• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 254- نسبة الامارة لاصالة الاحتياط: الصور اربعة : على بعضها الورود وعلى بعضها الحكومة .

254- نسبة الامارة لاصالة الاحتياط: الصور اربعة : على بعضها الورود وعلى بعضها الحكومة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)

(254)

 

ورود الأمارة على أصالة الاحتياط

وأما بيان النسبة بين الأمارة وأصل الاحتياط فقد سبق بعض الكلام عنها، ونطرح ههنا ما لم نطرحه فيما سبق إضافة إلى تطوير بعض ما تمّ طرحه، فتعتمد على تحديد موضوع أصالة الاحتياط ، وذلك على مستويي الشبهة البدوية العلم الإجمالي، فلنقدم الكلام في الصورة الأولى وهي :

أصالة الاحتياط في الشبهة البدوية مطلقاً أو في خصوص الشبهة التحريمية على ما ذهب إليه الاخباريون، ولابد من تحديد موضوعها أولاً ليمكن تحديد نسبة الأمارة إليها وأنها الورود أو الحكومة أو غير ذلك على ضوء ذلك، فنقول: أصول الاحتمالات في موضوع أصل الاحتياط هي ثلاثة[1].

 

1- إذا كان موضوع الاحتياط (احتمال العقاب)

الاحتمال الأول: أن موضوع أصل الاحتياط هو احتمال العقاب، بأن يقال كلما احتمل العقاب في الشبهة التحريمية خاصة على مسلك الاخباريين، أو في الشبهة مطلقاً وإن كانت وجوبية، على احتمال صناعي (وإن كان المنصور المشهور خلافه) استناداً الى الوجوب العقلي للمحافظة على أغراض المولى الملزمة أو لغير ذلك، فيجب الاحتياط.

وحينئذٍ نقول: إن الأمارة، كخبر زرارة على عدم الوجوب أو الحرمة، واردة على أصالة الاحتياط، على هذا الفرض، وليست حاكمة ؟ وذلك لوضوح انتفاء احتمال العقاب حقيقة وجداناً مع مجيء المؤمِّن من الشارع إذ لا يعقل أن يعاقب الشارع على القيام بعمل (في الشبهة التحريمية) أو على ترك عمل (في الشهبة الوجوبية) مع إقامته الحجة على عدم وجوبه وعدم حرمته.

 وبعبارة أخرى: سواء أكان التكليف (حرمةً أو وجوباً) موجوداً ثبوتاً أم لا فإنه حيث لم يصل لنا لا بتقصير منا وحيث وصلتنا حجة من الشارع على العدم فإنه لا يعقل العقاب مطلقاً ولا يوجد مجال لأدنى احتمال بوجوده ؛ لكونه ظلماً

وحيث كان الانتفاء الحقيقي لموضوع الاحتياط (وهو احتمال العقاب) بعناية التعبد (لفرض كون الأمارة ظنية وببركة التعبد بحجيتها) كان من الورود، لا من التخريج إذ يكون منه لو كانت الأمارة قطعية.

 

2- إذا كان موضوعه احتمال التكليف (الإنشائي أو الواصل)

الاحتمال الثاني: إنه موضوعه هو (احتمال التكليف) وفرقه عن سابقه واضح؛ لتقدم احتمال التكليف على احتمال العقاب رتبةً؛ ولكون الأول من العلل المعدة للثاني، وهنا تكون الأمارة حاكمة على أصل الاحتياط لا واردة، وذلك لوضوح أنه لا ينتفي احتمال التكليف الواقعي بقيام أمارة على الخلاف بل ينتفي تنزيلاً فقط بداهة أن الأمارة ما دامت ظنية قد تكون غير مصيبة[2] فيبقى احتمال التكليف واقعاً لكنه غير منجز وغير لازم الاتباع.

