بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(219)
تتمة: معنيان لأصالة الصحة أو الفساد في العقود
سبق (وعلى حسب هذا الضابط فان هذه المسألة تكون من القواعد الفقهية: أي مسألة أصالة الصحة أو الفساد في العقود من حيث الشك في شرطية أمر أو جزئيته وقيديته أو مانعيته لا من حيث الشك في المصداق الخاص من حيث الصحة والفساد بعد الفراغ عن تحديد الشروط وغيرها، اما مبحث ان أسماء المعاملات هل هي موضوعة للصحيح منها أو للأعم، فهي من المبادئ التصديقية لذلك، فلا بد من التفريق بين المسألتين، وقد حققنا ذلك في بعض المباحث فراجع)([1]) وتوضيحه: ان أصالة الصحة أو الفساد في العقود تارة يراد بها الأصل في الشبهات الحكمية، وأخرى يراد بها الأصل في الشبهات الموضوعية أو المصداقية:
فالأصل كلما شك في الصحة والفساد من حيث الشبهة الحكمية أي من حيث احتمال اشتراط الشارع شرطاً في صحة المعاملة أو جزءً أو قيداً أو اعتباره مانعاً لها، هو الصحة أي عدم اشتراطه أمراً فوق ما يراه العرف في صحة المعاملة، وذلك استناداً للإطلاق اللفظي أو المقامي أو غير ذلك.
والأصل كلما شك في الصحة والفساد من حيث الشبهة الموضوعية المصداقية أي شك في صحة هذا العقد وعدمه من حيث الشك في استجماعه للقيود والشروط، بعد الفراغ عن تحديدها وتشخيصها، هو الفساد؛ لأصالة عدم تحقق تلك المعاملة، ولعل البعض يختلط عليه الأصلان عندما يطلق القول بان الأصل في المعاملة الصحة أو الفساد فيتوهم العموم لهما أو يتوهم أحدهما مكان الآخر، ولابد من التمييز كلما أطلق أصالة الصحة أو الفساد في العقود، بسياق الكلام أو المتعلق أو غير ذلك([2]).
البحث عن إمكان وضع الشارع أسماء المعاملات للصحيح أم عن الوقوع؟
ثم ان ظاهر المشهور حيث بحثوا عن ان ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح منها أو للأعم، هو البحث عن الوقوع بعد الفراغ عن إمكان وضع الشارع الألفاظ للصحيح أو للأعم فاختار بعض كالشهيدين وضع الشارع الألفاظ للصحيح منها واختار البعض وضعها للأعم واختار غيرهم عدم وضع الشارع لها أصلاً بل إنما امضى العقود بما لها من المعاني العرفية، هذا هو الظاهر منهم، لكن السيد الخوئي (قدس سره) نقل البحث إلى الامكان وادعى استحالة وضع ألفاظ المعاملات للصحيح عند الشارع قال:
استدلال السيد الخوئي على الامتناع
(الكلام في أن البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح أو في الأعم
والكلام في ذلك يقع في مقامين:
أحدهما: في إمكان وضع ألفاظ المعاملات للصحيح عند الشارع بعد إمكان ذلك في العبادات، فإنّ العبادات أمور شرعية وماهيات اختراعية جعليّة لا مانع من أخذ الصحة أو ملزومها في معانيها، وأمّا المعاملات فهي أمور عرفية لا ربط لها بالشرع، والصحة والفساد حكمان واردان على تلك الأمور المعاملية العرفية فكيف يمكن أخذ الصحة والإمضاء الشرعي في مفاهيمها)([3]).
تقوية الاستدلال
ولابد من تقويته أولاً ثم مناقشته فنقول: يؤكد كلامه ويوضحه: ان الصحة والفساد هما من رتبة المحمول فانهما حكمان وضعيان وما هو في رتبة المحمول يستحيل كونه جزء من الموضوع لاستلزامه تقدم الشيء على نفسه، فكما أن الأحكام التكليفية كالوجوب والحرمة ليست جزء من مفاهيم الصلاة والصوم بل هي عوارض عليها بعد تمامية مفهومها في حد ذاته فكذلك الأحكام الوضعية كالصحة والفساد أو البطلان فانهما محمولات على موضوعاتها كالبيع والإجارة والطلاق والعتق وعوارض عليها فلا يعقل أن تكون جزء منها أي لا يعقل كونها دخيلة في الموضوع فلا يعقل ان يضع الشارع ألفاظ المعاملات لمجموع المعاملة ومحمولها من الصحة والبطلان.
