• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 15- المدخل لبحث الترتب هو بحث الضد فهو اعم الامكان والاستحاله .

15- المدخل لبحث الترتب هو بحث الضد فهو اعم الامكان والاستحاله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(15)


الترتّب، ككلِّ كلِّي طبيعي، لم يؤخذ في مفهومه الامتناع
وبعبارة أخرى: (الترتّب) بمفهومه، ككلِّ كلِّي طبيعي آخر، غير مأخوذ فيه الامتناع أو الإمكان بل هما وصفان عارضان له (أي للمفهوم) فكونه ممكناً أو ممتنعاً في مرتبة محموله وليس في مرتبة موضوعه؛ غاية الأمر أن يكون الإمكان ذاتياً له بذاتي باب البرهان وليس جزء الذات كما هو واضح، نعم إن استحال فلا تحقق له خارجاً لا ان مفهومه ينقلب حينئذٍ فيكون في مرحلة الحمل الذاتي الأولي لا ترتّب، فهذا أولاً.
وثانياً: انه بحسب معناه اللغوي أيضاً أعم إذ لم يؤخذ في مفهومه الإمكان أو الامتناع.

مصبّ نزاع الأعلام الترتّب بما هو هو
وثالثاً: ان (الترتّب) بما هو هو، هو مصبّ بحث الأعلام ونزاعهم في أنه ممكن أو ممتنع: فقال بعض: انه ممكن وذهب جمع إلى انه محال وفصّل آخرون، فهو المقسم للاحتمالات أو الأقوال الثلاثة ولو أخذ الامتناع جزء مفهومه لما أمكن البحث والنقاش إذ يكون الموضوع هكذا (الترتّب المحال) هل هو محال أو ممكن؟
ويتضح ذلك أكثر بملاحظة سائر المباحث كبحث الأمر مثلاً إذ اختلف في انه ظاهر في الوجوب أو الاستحباب أو الجامع وهو الطلب أو غير ذلك؛ فانه بحث عن الأمر بما هو وليس معقد البحث هو: (الأمر بما هو ظاهر في الوجوب هل هو ظاهر في الوجوب أو الندب)؟.

مدخل بحث الترتب دليل آخر
ورابعاً: ان المدخل الذي ولج منه الأعلام إلى بحث الترتّب ثم بحثهم إياه مما يشهد بان مصبّ البحث هو الترتب أعم من القول بكونه ممتنعاً أو ممكناً لا الترتّب الممتنع.
ومنه يظهر – وكما سبق – أن إخراج مصباح الأصول الصورة الأولى من الترتب مستدلاً لذلك بانها ليست من الجمع بين الطلبين، ليس على ما ينبغي.
وعلى أي فان معرفة المدخل لبحث الترتّب وتسلسل البحث مما له الموضوعية في حد ذاته فنقول:

طرق تصحيح العبادة بناء على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده واقتضائه فسادها
جرى البحث بين الأعلام عن (اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص وعدمه) فمن ذهب إلى انه يقتضي النهي عن ضده الخاص، وذهب إلى ان النهي في العبادة موجب لفسادها وبطلانها، كان لا بد له إذا أراد تصحيح العبادة إذا أتى بها العبد رغم مزاحمتها بالأهم منها ووقوع التضاد بين الفعلين لعدم قدرته على الجمع بينهما في مقام الامتثال كما لو ترك إنقاذ المؤمن من القتل وانشغل بالصلاة أو الصوم أو الحج أو ترك الإزالة وانشغل بالصلاة، من التوسل باحدى طرق ثلاث:

الأول: تصحيحها بالملاك
الأول: تصحيحها بالملاك وانها وإن كانت غير مأمور بها لأن الأمر موجه للأهم ولا أمر بالمهم معه، لكن يصح الإتيان بها لملاك المصلحة التي فيها وان ذاك كافٍ في صحة العبادة، هذا إن قلنا بانه لا أمر بها مع وجود الأمر بالأهم وأما لو قلنا فوق ذلك بانها منهي عنها به (أي بالأمر بالأهم) فالتصحيح يكون بالملاك زائداً دعوى صحة اجتماع الأمر والنهي في الشيء الواحد لأن الحيثية تقييدية أو مطلقاً حتى لو كانت تعليلية.

