• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 224- مباحث الأصول: (القطع) (5) .

224- مباحث الأصول: (القطع) (5)

مباحث الأصول: ( القطع )

جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين

الفائدة  الثانية عشر: بما أن كاشفية القطع ذاتية فلا يمكن سلبها عنه أو جعلها بالجعل البسيط أو المركب ؛ ويمكن جعلها للعلم بالجعل التبعي إن أريد بالقطع خصوص العلم، وأما إن أريد به الجهل المركب فهناك أحكام أخرى.
الظاهر أن الكاشفية بالنسبة للقطع [1]، إما هي عينه أو هي ذاتيّه، إن أريد بالقطع خصوص العلم، ومثاله المرآة الكاشفة للحقائق، فإن الكشف إما عينها أو ذاتيها, ولا نتوقف عند تحقيق ذلك الآن، بل نسوقهما بعصا واحدة؛ لأنهما من حيث الأحكام المقصودة في المقام متحدة, فالكاشفية هي إما عين العلم أو هي ذاتي العلم، لا مطلق القطع وهو الرأي المنصور، فإذا كان الأمر كذلك فتتفرع عليه أحكام أربعة:

الحكم الأول: إن الكاشفية لا يمكن أن ترفع وتسلب عن العلم ما دام موجوداً؛ إذ الذاتي لا يمكن سلبه عن ذي الذات ما دام ذو الذات موجوداً، كما لا يمكن سلب الشيء عن نفسه بناءً على العينية، ما دام الشيء موجوداً، وإلا للزم التناقض.

الحكم الثاني: لا يمكن جعل الكاشفية بالجعل البسيط؛ لأن الكاشفية من الأمور الانتزاعية، ولا يمكن أن تجعل الأمور الانتزاعية بحيالها، أي: بمفردها بما هي هي؛ إذ لا وجود لها إلا بوجود منشأ انتزاعها.

الحكم الثالث: إن الكاشفية لا يمكن أن تجعل للقطع، إن أريد به العلم قطعاً، بنحو الجعل المركب، أي: الجعل التأليفي؛ لأن القول بالجعل المركب يستلزم إمكان انفكاك الذاتي عن ذي الذات ـ إن لم يجعله له ـ أو إمكان سلب الذات عن نفسها، وكلاهما محال.

الحكم الرابع: إن الكاشفية يمكن أن تجعل للعلم بالجعل التبعي، بأن يوجد المولى أو المتكلم العلم في نفس الطرف الآخر، فإذا أوجده فقد وجدت الكاشفية بالتبع، فهذه أحكام أربعة للقطع، إن أريد به العلم.

وأما إن أريد بالقطع غير العلم، أي: أريد بالقطع فرده الآخر، أي: الجهل المركب، فهنا أيضا أحكام:
الحكم الأول: إن الكاشفية للقطع المساوي للجهل المركب لا يمكن أن تجعل له بالجعل المركب؛ لأنها ضده؛ لأن الفرض أنه جهل مركب، فكيف تُجعل له كاشفيته عن الواقع، هذا خلف؟
الحكم الثاني: كما لا يمكن أن تجعل بالجعل البسيط؛ لنفس العلة السابقة من الانتزاعية.
الحكم الثالث: كما أن الكاشفية مرتفعة عنه بالذات، فلا مجال لرفعها من باب السالبة بانتفاء الموضوع, وهذا واضح [2].

