بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(267)
المطلقان من وجه
وهما من أمثلة ورود الأمارة على الأمارة، على بعض المباني، وتوضيحه:
ان المطلقين من وجه اما ان يقال بتوقف انعقاد إطلاقهما، على تمامية مقدمات الحكمة مطلقاً ولو بعد مقام التخاطب أو أن يقال بانعقاد إطلاقهما بعد انتهائه.
فعلى الأولى: فكلاهما وارد على الآخر مهما تأخر أحدهما عن الآخر فالورود من الطرفين.
وعلى الثاني: فإذا وردا معاً في مقام التخاطب فمتواردان، وإذا وردا معاً بعده فمتعارضان وفي مورد الاجتماع مجملان والمآل التساقط فيه؛ لانعقاد إطلاقهما بانتهاء مقام التخاطب.
وإذا ورد أحدهما بعد مقام التخاطب فالوارد قبله وارد عليه لا العكس، وكذا لو انتهى مقام تخاطب أحدهما دون الآخر([1])، فهذا مقتضى الصناعة، لكن الظاهر ان المشهور في الفقه يجرون أحكام التعارض عليهما من دون لحاظ سبق زمان أحدهما.
وقد يقال ان روايات (الأحدث) تعاكس ما ذكرناه وقد يجاب بانها خاصة بزمن حضورهم (عليهم السلام) أو خاصة بالمتباينين، فتأمل، وتفصيله في بابه.
العام والمطلق، من وجه
وذلك حسب المباني أيضاً واضح، فانه على مبنى المشهور فالمطلق مراعى دائماً أي ان إطلاقه تعليقيٌّ فالعام وارد عليه (أو حاكم) مطلقاً وعلى مبنى الآخوند: لو جاء العام والمطلق في مقام التخاطب ورد عليه واما لو جاء العام بعد انتهاء مقام تخاطب المطلق فهما متعارضان إذ قد انعقد له الإطلاق، لكن ما لعله المشهور يقدمون العام على المطلق مطلقاً لاظهريته منه فان دلالة العام على الشمول بالوضع ودلالة المطلق عليه بمقدمات الحكمة والأول أقوى وأظهر، والتحقيق ما صار إليه الآخوند في آخر الكفاية من تعارض العام مع المطلق وانه لا احد منها يتقدم على الآخر لمجرد ما ذكر إلا بمناسبات الحكم والموضوع وقوة المادة وشبه ذلك.
وسائر المباحث في ذلك مع تحقيقاتها يظهر مما قدمناه في مبحثي العامين من وجه والمطلقين من وجه ومما حقق في أوائل كتاب التعارض وفي بحث العام والخاص والمطلق والمقيد، فراجع.
ثالثاً: ورود الأصول على الأصول
وأمثلته عديدة:
ورود الاستصحاب على البراءة
منها: ورود الاستصحاب على البراءة أو حكومته عليها؛ فان موضوع البراءة هو ما لا يعلمون فإن قلنا بان ما لا يعلمون كناية عما لا حجة عليه فالاستصحاب وارد لأنه حجة وإن ابقيناه على ظاهره فالاستصحاب حاكم لأنه علم تنزيلي، وان ادعي انه لا ناظرية فيه إليه كفى اقوائيته([2]) في مورد الاجتماع لتخصيصه به؛ لقوة قوله عليه السلام: ((فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا)).
ولا فرق في ذلك بين القول بان الاستصحاب أصل محض أو أصل تنزيلي أو أمارة فان قوله عليه السلام في الصحيحة: (( لانك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا))([3]) و((لا تنقض اليقين أبدا بالشك، وإنما تنقضه بيقين آخر))([4]) يشمل كل ما لا يعلم على كل التقادير.
ورود الاستصحاب السببي على المسببي
ومنها: ورود الاستصحاب السببي على المسببي، وذلك في غير موارد تزاحمهما.
