• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 206- تتمة انواع السرقفلية ـ بحث عن التخريج الفقهي لاستئجار الفنادق .

206- تتمة انواع السرقفلية ـ بحث عن التخريج الفقهي لاستئجار الفنادق

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(206)

 

الأجوبة عن مجهولية الثمن
ويمكن الجواب عن مجهولية الثمن (في الصورة الثانية السابقة) إضافة للوجوه الأربع الماضية، بوجهين آخرين هما: أنه لا مجهولية للثمن، صغرىً وأنه لا تُخلّ المجهولية إذا كانت من هذا النوع بالعقد، كبرىً

شبهة بطلان استئجار الفندق اذا لم يحدد المدة
 ولنوضح ذلك في ضمن مسألة مشابهة شديدة النفع عامة البلوى وهي: استئجار الغرف في الفنادق فإنه لو استأجر الغرفة يوماً بمأة دينار أو عشرة أيام بألف دينار كان صحيحاً لأن العين المستأجرة معينة[1] والمدة والأجرة محددان أيضاً أي معلومان غير مجهولين، لكن المتحقق كثيراً ما في الخارج أن يستأجر الغرفة لمدة غير محددة أي مادام راغباً بالبقاء في هذا البلد أو مادام أن عمله الذي جاء لأجله، كانجاز معاملة تجارية أو حل مشكلة إدارية، لم ينته، ولكن كيف يمكن تخريج هذه المعاملة شرعاً؟ إذ إنه لم يحدد مدة الاستئجار ولم يتحدد بتبعه مقدار الأجرة مجموعاً، مع أن المشهور بل المجمع عليه ظاهراً لزوم تحديد المدة والمبلغ وإلا كان من الغرر وقد (نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر)[2].
ويمكن تخريجه بوجوه:

وجوه ستة لتصحيح الاستئجار غير محدد المدة
الأول: إنه صلح، الثاني: إنه جعالة فتأمل[3]، الثالث: إنه هبة معوضة أي يهبه مبلغاً مقابل السكنى. الرابع: انه اباحة للسكن في مقابل اباحة الثمن ويلزم بالتلف وشبهه. فتأمل

الجواب بأنه ليس غرراً كما لا دليل على بطلان مطلق المجهول[4]
الخامس: أن يقال بأنه إجارة لكنه ليس بمجهول عرفاً إذ العرف لا يرى في مثل ذلك غرراً ولا ضرراً ولا الإجماع على خلافه:
 أما الإجماع فلأنه دليل لبي قدره المتيقن ما إذا كان الأجر مجهولاً مطلقاً لا ما إذا كان محدداً ثبوتاً ومما يؤول إلى التحديد إثباتاً، إذ الفرض أن كل يوم أجرته مأة مثلاً فكلما بقي يوماً زاد مأة فإذا بقي عشرة أيام كان ألفاً، والقدر المتيقن من الإجماع ما لو كان مجهولاً مطلقاً كاستئجار الدار مقابل مبلغ ما، وبعبارة أخرى حيث إن الإجارة ههنا انحلالية بعدد الأيام والأيام، محددة ثبوتاً واثباتاً في علم الله تعالى بل هي محددة إثباتاً بالانقضاء والانحلال وإن كان المجموع ليس بمعلوم الآن لكن آحاده معلومة والمجموع يعلم بانقضاء الأجل، عكس المجهول المطلق الذي لا يعلم بانقضاء الأجل فإنه ولو دفع آخر الأمر شيئاً محدداً فإنه لا يدفع مجهوليته الذاتية إذ بذل الشئ عمل متأخر رتبة عن معلوميته ومجهوليته ذاتاً ولا يقلبه عما وقع عليه فتأمل.
وأما الغرر فيجاب بأنه ليس غرراً عرفاً ما دام منحلاً إلى آحاد مستقلة كل منها له أجرة محددة.

الاجارة غير المحددة المدة معاطاتيه مبرزها العمل الخاص
السادس: سلمنا أن الغرر مطلقاً محظور شرعاً وأن هذا النوع من الإجارة غرر عرفاً، لكن يصح التخريج على الإجارة بدون إشكال أصلاً بأن يقال بأنه يستأجره، في واقع الأمر، يوماً بيوم، بنحو الإجارة المعاطاتية ويكون المبرز لها أو المنشئ كل يوم هو بقاؤه في الفندق بعد الساعة الثانية ظهراً (مثلاً، كما في أغلب الفنادق) فيكون انقضاء إجارة اليوم الأول بحلول الساعة الثانية، فإذا بقي كان نفس بقائه إنشاءً معاطاتياً لاستئجار المكان ويكون سكوت صاحب الفندق رضىً وقبولاً لثبوت البناء الارتكازي العام على ذلك.