الثاني: تصحيحها بقصد امتثال الأمر بطبيعيّها
الثاني: تصحيحها بقصد امتثال الأمر الموجه لطبيعيّها فانه وإن لم يكن أمر بشخصها أي بهذا المصداق الخاص من الصلاة لأنه ضد الأهم المأمور به، لكن لا شك في الأمر بطبيعي الصلاة فيقصده ثم ان انطباق الكلي على مصاديقه قهري.

الثالث: تصحيحها بالترتّب
الثالث: تصحيحها بالترتّب، وذلك فيمن أشكل على الوجهين السابقين بما فصل في محله، فذهب إلى أن الأمر بالمهم مقيد بعصيان الأمر الأهم (أو بالعزم عليه أو بيأس المولى من امتثاله له) فههنا قال جمع بإمكانه (لأن المهم واجب مقيد موقوف على عصيان الأهم فيجتمع مع الواجب المطلق وهو الأهم، اجتماع اللابشرط مع ألف شرط) وقال جمع باستحالته (لأن الأمر بالمهم وإن لم يرقِ إلى مرتبة الأمر الأهم لأنه مقيد لكن الأمر بالأهم ينزل أيضاً إلى رتبة الأمر المقيد إذ لا يسقط بعصيانه فههنا يلزم طلب جمع الضدين أو طلب الضدين أو شبه ذلك) فانت نرى ان مقسم البحث هو الترتب فذهب بعض إلى إمكانه وبعض إلى استحالته، فلا يصح القول انه حيث استحال القسم الأول([1]) فهو خارج عن الترتب موضوعاً فتدبر جيداً وذلك كله خاصة مع تعريف السيد الخوئي (قدس سره) للترتب بالأعم فانه عرّفه بـ(الكلام في الترتّب وانه هل يمكن الأمر بالضد المهم مترتباً على عصيان الأمر بالأهم أو لا) فالموضوع هو (الأمر بالضد المهم مترتباً...) وهو الترتب نفسه، والمحمول هو: هل يمكن أو لا؟ كأي سؤال آخر سواء أكان عن الممتنع أم عن الممكن أو عن المجهول كـ: هل يمكن وجود شريك الباري أو التسلسل؟ وهل يمكن وجود بحر من زئبق في الهواء؟ والمجهول – لدى البعض – كهل يمكن تحقق الوحدة في عين الكثرة أو لا؟

المحور للامتناع (التقارن) أو (الترتب)؟
ثم انه لو قطع النظر عن الجهات الأربع التي ذكرناها في صور البحث، فانه لما كان هناك وجه حينئذٍ لبحث (الترتب) لعدم ورود لفظه في الآيات والروايات ولفرض قطع النظر عن بعض الوجوه الأربع السابقة المصححة لبحثه أو للقول بعدم تماميتها، بل كان لا بد من البحث عن (التقارن) وجعله محور البحث والأخذ والرد أي إن تقارن الأمرين بالضدين محال أو لا؟ وهو ما سبق منّا انه جوهر بحث الترتّب، فتدبر والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
قال الإمام الصادق عليه السلام: ((أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عليه السلام: أَنَّ عِبَادِي لَمْ يَتَقَرَّبُوا إِلَيَّ بِشَيْ‏ءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ثَلَاثِ‏ خِصَالٍ.
قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: يَا مُوسَى: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، وَالْوَرَعُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَالْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَتِي‏)).
الكافي - ط الإسلامية: ج2 ص330.

([1]) من الصور الثلاث المذكورة في مصباح الأصول ج1 ق2 ص18. والتي نقلناها في الدرس (12).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2895
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 15 ربيع الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15