مناقشته: الوضع بيد الشارع، وعدم تصدّيه أعم من الاستحالة
ولكنه غير تام؛ وذلك لأن الوضع أيضاً بيد الشارع، وعدم تصدّيه له أعم من الاستحالة، وتوضيحه: ان الكلام تارة يقع في ان الشارع أو غيره هل فعل كذا أو لم يفعل (مع إمكان الطرفين له) وأخرى يقع في انه هل يمكنه فعل كذا أو لا يمكنه، ولا شك في ان المعاملات موضوعةٌ لغةً لمعاني خاصة وان العرف جرى عليها أو نقل بعضها، ولو بوضع تعيّني، إلى الأخص أو الأعم أو إلى ما كان معه من وجه) أو هجر المعنى الأول بدون وضع لغيره أو انه أكثَرَ من التجوز إلى معنى مقارب – ولا يهم تحقيق ذلك ههنا) فيقع الكلام أولاً في ان العرف هل وضع (أي أقرّ وضع اللغويين، أو وضع تأسيساً، لا فرق) ألفاظ المعاملات لخصوص الصحيح منها أو للأعم من الصحيح والفاسد؟ ثم يقع الكلام ثانياً في ان الشارع إذ رأى وضع العرف هل عدل عنه وقام بوضع جديد لألفاظ المعاملات للأعم مما وضعه العرف له أو للأخص أو للمباين (كما لو وضعوه للصحيح فوضعه الشارع للأعم منه أو العكس أو وضعه بوضع جديد للمطابق لما وضعوه له لحكمةٍ ستظهر مما سيأتي، أو لم يقم بذلك.
ولا شك ان للشارع كأي فاعل مختار أو معتبرٍ آخر ان يضع ألفاظاً لمعاني سواء أطابقت وضع اللغة أو العرف أم لا؛ فان الوضع من مقولة الفعل والإنشاء ولكل شخص أن يضع أي لفظ بإزاء أي معنى، فلا شك في الإمكان إنما الكلام في أن الشارع فعل أم لا؟ فقوله: (واما المعاملات فهي أمور عرفية) فانه مما لا شك فيه ولا شك في ان الشارع حكم على بعضها بالصحة وعلى بعضها بالبطلان، لكن هذا هو ما فعله، ولكن السيد الخوئي يرى انه لا يمكنه أن يفعل غير ذلك، مع انه لا شك في انه يمكنه ان يفعل غير ذلك بمعنى انه لو رأى العرف قد وضعوا([4]) لفظ البيع للأعم من الصحيح والفاسد فيقول لكنني أضعه لخصوص الصحيح أو لو رأى وضعهم لخصوص الصحيح فله ان يضعه للأعم فقوله: (الصحة والفساد واردان على تلك الأمور المعاملية العرفية) مبني على فرض ان الشارع لم يتصرف وان الشارع لم يضع ألفاظ المعاملات بوضع جديد لخصوص المعاملة الصحيحة أو الأعم، وذلك مغاير للاستحالة بالبداهة.
وبعبارة أخرى: الحكم غير دخيل في الموضوع، أي بما هو حكم ومع فرض كونه حكماً، لا فيما إذا صار الشارع في مقام الوضع فانه له ان يجعله له (لا بعنوان كونه حكماً بل بعنوان كونه صفة من الصفات الواقعية) بان يقول جعلت البيع للبيع الصحيح، ولا يرد على ذلك كونه مستدركاً أو تحصيلاً للحاصل فانه إشكال آخر سيأتي دفعه([5]) بإذن الله تعالى.
نعم، لو أراد الضرورة بشرط المحمول صح، لكنه ليس بمطلب جديد ولا ينفي ما استقرّ عليه مبنى بحث المشهور من بحث الوقوع وان الشارع وضع للصحيح أم لا، بل يكون ذلك مجرد متمّم منطقي نظري لبحثهم على انه يجري في كل بحث عن وقوع أمر وعدمه وعن كل تشريعٍ للشرع وعدمه فيقال بانه مستحيل بشرط عدم المحمول المفروض وجوده مجامعاً معه أو شبه ذلك، وهو مما لا فائدة فيه، على انه خلاف ظاهر كلامه. فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمـام الصادق عليه السلام: ((مـن أتى قبر الحسـين عليه السلام ماشيا كتب الله له بكل خطـوة وبكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة مـن ولد إسـماعيل)). وسائل الشيعة: ج14 ص441
([1]) كتاب المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول.
([2]) وسنؤجل البحث عن تتمة ان هذه المسألة من الأصول أو القواعد الفقهية أم غير ذلك، إلى بحث لاحق بإذن الله تعالى.
([3]) الشيخ ميرزا علي الغروي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي (قدس سره) – قم، ط1، ج36، ص60.
([4]) أو أمضوا وضع اللغويين، أي التزموا به.
([5]) وقد أشرنا لدفعه بقيد (الواقعية) فتدبر.
|