تخريج السرقفلية على الاجارة ودفع اشكال المجهولية.
وفي المقام: يمكن القول أولاً: بأن أجرة المحل، الذي باعه بنحو السرقفلية، وإن لم يحدد زمنها لكنها محددة عند الخبراء عرفاً بتحديدهم عمر المكان عادة، وفيه ما لا يخفى.
ثانياً: إنه وإن كان مجهولاً بشكل عام لكنه لا يضر بعد أن انحل إلى وحدات شهرية كل وحدة منها ثمنها معين فتأمل، ويمكن تتميمه بالشرط الارتكازي على أنه إذا أجره بعد عشر سنين لآخر لعشر سنين أخرى مثلاً كان محدداً أيضاً بهذا العقد الجديد لكن هذا عوْدٌ إلى الوكالة أو الشرط الضمني فيدخل في الجواب البنائي عن الإشكالات الثمانية السابقة وهو ما سيأتي إلا أننا الآن في الجواب المبنوي فتأمل.

الملك المؤقت في السرقفلية
الصورة الثالثة: أنه تمليك مؤقت لعشر سنين مثلاً، فهذا مبعض ذاتاً لكن من حيث الزمن.
وفيه: بعد التأمل في كبرى صحة البيع المؤقت، أن هذه الصيغة لا تحل أية مشكلة من المشاكل الثمان الماضية إذ الفرض هو أنه بعد انتهاء العشر سنين يخرج من ملكه ويعود لمالكه الأول وهو البائع، فكيف له ـ للمشتري المالك مؤقتاً ـ بعد انقضاء العشر سنين أن يؤجر للغير أو يبيع له؟ فإن كان عن الغير أي عن المالك كان وكالة فيرد أنها تبطل بموت أحدهما أو بالعزل والحال أن السرقفلية ليست كذلك، وإن كان عن نفسه فلا بيع إلا في ملك ولا إجارة إلا في ملك، إلا إذا كان وكيلاً[5] وهو محل الإشكالات السابقة، كما يرد أنه إذا كان من شرط النتيجة فهي ولاية لا وكالة ولم يرد في الشارع صحة التولية بالشرط، ويرد أيضاً أن للمسببات في المعاملات أسباباً معهودة ليس منها الشرط ، كما يرد أن الشرط قائم بالمتشارطين لا بالثالث والرابع الطوليين وهكذا.

تصوير الملك المبعض في السرقفلية
الصورة الرابعة: أنه من الملك المبعض ذاتاً وآثاراً، وتصويره أنه يبيعه وينقل ملكيته إليه لا من كل الحيثيات بل من حيث ان تكون منافعه له بملكيته لا لاستئجاره، ومن حيث أن تكون له سلطنة بيعه أو تأجيره بنحو عقد الخلو عن نفسه بعد العشر سنين، ومن حيث أن له تجديده لنفسه فتكون له حينئذٍ[6] مرتبة أعلى من الملكية وهي الملكية التامة بعد أن كانت له الملكية الناقصة وهي الملكية من حيث أن له سلطنة عن نفسه البيع فقط. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإنه لا ينقل ملكية العين له من حيث أن له (أي للبائع أي المالك الأًصلي) تعود الأجرة مهما ترامت البيوع، ومن حيث أن المشتري إذا لم يجدد العقد عادت الملكية بالمرتبة الأقوى له. فالعين من حيث منفعة الاجرة للبائع ومن حيث ساتر منافعها للمشتري
ولا يخفى ما في ذلك من التكلف الشديد، إلا أن الكلام أنه لو فرض أنه فعل كذلك فهل هو صحيح؟ وقد سبق إمكانه، وحسنه لو تعلق به الغرض، وصحته لو صار من الاعتبارات العقلائية[7] وفيه تأمل، فتأمل والله العالم.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام الرضا (عليه السلام) محدثاً عن أبيه (عليه السلام) : (ان الجنة والحور لتشتاق إلى من يكسح (اي يكنس) المسجد أو يأخذ منه القذى)[8]
وقال الامام الباقر (عليه السلام) : (إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه)[9]
وقال (عليه السلام) : (محرمة الجنة على القتاتين المشائين بالنميمة)[10]

=================

[1] - حسب الفرض.
[2] - كتاب المكاسب - الشيخ الأنصاري: (ج ٤ - ص ١٩٨) ، راجع أيضاً التذكرة (ج٢: ص٢٩١) ، والجواهر (ج٢٦: ص ١٤٢).
[3] ­- اذ يشترط في الجعالة تعيين الثمن وتحديده، أما العمل فتغتفر فيه الجهالة التي لا تغتفر في الاجارة.
[4] - بل الباطل هو المجهول المطلق.
[5] - أو ولياً بوجه.
[6] - حين اذ جدد لنفسه
[7] - أو بنى عليه المتعاقدان.
[8] - جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي :(ج ٤ - ص ٤٧١)
[9] ­- وسائل الشيعة - الحر العاملي : (ج ٣ - ص ٢٦٤)
[10] - الكافي - الشيخ الكليني : (ج ٢ - ص ٣٦٩)


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2779
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 6 ذي الحجة 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15