• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 242- مقتضى الامتنانين: ابقاء الحرمة ورفع العقاب ـ تطبيق وجوه الحكومة السبعة على آية (وما كنا معذبين) وعلى (الحكم الولوي) .

242- مقتضى الامتنانين: ابقاء الحرمة ورفع العقاب ـ تطبيق وجوه الحكومة السبعة على آية (وما كنا معذبين) وعلى (الحكم الولوي)

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(242)
 
تتمة
سبق (مقتضى الامتنانين: إبقاء الحرمة ورفع العقوبة
إن مقام الامتنان يفيد رفع العقوبة رغم الاستحقاق للعقاب بارتكاب الحرام، لا رفع الحرمة فانه خلاف الامتنان، بل مقتضى الجمع بين امتنانين هو إبقاء الحرمة وإلغاء العقوبة. بيان ذلك...)([1])
ونضيف: ان الامتنان قد يقتضي رفع الوجوب أو الحرمة وذلك كما في قوله (صلى الله عليه وآله): "لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ"([2]) الكاشف ان فيه ملاك الوجوب إلا ان مصلحة التسهيل أو مفسدة المشقة أوجبت عدم الحكم بالوجوب، فقد يتوهم ان المقام من هذا القبيل، لكنه ليس بصحيح للفرق بين المقامين فان المقام هو مقام وجود مفسدة ملزمة في المحرمات العقلية ولم تزاحمها مصلحة أخرى تقتضي الامتنان بعدم الإيجاب بل غاية الأمر عدم وجود طريق ثانٍ للحكم ممن لا شأن له بالملاكات؛ وذلك لأن المفروض ان الحجة الباطنة قد قامت على المحرمات العقلية فكانت هي الطريق إليها والكاشف عنها من غير ان يقوم الطريق الثاني وهو النقل عليها أيضاً ولذا قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)([3]) فحيث لم يقم دليل ثانٍ أمتنّ الله برفع العقاب كما سبق، ولكن لا مِنّة في رفع الحرمة إذ المفسدة الواقعية موجودة ولا مزاحم لها، وعدم قيام دليل آخر على الحكم (وهو الرسول بعد العقل) ليس مما تحدث به مصلحة أو مفسدة في الواقع والمتعلق لأن الدليل مجرد كاشف عن الواقع وليس صانعاً للحكم أو لملاكاته، عكس المشقة في السواك حيث انها جهة واقعية مزاحمة لمصلحة اقتضت الامتنان برفع الوجوب.
 
وجه حكومة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ...) على أصالة الحظر
 
وصفوة القول وخلاصته وتحصيله بعد كل ما مضى: ان الآية الشريفة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) حاكمة على أصالة الحظر على بعض مستنداته كما مضى، لكن ما هو وجه الحكومة؟
والجواب: ان المباني في نكتة تقدم الحاكم على المحكوم سبعة كما سبق تفصيلها في ما مضى مع مناقشاتها، وهي بأجمعها منطبقة على المقام فلنذكرها بإيجاز شديد ينفع في استحضار المباني وفي تحليل حال سائر الأدلة أيضاً مما كان حاكماً أو مما ادعيت حكومته.
 
على مبنيي الناظرية
 
الوجه الأول: الحكومة للناظرية بالمعنى الأخص وهو ما ذهب إليه الشيخ من (ان يكون احد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظراً إلى الدليل الآخر...).
الوجه الثاني: الحكومة للناظرية بالمعنى الأعم وذلك باعتماد التفسير السابق مع حذف قيد (بمدلوله اللفظي) فنقول: ان المعنى الأخص للحكومة ينطبق على الآية الكريمة فكيف بالأعم؛ وذلك لأن الآية ناظرة بمدلولها اللفظي للحظر في قاعدة الحظر مهما كان مستندها (حق الطاعة، حق المملكة، حق المملوكية الذاتية... الخ مما سبق) والوجه واضح فان متعلق الآية هو الحكم الأولي فهي ناظرة له إذ متعلق (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ...) هو: على مخالفة الأحكام الواقعية الصادرة منّا أو على الأحكام العقلية فالآية ناظرة بالمدلول اللفظي للحكم لكونه هو متعلق الآية وهو بحكم الموجود.
 
على مبنى توقف التعقل
 
الوجه الثالث: توقف تعقل أحد الدليلين على الآخر([4])، ولا شك في توقف تعقل الآية على تعقل حكم أولي سابق لأنه المتعلَّق لها. والحاصل انها تفيد: وما كنا معذبين على مخالفة الحكم الواقعي([5]) (وإن أوجبت استحقاق العقوبة لكننا نرفعها امتناناً)([6]).
 