لكن التحقيق يقتضي التفصيل وذلك على حسب المراد من التكليف وذلك لأن للتكليف والحكم حسب الآخوند أربع[3] مراتب: الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجز، والأصح خروج الأولى والأخيرة؛ إذ مرتبة الاقتضاء تكوينية وليست انشائية مجعولة للشارع، وذلك كوجود المفسدة الملزمة في شرب الخمر فانها مقتضية لإنشاء الحكم والتكليف وليست بحكم تكليف، وأما مرتبة التنجز فهي لاحقة على الحكم متفرعة عليه إذ تعني استحقاق العقاب بالمخالفة وليس ذلك حكماً بل هو نتيجة مخالفة الحكم فمرتبة التنجز متأخرة عن الحكم برتبتين ، فتبقى مرتبتا الإنشاء والفعلية:

 والأمارة حاكمة على مرتبة الإنشاء ولما سبق لوضوح أن قيامها على الخلاف لا يزيل الإنشاء الثبوتي ولا احتماله، لكنها واردة على مرتبة الفعلية إذ قوام الفعلية بالوصول ومع قيام الأمارة على الخلاف لا وصول لذلك الإنشاء والواقعي قطعاً، فتدبر.

 

3- إذا كان موضوعه (احتمال الضرر الدنيوي)

الاحتمال الثالث: أن موضوع الاحتياط هو احتمال الضررالبالغ ، فإن أريد به العقوبة عادة للأول، وإن أريد به الضرر الدنيوي فهو هذا الاحتمال الثالث، وهو مغاير لسابقيه فإنه أسبق منهما رتبة، فإنه بناء على مسلك العدلية من تبعية الأحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات فإن كل تحريم للشارع (إلا ما كان امتحانياً وهو نادر بل ذهب الميرزا النائيني إلى عدمه) فهو لوجود مفسدة ملزمة في المتعلَّق وكذا كل إيجاب فإنه لوجود مصلحة ملزمة فيه، وعليه فالترتيب هو: الضرر أولاً والتكليف ثانيا  فاستحقاق العقاب بالمخالفة ثالثاً.

وعلى أي فإنه لا شك في أنه حتى لو قامت الأمارة على الخلاف فإنه لا يتغير المتعلَّق عما هو عليه واقعاً من المصلحة او المفسدة، فإذا دلت على عدم حرمة كذا وكان حراماً واقعاً فاقتحمه فإن الضرر يترتب لا محالة فإنها آثار وضعية، نظير ما لو قامت البينة أو قال ذو اليد بأن هذا ماء وليس خمراً فشربه وكان خمراً واقعاً فإنه يسكر ويتضرر دون شك.

وعليه فإذا قامت الأمارة على حلية شيء فهي حاكمة على أصالة الاحتياط التي موضوعها احتمال الضرر وليست واردة إذ لا تنفيه حقيقة بل تنزيلاً بتتميم الكشف أو إلغاء احتمال الخلاف تعقلاً أو تعبداً فتدبر.

ولكن يبقى البحث عن الوجه في تسويغ الشارع وقوع العبد في المفاسد الملزمة بتجويزه اتباع الأمارات مطلقاً مع أن بعضها غير مصيب مع انه كان يمكن ان يحكم بلزوم الاحتياط كي لا يقع العبد في مفسدة ابداً، وستأتي بإذن الله تعالى أجوبة ثلاثة عن ذلك وعن الاشكال على القول بأصالة البراءة في الشبهات البدوية بعد الفحص، فإن الإشكال مشترك الورود.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

قال الإمام الباقر (عليه السلام): (الاعمال تضاعف يوم الجمعة فأكثروا فيه من الصلاة والصدقة والدعاء)[4]

وقال (عليه السلام) : (من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة)[5]

وقال الامام السجاد (عليه السلام) : (من أطعم مؤمنا من جوع اطعمه الله من ثمار الجنة)[6]

[1] - وهي تختلف عما سبق ذكره بوجه ما، على أن المذكور هنا أكثر وضوحاً ودقة، لكنه لا يغني عما هنالك إذ ذكرنا هناك ما لم نذكره هنا.

[2] - فقد يكون الراوي أخطأ أو وَهَمَ أو إتّقى أو ورّى، أو قد يكون الراوي عنه كذلك، وقد يكون الإمام عليه السلام اتقى.

[3] - وقد اضفنا لها خامساً، ولعله يأتي.

[4] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي: (ج ٨٦ - ص ٣٦٥).

[5] - الكافي - الشيخ الكليني: (ج 3 - ص ١٧٤).

[6] - جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي: (ج 8 - ص ٥١٣).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2776
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 6 ذي الحجة 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14