• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 19- هل وجوب الإجتهاد والتقليد نفسي أم مقدمي أم طريقي أم شرطي - مناقشة (نفي المقدمية) .

19- هل وجوب الإجتهاد والتقليد نفسي أم مقدمي أم طريقي أم شرطي - مناقشة (نفي المقدمية)

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان الكلام في ثبوت الوجوبات الأربع للاجتهاد والتقليد والاحتياط، وملاكاتها. 
هل الوجوب التخييري نفسي أو طريقي أو شرطي أو غيري؟ 
والكلام الآن عن الوجوب التخييري للاجتهاد والتقليد وأنه هل هو شرعي أم لا؟ وإذا كان شرعياً فهل هو نفسي أم طريقي أم شرطي أم غيري؟ توضيحه: 
أ- الوجوب النفسي: 
اختلف الأعلام في تعريف الواجب النفسي على أقوال: 
الأول: النفسي هو ما كان محبوباً لذاته وقد طلب لمحبوبيته، والوجوب الغيري هو ما لم يكن محبوباً لذاته، وقيل: وإن كان محبوباً لذاته ولكنه لم يطلب بهذا اللحاظ. 
الثاني: قول المشهور: النفسي هو ما وجب لا لواجب آخر مثل الصلاة، والغيري ما وجب لواجب آخر كالوضوء ونصب السلم للصعود للسطح. 
الثالث: القول المختار وهو أن النفسي ما لا يسقط أمره بامتثال غيره أو ما لا يسقط وجوب امتثاله بفعل غيره، وقد حققناه في (فقه التعاون على البر والتقوى). 
ب- الوجوب الطريقي: 
وأما الوجوب الطريقي فقد عرفه بعض الأعلام بما وجب لتنجيز واجب أو للتعذير عنه كما في (التنقيح) لكن الأدق والأصح هو ما وجب ليكشف عن تكليف إلزامي، كما يظهر بالتأمل. 
ج- الوجوب الشرطي: 
وأما (الشرطي) فهو عبارة أخرى عن شرط الصحة فـ(ما وجب) أي ما كان شرطاً في الصحة، فالمراد من الوجوب الشرطي الحكم الوضعي، لا التكليفي، وسيأتي في المسألة التاسعة من العروة إن عمل العامي بلا إجتهاد ولا تقليد ولا احتياط باطل، هذا على رأي من ذهب إلى الوجوب الشرطي وليس التكليفي، على أن في تحديد المقصود من (باطل) بحثاً سيأتي بإذن الله تعالى. 
د- الوجوب المقدمي: 
ومن المحتملات في الوجوب التخييري للاجتهاد والتقليد والاحتياط، أن يكون وجوباً مقدمياً غيرياً، فهل يمكن كونه كذلك؟ 
والجواب إن الظاهر أنه لا إشكال في كونها مقدمة للعمل المامور به، لأن العلم ـ بقسميه الاجتهادي والتقليدي، وكذا الفطري ـ مقدمة للعمل، بل وكذا الاحتياط، إلا أن هذه المقدمة غير منحصرة بل على سبيل البدل، ولا ينفي كونها على سبيل البدل مقدميتها، فالاجتهاد مقدمة للعمل بأوامر المولى ولا ينفي مقدميته عدم الانحصار فيه ووجود بديل له وهو التقليد أو الاحتياط، لأن المقدمة تارة تكون منحصرة وتارة تكون على سبيل البدل فإن نصب السلّم للكون على السطح لو أمر به المولى مقدمة وإن لم تكن منحصرة. 
إشكال (التنقيح) على الوجوب المقدمي 
ومن ذلك يتضح أن إشكال التنقيح صغروياً وكبروياً في المقام، غير تام، فإنه أنكر الكبرى (إن مقدمة الواجب، واجبة شرعاً) وأنكر الصغرى على تقدير تسليم الكبرى (الاجتهاد والتقليد مقدمتان للواجب). 
أما الكبرى فبدعوى أن (مقدمة الواجب ليست بواجبة شرعاً وليس أمرها مولوياً بوجهٍ وإنما هي واجبة عقلاً لعدم حصول الواجب إلا بها) وبناءً على كلامه فإن (أعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ليست إلا إرشاداً لحكم العقل القاضي بإعداد القوة مقدمة لإرهابهم ودفع خطرهم وضررهم. 
