• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 225- وجوه سبعة لصحة الانشاء بعد الانشاء وتوجيه المراد بـ ( احل الله البيع ) ــ المناقشة في بعضها .

225- وجوه سبعة لصحة الانشاء بعد الانشاء وتوجيه المراد بـ ( احل الله البيع ) ــ المناقشة في بعضها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(225)

 

الإشكال على التخريجات السابقة

وقبل الاسترسال في بيان سائر وجوه دفع الإشكال عن لزوم تحصيل الحاصل من قول مثل   ) أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ   ) أو اللغوية إذا قيل بوضع للعقود للصحيح شرعاً، لابد من الإشارة إلى بعض ما يرد على الوجوه السابقة، والتي تضمنت أيضاً ما يدفع به الإشكال (عن الإنشاء بعد الإنشاء):

رد الوجه الثاني (الجعل بسيط لا مركب)

فانه يرد على الوجه الثاني وهو: (سلمنا انها تعني ما ذكر من (البيع الحلال حلال) أو (حلّلت البيع الحلال) أو (جوّز الله البيع الجائز) ونظائرها، لكنه لا بأس به ولا تلزم اللغوية ولا تحصيل الحاصل أو التجوز في لفظ البيع بتجريده عن بعض الموضوع له وهو الصحة أو الحِلّية، واستعماله في بعضه وهو الطبيعي فقط؛ وذلك لأن الإشكال إنما يلزم لو كان الجعل جعلاً مركباً دون ما لو كان الجعل بسيطاً)([1]) أنّ ذلك وإن صح وحلّ شبهة الامتناع ذاتاً بدعوى تحصيل الحاصل أو وقوعاً بدعوى اللغوية، لكنه غير تام لوضوح ان الآية الشريفة ( أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ) ليس المقصود منها (أوجد الله البيع الحلال) كما كان وجه حل المعضل، بل المقصود منها وهو الظاهر الذي لا شك فيه انه (أحل البيع) لا انه أوجده، فالآية تتكلم عن الحكم وما هو في مرتبة المحمول وليست عن إيجاد الموضوع وان الله تعالى أوجده. (أوجد البيع كما أوجد زيداً وعمراً، بل البيع الذي يوجده العبد، بإذن الله، أحلّه الله له.

رد الوجه الثالث: (احل إنشاءً الحلالَ اقتضاءً)

كما يرد على الوجه الثالث وهو: (الوجه الثالث: إن المراد من (أحل) الحِلّية الانشائية ومن (الحِلّ) المأخوذ في العقد باعتباره جزء الموضوع له الحِلّية الاقتضائية أو فقل الملاكية، وكذلك الصحة والنفوذ، فالبيع الصحيح اقتضاءً جعله صحيحاً إنشاءً والنافذ اقتضاءً أي ما فيه اقتضاء النفوذ وما كان اقتضاؤه تاماً انشأ النفوذ الاعتباري له)([2]) أنه وإن صحّ في حد ذاته، لكن الصحيحي([3]) لا يقول به فلا يجدي هذا الوجه للدفاع عنه؛ إذ الصحيحي لا يقول بان العقود موضوعة للاقتضائيات منها بل يرى وضعها للفعلي منها فالبيع لديهم موضوع للبيع الصحيح شرعاً فعلاً لا للبيع الصحيح شرعاً اقتضاءً، وكذلك (الحِلّية) إذ يرى الحِلّية الفعلية هي جزء الموضوع له للبيع وشبهه، بناء على تفسير الصحة بالحِلّية، لا الحِلّية الاقتضائية. هذا إضافة إلى كون هذا الوجه خلاف ظاهر الآية، كما سيأتي.

رد الوجه الرابع: (الجعل بلحاظ الأفراد المتجددة)

