• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 22- مرجحات باب التزاحم الخمس حسب النائيني - والمناقشه والقسيم الثالث للتعارض والتزاحم .

22- مرجحات باب التزاحم الخمس حسب النائيني - والمناقشه والقسيم الثالث للتعارض والتزاحم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

مباحث التزاحم

(22)

 

(التدافع) القسيم الثالث للتعارض والتزاحم

سبق ان المستظهر ضرورة عقد باب ثالث لما أسميناه بالتدافع والذي نرى انه لا بد ان يُعدّ ولو على بعض المباني القسيمَ الثالث للتعارض والتزاحم، والدليل على المدعى بشكل إجمالي هو ان ضرورة التقسيم والتصنيف إلى أنواع وأصناف تنشأ من اختلاف الخصائص الذاتية ومن اختلاف الأحكام والآثار، وحيث وجدنا خصائص وآثاراً في بعض أصناف الحديثين المختلفين لا توجد في المتعارضين والمتزاحمين بل توجد في نوع آخر يختلف عنهما ذاتاً ولذلك اختلف عنهما آثاراً وفي بعض الأحكام، لذلك وجب القول بأن الحديثين المختلفين اما أن يكونا متعارضين واما ان يكونا متزاحمين واما ان يكونا متدافعين:

والمتعارضان هما المتكاذبان صدوراً وسنداً([1]).

والمتزاحمان هما ما كان لكل منهما (أي من الحكمين) ملاك مع عجز المكلف عن الجمع بينهما وكون الترجيح بالأهمية حتماً.

اما المتدافعان فما كان الترجيح فيهما بعامل آخر غير الأهمية بل كان الأرجح هو ما تميّز باحدى تلك الأسباب فيتقدم وإن كان هو المهم، إضافة إلى الفرق الذاتي، وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله تعالى.

وحيث ان صور (التدافع) هي نفس الصور التي توهم فيها بعض أعلام الأصوليين انها من باب التزاحم([2]) مع كون المرجّح فيها غير الأهمية، بينما أخرجها بعضهم من باب التزاحم بسبب آخر غير ما ذكرناه ومع ذلك لم يعقد لها باباً مستقلاً بل أبقاها ضمن مباحث التزاحم، فان الأولى تحقيق حال القسيم الثالث في ضمن عرض ما درج عليه القوم من درجها تحت عنوان (مرجحات باب التزاحم) فنقول:

 

من مرجحات باب التزاحم

ذهب الميرزا النائيني إلى ان مرجحات باب التزاحم (هي أمور:

منها: ما إذا كان أحد المتزاحمين مضيّقا والآخر موسّعا، فان المضيق يقدم على الموسع.

ومنها: ما إذا كان أحد المتزاحمين مشروطا بالقدرة الشرعية دون الآخر، فيقدم ما لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية على ما يكون مشروطا بها.

ومنها: ما إذا كان لاحد المتزاحمين بدل اضطراري دون الآخر ، فان ما لا بدل له مقدم على ما له البدل.

ومنها: ما إذا كان ظرف امتثال أحد المتزاحمين مقدما على ظرف امتثال الآخر ، فان المقدم في الامتثال يقدم على غيره.

ومنها: ما إذا كان أحد المتزاحمين أهم من الآخر ، فإنه يقدم الأهم على غيره)([3]).

 

1- تقدم المضيق على الموسع وإن كان أهم

وتوضيح كلامه: اما الأول، فالمضيق: كالنهي عن المنكر الصغير([4]) كما لو كان هناك شخص ينظر إلى امرأة أجنبية فوجب نهيه عنه فتزاحم مع الصلاة فان الصلاة واجب موسع فيما بين الحدين إلا آخر الوقت بمقدار أدائها، وكذلك حال تزاحم الصلاة مع إزالة النجاسة عن المسجد، فان الصلاة وهي: ((الصَّلَاةُ عَمُودُ الدِّين‏))([5]) و((أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا قُبِلَتْ قُبِلَ مِنْهُ سَائِرُ عَمَلِهِ وَ إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَيْهِ سَائِرُ عَمَلِهِ))([6]) لا شك انها أهم من الإزالة أو من النهي عن المنكر الصغير لكن المهمّ وهو المضيق يتقدم عليها لأن لها البدل دون المضيق.

ثم ان الموسع يراد به الواجب التخييري، وهو اما عقلي أو شرعي:

والتخيير العقلي: فيما إذا تعلق الأمر بالجامع الحقيقي أو الاعتباري كالصلاة فانها جامعة لكل أفرادها.

والتخيير الشرعي: فيما إذا تعلق الأمر بالجامع الانتزاعي كعنوان أحدهما في خصال الكفارة إذ يجب أحد الأمور الثلاثة.

وعلى أي فانه لا فرق في تزاحم المضيق مع الموسع وتقدمه عليه بين كونه من التخيير العقلي أو الشرعي.