على مبنى التعرض لما لم يتعرض له الآخر
 
الوجه الرابع: التعرض لما لا يتعرض له الدليل الآخر من جهاته، وقد تطرقت الآية للعذاب ورفعه وهو ما لا تتطرق له أدلة الأحكام ودليل قاعدة الحظر فان أدلة الأحكام تتحدث عن ثبوتها وعدمه، ولا تتطرق لاستحقاق العقاب بالمخالفة وإنما العقل هو الحاكم بذلك، كما لا تتحدث عن فعلية العقاب بعد ثبوت الاستحقاق، وأما الآية فانها تتحدث عن شأن لاحق للحكم بل عن شأنٍ لاحق للاحِقِهِ([7]).
 
على مبنى لسان المسالمة
 
الوجه الخامس: لسان المسالمة، فان الآية لسانها لسان المسالمة لدليل الحكم الأولي حتى لو قلنا بانها تستلزم رفع الحرمة إذ لا تواجهه بالنفي المباشر بل تنفي فعلية العقاب ليلزم منه بالتبع عدم الحرمة، فالنفي بلسان غير مباشر كنفي الحكم بلسان نفي الموضوع في كونه نفياً للحكم لكن لا بلسان المصادمة بل بلسان المسالمة، هذا كله لو قلنا بالاستلزام فكيف لو قلنا بالعدم؟ فتأمل.
 
على مبنى تعدد الموضوع
 
الوجه السادس: تعدد الموضوع الذي ذكره الشيخ والذي فسره الميرزا النائيني بإرجاع القضية الحملية إلى قضية شرطية فراجع ما سبق مع مناقشاته، وذلك متحقق في المقام وذلك لأن موضوع الآية الكريمة هو مرتبة التنجز بل ما بعدها (إذ مرتبة التنجز هي مرتبة استحقاق العقاب بالمخالفة) واما مرتبة أدلة قاعدة الحظر ونظائرها فموضوعها مرتبة الإنشاء والفعلية. فتدبر جيداً([8]).
إذا اتضح لك ذلك يتضح لك الحال في كيفية استخراج (الحكومة) ووجهها في سائر الأدلة فانه إذا لم ينطبق أي مقياس من مقاييسها لم تكن من الحكومة بل كانت من التخصيص أو التخريج أو الورود أو التخصص..
ولنمثل بما سبق السؤال عنه من البحث التطبيقي الآخر وهو:
 
الأحكام الولوية
 
فهل الأحكام الولوية حاكمة على الأحكام بعناوينها الأولية أو هل أدلتها حاكمة على أدلتها أو عليها؟
فقد يقال بالحكومة والرجوع إلى الملاكات أو المباني السبع السابقة في الحكومة لتطبيقها عليها، لكن الصحيح ان ذلك غير وافٍ بالمطلب، إذ الحكومة لسان فاللازم ملاحظة الدليل الدال على الحكم الولوي فقد يكون حاكماً (كما إذا كان ناظراً أو غير ذلك) وقد لا يكون، فالأمر مرتهن باللسان وليس كون الدليل دالاً على الحكم الولوي([9]) أو ثابتاً للشيء بعنوانه الأولي أو الثانوي هو الملاك، فمثلاً قوله (عليه السلام): "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَزُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُمَا سَأَلَاهُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْهَا وَعَنْ أَكْلِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ أَكْلِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَمُولَةَ النَّاسِ وَإِنَّمَا الْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ"([10]) حكم ولائي في حرب خيبر لكن اللسان في خصوص كلام النبي (صلى الله عليه وآله)([11]) ليس لسان الحكومة على مختلف المباني السابقة فيها أما لسان رواية الإمام الباقر فهو ظاهر في الحكومة فلاحظ قوله (عليه السلام): "وَإِنَّمَا نَهَى...". فتأمل وتدبر
وقس على ذينك العنوانين (الآية (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ...) والحكم الولوي) ما سواهما ليظهر لك حقيقة حالها.
 
الفرق بين الحكم الولوي والحكم الثانوي
 
تنبيه: الحكم الولوي مغاير للحكم الثانوي فان الحكم الولوي مستند إلى الإمام، ثم إلى الفقيه على حسب القول بدرجات ولايته، أما الحكم الثانوي فموكَلٌ للمكلف.
ثم ان الحكم الثانوي يستند إلى حيثية تقييدية في المتعلَّق (كالضرر للصوم) عكس الحكم الولوي فانه قائم بما للمولى من مقام السيادة والمولوية غاية الأمر ان ما في المتعلق من الجهات التي يلاحظها هي حيثية تعليلية لاصداره الحكم الولائي لا تقييدية. فتدبر وتفكر وللبحث صلة بإذن الله تعالى
وسيأتي الكلام عن الأحكام الناسخة وهل هي حاكمة أم لا.
كما سيأتي الكلام عن أدلة حجية الظن المطلق وأدلة عدم حجيته والنسبة بينها.
وسيأتي الكلام عن نسبة أدلة حجية الظن المطلق إلى الأصول الأربع إذا اذن الله تعالى ويسّر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "لَا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوَى وَ كَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ"
الكافي: ج2 ص75.
...................................................
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2681
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 12 شعبان 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14