ويرد على الوجه الرابع وهو: (إن الجعل إنما هو بلحاظ الأفراد المتجددة لا المنصرمة فلا يلزم تحصيل الحاصل)([4]) أنه وإن حلّ الشبهة من جهة الأفراد المنصرمة لكنه لا يحلّها من جهة الأفراد المتجددة، أما حلّها من جهة المنصرمة فلما سبق بيانه، وأما عدم حلّها من جهة المتجددة فلأن الأمر السابق شامل لكافة الأفراد المتدرجة على مر الزمن أي الطولية أزماناً لكونه على نحو القضية الحقيقية، فإذا شملها الأمر الجديد لكونه على نحو القضية الحقيقية أيضاً كان من الإنشاء بعد الإنشاء بما يستبطنه من تعلق الإنشاء والطلب ثانياً بنفس ما تعلق به الإنشاء والطلب أولاً فيلزم طلب الحاصل أو اللغوية على ما قرر في الشبهة، وعلى أي فلا يصح الجواب السابق (وفي المقام، وعلى ضوء هذا الجواب، يقال: ان البيع الحلال جعله الله حلالاً أي انشأ الحِلّية لطبيعيّ البيع بلحاظ أفراده المتجددة بعد ان انشأ في الماضي الحلية لطبيعيّ البيع بلحاظ أفراده الماضية، أو انشأ الحِلّية لأفراد البيع المتجددة بعد ان انشأها سابقاً لأفراده المنصرمة. فتأمل)([5]) إذ انه أنشأ في الماضي الحِلّية لطبيعي البيع لا بلحاظ أفراده الماضية فقط بل لكل الأفراد على مر الأزمان، كما انه انشأ الحلّية لأفراد البيع المتجددة بعد ان انشأها سابقاً لأفراده المنصرمة والمتجددة فقد تعلق بالأفراد المتجددة إنشاءان وطلبان. فتدبر.

5- الحلال واقعاً حلال شرعاً

الوجه الخامس: ان المراد من مثل (أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ) هو: أحل الله البيع الحلال واقعاً، فالمعنى هو ان البيع الحلال واقعاً قد أُحِلّ شرعاً، وكذلك المراد: ان البيع الصحيح واقعاً (لجامعيته للأجزاء والشرائط الثبوتية) قد أحله الشارع، وقد مضى ان النسبة بين الصحة الشرعية حسب ظواهر الأدلة([6]) والصحة الواقعية، هي العموم من وجه.

وهذا الوجه وإن تمّ في حد ذاته، لكنه لا يجدي للدفاع عن الصحيحي لأنه خلاف مبناه فهو خروج عن المبنى، على انه خلاف ظاهر المراد من الآية كما سيأتي.

6- الحلال الثبوتي أحِل إثباتاً

الوجه السادس: ان الحلال الثبوتي في متن الواقع قد أحله الله إثباتاً أي انشأ حِلّيته.

وهذا غير الوجه الثالث السابق فان الثالث هو (إن الحلال اقتضاءً جعل حلالاً إنشاء) وهذا الوجه يرى بان الحلال فعلاً (لا اقتضاء) ثبوتاً قد أحل إثباتاً، فالحلال الثبوتي الفعلي جعل حلالاً إثباتياً فعلياً.

ويوضحه: ان الأحكام تارة تترتب على الأشياء بوجوداتها الواقعية وأخرى تترتب عليها بوجوداتها الإثباتية دون الثبوتية، فمثلاً عدة المتوفى عنها زوجها تبدأ من حين بلوغها خبر وفاة زوجها لا من حين وفاته، فالاعتداد وأخذ العدة يترتب على الوفاة الاثباتية دون الوفاة الثبوتية.

وعليه: فانه يمكن التفكيك بين الحلال الثبوتي والحلال الإثباتي وترتيب الأثر على الأخير، فصح ان يقال (أحل الله البيع) ويفسَّر بان البيع الثبوتي أحلّه الله إثباتاً فكان حينئذٍ منشأ الأثر أي ان الآثار لا تترتب على الحلال الثبوتي بل على الحلال الإثباتي فاحتاج الحلال الثبوتي إلى تحليل إثباتي.

ولكن هذا الوجه غير تام كما سيأتي.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام:   (( إن معرفة الله عز وجل أُنسٌ من كل وحشَة، وصاحِبٌ من كل وحدَة، ونورٌ من كل ظُلمَة، وقُوَّةٌ من كل ضَعف، وشِفاءٌ من كل سُقم    )) الكافي، ط الإسلامية: ج8 ص247.

([1]) راجع الدرس (224).

([2]) راجع الدرس (224).

([3]) المراد مثل الشهيد الثاني الذي هو المنشأ لهذا البحث والذي يرى الوضع للصحيح شرعاً.

([4]) راجع الدرس (224).

([5]) راجع الدرس (224).

([6]) لا الصحة الشرعية الثبوتية، إذ نسبتها مع الواقعية هي التساوي، كما سبق.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2870
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 2/ ربيع الاول/ 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15