تحققه ووجوده، والحاصل: ان إطلاق المهم ثابت على تقدير عدم الأمر بالأهم ولو لحدوث العجز عنه فمن أين ثبوته على تقدير عصيانه؟ فأي دليل أقيم فهو الدليل على عدم مساوقة دعوى الإمكان للوقوع.
كما ان قوله: (وعلى تقدير عصيان الأمر بالأهم لا وجه لارتفاع التكليف بالمهم لتحقّق القدرة عليه)([7]) يرد عليه: ان الوجه ما سبق من رادعية عدم تصحيح الشارع لعبادته المهمة وعدم قبولها منه، عن عصيان الأهم إذ لو رأى العبد قبول المولى طاعته بامتثال المهم وانه يحصل به على الثواب ويخفف به عنه بعض عقاب عصيان الأهم لكان ذلك مثبِّطاً، للكثيرين، عن امتثال الأهم، كما سبق، فتدبر جيداً.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الله لداود عليه السلام: ((يَا دَاوُدُ احْذَرِ الْقُلُوبَ الْمُعَلَّقَةَ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا فَإِنَّ عُقُولَهَا مَحْجُوبَةٌ عَنِّي)) الاختصاص: ص335.
([1]) بمعنى الأمر بالمهم مترتباً على عصيان الأهم.
([2]) الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم، ص137.
([3]) السيد محمد سرور الواعظ البهسودي، مصباح الأصول، الناشر: مكتبة الداوري – قم، ج1 ق2 ص5.
([4]) لأنه يجروُ العبد على ترك الأهم، كثيراً ما.. الخ.
([5]) كرفع اليد عن الأهم.
([6]) السيد محمد سرور الواعظ البهسودي، مصباح الأصول، الناشر: مكتبة الداوري – قم، ج1 ق2 ص7.
([7]) المصدر نفسه: ص8.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2967
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 21 ربيع الثاني 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15