الفائدة الثالثة عشر: ينقسم القطع إلى علمي وغير علمي، والأول هو الناشئ عن معرفة بالضوابط والقواعد، والثاني خلافه.
إن القطع على قسمين: القطع العلمي والقطع غير العلمي, وهذا التقسيم يختلف عن التقسيم السابق، حيث إننا هناك قلنا: إن القطع على قسمين: قطع عقلائي وقطع غير عقلائي، أما الآن فنقسم القطع بتقسيم آخر، وهو إنه على قسمين: علمي وغير علمي، فذاك  كان محوره العقلاء، وهنا محور التقسيم  هو العلم، والفرق بينهما بيّن، فإن العلم غير العقل؛ إذ العلم صفة زائدة على العقل، فقد يكون عاقلاً ولا يكون عالماً بالطب أو الفلك، أو علم الأحلام ومعادلات وضوابط الكشف والشهود مثلاً، فهذا إشكال جديد وهو: إن هذا القطع الحاصل من الأحلام ليس علمياً [3].
ولمزيد التوضيح نمثل بأن الأرض بيضية- كما ثبت علمياً- لكن القول: إنَّ الأرض مكعبة مستطيلة ليس خلاف العقل؛ إذ العقل لا يأبى أن يخلق الله الأرض بأي شكل شاء، أو يكون قد خلقها بأي شكل، لكنه خلاف العلم وخلاف الواقع الخارجي.
والحاصل: إنه توجد أشياء خلاف العقل، وأشياء خلاف العلم، كما توجد أمور يدركها العقل بنفسه، وأمور تحتاج إلى العلم في إدراكها ومعرفتها، وكل علم وكل فن له ضوابط، فإن لم يعرف المرء تلك الضوابط أخطأ وارتطم في الجهل المركب، وكان قطعه الذي حصل منه غير حجة؛ بمعنى أنه غير معذور إن لم يصب، وأنه غير كاشف نوعاً أيضاً، إلى أخر ما ذكرناه في معنى الحجية.
ومثال ذلك: أن علم التأويل له ضوابط، وليس للإنسان أن يقتحم في تأويل الآيات القرآنية بدون معرفة ضوابط التأويل، كما ليس له أن يقتحم في تفسير القرآن بدون معرفة ضوابط التفسير، فإن ذلك ليس عقلائياً ولا شرعياً، فمثلاً: لو تعارض التأويل مع التفسير فما هو الحكم؟ [4] وكذلك علم الدراية والرجال، فإن لعلم الدراية ضوابط وقواعد، وكذلك لعلم الرجال، فمَنْ اقتحم في أحوال الرجال بغير معرفة أصول علم الرجال فقد أخطأ، وما أكثر ما سيقع في الخطأ إذ كان منهجه غير علمي، مثلاً: ما هي ضوابط الحديث المتواتر أو المتسامَع أو المتظافِر [5] أو المستفيض؟ وما هي وجوه حجية كل منها؟إن لكل ذلك ضوابط وقواعد.
وكذلك علم الأصول والمنطق والفقه وهكذا، فمن اقتحم في الآيات والأحاديث بدون أن يعرف ضوابط الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص والمطلق والمقيد، وكذلك الحاكم والوارد وما أشبه كالتخصص، فأن عمله وتعمُّله غير علمي حينئذٍ، كذلك علم الأحلام, لو كان علماً أو كان فناً، والظاهر أنه مزيج منهما ومن الرمي بالغيب كما سيأتي، فإنَّ له ضوابط، لكن المشكلة إن هذه الضوابط قد خفيت علينا، وذلك كضوابط علم النجوم حيث قد خفيت [6].

--------------
[1] في إمكان جعل الكاشفية للقطع، بسيطاً ومركباً وتبعاً.
[2] فقه الروى: ص46.
[3] المراد العلم بالمعنى المصطلح عليه، أي: علم من العلوم, وليس العلم بمعنى الصورة الحاصلة من الشيء في الذهن.
[4] وهذا بحث لم أجد من تطرق له بشكل مفصل،  والبحث حري بأن يبحث عنه مفصلاً.
[5] الحديث المتسامع والمتظافر: كالأخبار عن البلدان والوقائع والشخصيات التاريخية. انظر: نهاية الدراية: 101.
[6] فقه الروى: ص33.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2911
  • تاريخ إضافة الموضوع : 23 ربيع الأول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28