وكذا قوله تعالى (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون) وليس وجوبها شرعياً، وكذا كل أمر تعلق بالمقدمات فهو إرشادي كالمشي لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، فالتنقيح يرى أنه ليس مولوياً وأنه لا يوجد وجوب شرعي ولا استحباب شرعي لمثل المشي للزيارة. 
الجواب عن كلام التنقيح 
ونقول بأيجاز: 
أولا: يجب أن نلاحظ الحال في عوالم ثلاثة: عالم اللحاظ، ثم عالم الإرادة، ثم عالم الإنشاء، ففي عالم اللحاظ فإن المولى عندما يلاحظ ذا المقدمة الحامل لغرضه ويلاحظ أن حامل غرضه متوقف على أمر فلابد أن تنقدح في عالم الإرادة، إرادة منه منبسطة على ذي المقدمة والمقدمة معاً إلا أن الفارق هو الطولية بمعنى أن الإرادة أولا وبالذات تنصب على ذي المقدمة وثانياً وبالتبع على المقدمة، وحيث إن عالم الإنشاء يتبع عالم الإرادة فإنه سينشئ طلباً منبسطاً على الاثنين ذي المقدمة والمقدمة معاً، مع حفظ الطولية، فالفارق ليس في الطلب وأنه لا طلب شرعي، بل الطلب الشرعي موجود لكن الفرق في أن هذا مطلوب لذاته وهذا لغيره. 
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الضابط الذي اخترناه للمولوية (ما صدر من المولى بما هو مولى معملاً مقام مولويته) متحقق في المقدمة فالأمر بها مولوي، نعم إذا قلنا بأن الضابط هو (ما كان محبوباً للمولى بذاته وصدر الأمر لمحبوبيته) فبناء على هذا لا يكون الأمر بالمقدمة مولوياً لأنه ليس محبوباً بذاته، وقد فصلنا الكلام حول ذلك في (الأوامر المولوية والإرشادية) فلا نطيل ههنا، هذا كله في البحث الكبروي. 
أما صغروياً فإن التنقيح ذهب إلى أنه لا يمكن أن يكون الاجتهاد والتقليد مقدمة للعمل (لأنهما في الحقيقة عبارة عن العلم بالأحكام ومعرفتها ولا يكون معرفة حكم أي موضوع مقوماً لوجود ذلك الموضوع ومقدمة لتحققه، بحيث لا يتيسر صدور الفعل ممن لا يعلم بحكمه، فهذا كرد السلام، فإنه ممكن الصدور ممن لا يعلم بحكمه) فإنه واجب، لكن ردي السلام خارجاً غير متوقف على العلم بوجوب رد السلام بل حتى لو لم أعلم باستحبابه (((بوجوبه))) أمكن صدور رد السلام مني. 
ثم يقول: (وكذا الحال في غيره من الواجبات، إذ يمكن أن يأتي بها المكلف ولو على سبيل الاحتياط). 
وهذا الكلام مناقش فيه من وجوه: 
الأول: العلم بالحكم اجتهاداً أو تقليداً مما قد يقع في سلسلة مقدمات تحقق المعلوم؛ فإن العلم بالحكم علة معدة للعمل به، فليس أجنبياً عنه، إلا أن المقدمة تارة تكون منحصرة وتارة غير منحصرة فيكون لها بدل فوجود البدل لا ينفي المقدمية. 
وبعبارة أخرى: تارة يكون هذا الفرد الخاص أو الجزئي المشخص هو المقدمة، وتارة يكون الجامع صنفاً أو نوعاً أو جنساً هو المقدمة فإذا كان الجامع هو المقدمة فستكون المصاديق مقدمات على سبيل البدل، ومنشأ التوهم في كلامه أنه حيث لاحظ وجود البدل فانكر المقدمية، وكان الأولى أن ينكر المقدمية المنحصرة، لا أن ينكر المقدمية أصلاً، ويوضح ذلك مثال الكون على السطح فإن نصب السلم مقدمة، لكن إذا كان له بديل، كالقفز فإنه لا ينفي كون نصب السلم مقدمة، نعم ينفي ذلك كونه مقدمة منحصرة لكون الجامع لهما هو المقدمة. 
هذا هو الجواب الأول عن التنقيح، وسيأتي الجواب الثاني عنه حيث استشهد برد السلام وأنه قد يقع بلا علم وسننقض عليه بموارد كثيرة متوقفة على العلم وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=279
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 12 ذي القعدة 1432 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14