بيان ذلك: ان المعهود هو تعارض الاستصحابين إذا كانا عرضيين أما إذا كان طوليين أي السببي والمسببي فلا تعارض بينهما لورود الأصل السببي على المسببي أو حكومته عليه فانه إذا شك مثلاً في طهارة يده وكانت نجسة وشك في طهارة هذا الماء وكان طاهراً فإذا غسل يده بهذا الماء فان استصحاب طهارة الماء حاكم أو وارد على استصحاب نجاسة اليد لأن نجاسة اليد أو طهارتها معلول حينئذٍ عن طهارة الماء أو نجاسته؛ فانها علتها والمتقدم عليه رتبةً، فإذا ثبتت طهارة الماء بالاستصحاب كان مطهِّراً لليد النجسة بالأمارة أو بالاستصحاب، لا فرق. وأولى الصورتين من أمثلة ورود الأصل على الأمارة فتدبر.
والحكومة والورود منوطان بتحديد موضوع الاستصحاب أو ركنه وان اليقين اللاحق إن أريد به الحجة كان الاستصحاب السببي وارداً لأنه حجة شرعية وإلا كان حاكماً لتنزيله منزلة اليقين فتدبر وتأمل
تزاحم الاستصحابين
واما تزاحم الاستصحابين، فكما لو دخل المسجد وشك انه صلى الظهر أم لا وشك أيضاً ان النجاسة التي كانت فيه أزيلت أم لا([5]) فانه يستصحب عدم صلاته كما يستصحب نجاسة المسجد فيتزاحمان كأصلهما فيلجأ إلى مرجحات باب التزاحم – لا التعارض - وجامعها الأهم وهو الصلاة في ضيق الوقت والإزالة في سعتها.
وسيأتي في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى تفصيل الكلام عن ضوابط التزاحم والأهم والمهم على ثلاثة أصعدة: في فقه الأحوال الشخصية، والاجتماعية، والحكومية.
تمرين: ما هي العلاقة بين البراءة والاحتياط النقليين؟
مثال تمريني: موضوع البراءة النقلية هو ما لا يعلمون في قوله عليه السلام: (رفع ما لا يعلمون) وموضوع الاحتياط النقلي هو (الشك في التكليف) المشمول لعموم ((أخوك دينك فاحتط لدينك))([6]) ونظائره، فايهما، على فرض تمامية السند والدلالة([7])، هو المقدّم على الآخر وروداً أو حكومة أو غير ذلك؟ وكيف نجيب عن دعوى الاخباريين بأصالة الاحتياط في الشبهات التكليفية التحريمية؟ أو عن دعوى من يدعي لزوم الاحتياط مطلقاً في الشك في التكليف من باب الحائطة على اغراض المولى الملزمة أو لغير ذلك؟
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلمفي وَصِيَّتِهِ لِعَلِيٍّ عليه السلام: ((يا عَلِيُّ، ثَلاثَةٌ مِن حُلَلِ اللّهِ: رَجُلٌ زارَ أخاهُ المُؤمِنَ فِي اللّهِ فَهُوَ زَورُ اللّهِ، وحَقٌّ عَلَى اللّهِ أن يُكرِمَ زَورَهُ ويُعطِيَهُ ما سَأَلَ)) تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم: ص 7.
([1]) أي وإن وردا معاً، ولكن كان أحدهما لقرينية مادته أو غيرها مما لم ينتهِ مقام تخاطبه دون الآخر.
([2]) أي الاستصحاب.
([3]) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ج1 ص422.
([4]) الشيخ حر العاملي، وسائل الشيعة، ج1 ص175.
([5]) إذ دخل مثلاً الخادم وخرج أو دخل متشرع آخر ولعله طهرّه.
([6]) الشيخ الطوسي، الأمالي، ط: دار الثقافة، ص110.
([7]) ان (احتط) مولوي للوجوب، وليس ارشادياً أو للندب.
|