 

2- تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالشرعية

واما الثاني: فمثل الحج إذ انه اشترط بالقدرة الشرعية لا العقلية([7])، والدالّ عليه اشتراط الزاد والراحلة في المستطيع فانها ليست مقوّماً للقدرة العقلية فانه كثيراً ما يكون قادراً بدونها بل هي قيد للاستطاعة الشرعية، فإذا تزاحم الحج مع أداء درهم من ديون الناس تقدم أداء الدرهم رغم ان الحج من فروع الدين وان تاركه يموت يهودياً أو نصرانياً: ((عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ حَاجَةٌ تُجْحِفُ بِهِ أَوْ مَرَضٌ لَا يُطِيقُ فِيهِ الْحَجَّ أَوْ سُلْطَانٌ يَمْنَعُهُ فَلْيَمُتْ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً))([8]) اما أداء الدين فليس من فروع الدين ولا تاركه يقال له مت يهودياً أو نصرانياً، بل لو تزاحم الحج مع سقي شاة أو دجاجة تموت لو تركها وركب الطائرة مثلاً (التي لو تأخر عنها دقيقة مثلاً لم يمكنه ركوبها) بل لو تزاحم مع سقي دجاجة هي في عهدته بحيث يعدّ تضييعاً لها وإن لم تكن تموت بذلك، تقدم سقيها أو إطعامها وذلك لأن سقي الدجاجة مشروط بالقدرة العقلية اما الحج فمشروط بالقدرة الشرعية لذلك يكون إيجاب سقيها معجِّزاً مولوياً عن الحج فليس بمستطيع إذاً، فكما ان المعجِّز التكويني مسقط للفرد عن الاستطاعة فكذلك المعجِّز التشريعي.

وعليه: فان أضعف الواجبات ملاكاً مادام مشروطاً بالقدرة العقلية فقط فانه يتقدم على أقوى الواجبات ملاكاً كالحج رغم كونه من فروع الدين، كالمثال السابق في سقي أو إطعام من كان في عيلولته من الحيوانات أو كأداء درهم واحد لو تزاحم مع الحج فرضاً([9]).

 

3- تقدم ما لا بدل له على ما له بدل اضطراري

أما الثالث: فكالوضوء إذ له بدل اضطراري وهو التيمم فلو تزاحم سقي الماء لعياله ولو كان حيواناً مع الوضوء تقدم سقي الماء إذ لا بدل له على الوضوء إذ له بدل، وكذلك لو تزاحم تطهير البدن من الخبث مع الوضوء تقدّم الأول، وذلك لأن المستظهر من جعل البدل له ان القدرة المأخوذة في المبدل منه هنا شرعية، كما سيأتي بيانه.

والفرق بين الثالث والأول: ان البدلية في الثالث طولية وفي الأول عرضية.

 

4- تقديم ما كان ظرف امتثاله أسبق

وأما الرابع: فكما لو دار الأمر بين صوم اليوم وصوم غدٍ، إذا كان عاجزاً عن الجمع بينهما، أو بين القيام في الركعة الأولى أو الثانية أو الركوعين في الركعتين هذا. ولكن هناك تفصيل للميرزا النائيني في هذه الصورة بين ما لا يقدم فيه الأهم وما يقدم وقد ذكره في المجلد الأول من الفوائد وسيأتي بإذن الله تعالى.

وعلى أي فان ظاهر كلامه هنا انه أطلق تقديم السابق زمناً وإن كان مهماً على اللاحق وإن كان أهم، ووجهه ان صوم اليوم الأول واجب عليه فعلاً (مع الفجر) واما صوم غدٍ فواجب معلق ولا وجوب له الآن إذ الوقت للصوم كالزوال للصلاة، فالواجب عليه الآن صوم هذا اليوم ولا واجب عليه غيره، فوجب صرف القدرة إليه وامتثاله فإذا فعل عجز عن صوم غدٍ فيسقط.

 

5 – تقديم الأهم

واما الخامس: فهو الذي ندعي حصر التزاحم فيه وانه المرجح الوحيد لباب التزاحم دون الأربعة المتقدمة ودون غيرها مما ذكر من المرجحات إلا إذا عادت للأهم واندرجت فيه، وسيأتي تفصيل البحث غداً بإذن الله تعالى.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((إِيَّاكَ وَخَصْلَتَيْنِ: فَفِيهِمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ، إِيَّاكَ أَنْ تُفْتِيَ النَّاسَ بِرَأْيِكَ أَوْ تَدِينَ بِمَا لَا تَعْلَمُ)) الكافي: ج1 ص42.


([1]) وقد يتكاذبان دلالة فقط كما في العامين من وجه، على مبنىً.

([2]) حسب بعض بحوثه، وإن ذهب في بعضها الآخر إلى خروجها من باب التزاحم كما سنذكر كلامه.

([3]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي، ج4 ص709.

([4]) كما مثّل له السيد العم (دام ظله) في (بيان الأصول: التعادل والترجيح ص11).

([5]) الشيخ الصدوق، الأمالي، المكتبة الإسلامية – قم، 641.

([6]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج1 ص208.

([7]) حسب جمع من الأعلام، وسيأتي بحثه.

([8]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج4 ص268.

([9]) وحسب المثال السابق: كما لو كانت هذه آخر طائرة تذهب لمكة ولم يكن طريق آخر وقد بقي لإغلاق أبوابها ساعة مثلاً وكان ذهابه لتسديد قرض الدرهم يستغرق أكثر فتفوته الرحلة.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2916
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 27 ربيع الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15