• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 239- بحث تطبيقي: (الحكومة والورود) هل يجريان في باب التزاحم والاحكام الولوية وشبهها .

239- بحث تطبيقي: (الحكومة والورود) هل يجريان في باب التزاحم والاحكام الولوية وشبهها

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(239)

بحث تطبيقي آخر:
هل تجري الحكومة والتخصيص وغيرهما في باب التزاحم؟
 
وبوجه آخر: هل تجري الحكومة والورود والتخصيص وأشباهها([1]) في باب التزاحم أم انها خاصة بباب التعارض؟
 
وجه توهم اختصاص الحكومة وأخواتها بباب التعارض
 
فقد يتوهم اختصاصها بباب التعارض؛ نظراً لأنها من مستثنيات بابه، إذ انها من التعارض غير المستقر أي التعارض البدوي، فيقال مثلاً ان للتعارض أحكاماً كالتساقط كأصل أولي والتخيير في خصوص الأخبار أو مطلقاً كأصل ثانوي ثم تذكر مستثنيات باب التعارض وهي الحكومة والورود والتخصيص وما أشبه.
وأما باب التزاحم فهو قسيم باب التعارض إذ التعارض هو تكاذب الخبرين أما التزاحم فهو تدافع الملاكين من غير تكاذبٍ بين الخبرين أو الخبر الجامع لهما بل يكون كلاهما صحيحاً وارداً من المولى لكن عجز المكلف عن الامتثال لعدم قدرته على الجمع هو الذي أوقع التدافع بينهما فيتخير إن تساوى الملاكان وإلا فيرجح الأهم تعييناً إن كان الرجحان بدرجةٍ ملزمة وإلا فندباً، ولأجل ذلك قد يتوهم انه لا تجري فيه مستثنيات الباب القسيم له.
 
الصحيح: أعمية الحكومة وأخواتها من باب التعارض والتزاحم
 
لكن الصحيح هو ان هذه العناوين (التخصيص والحكومة وغيرها) تجري في باب التزاحم كما تجري في باب التعارض؛ وذلك لأنها من عالم الإثبات والأدلة وهي مرتهنة بلسان الدليل ولا يختلف حالها باختلاف عالم الثبوت ووجود ملاك في المستثنى وعدمه. توضيحه:
 
التخصيص قد يكون لفقد الملاك وقد يكون لاقوائية ملاكه المضاد
 
أما في التخصيص فلأنه عبارة عن استثناء فرد أو صنف أو نوع من كلي (نوعاً أو جنساً) فقد يكون لأنه لا ملاك له بالمرة وقد يكون لوجود ملاك فيه مضاد لملاك العام مع كونه أقوى منه وأرجح فيستثنى من حكمه بمتصلٍ أو منفصلٍ.
مثال الثاني: لو قال (أكرم العلماء) واستثنى زيداً العالم لكونه فاسقاً فان ملاكي العلم والفسق يتزاحمان إذ العلم يقتضي الإكرام والفسق يقتضي الإهانة، فإذا كان ملاك الفسق المقتضي للإهانة أقوى بنظر المولى حَكَم بإكرام العلماء وأخرج زيداً العالم الفاسق بمخصص متصل أو منفصل.
ومثال الأول: ما لو إعتبر المولى العالم المأخوذ موضوعاً للإكرام كعنوان مشير إلى الملاك ولم يعتبره هو الملاك نفسه (إذ العناوين المأخوذة في الموضوعات تارة تكون هي الملاك وأخرى تكون مشيرة له وقد تكون نسبتها حينئذٍ معه من وجه إلا أن المولى أخذ العنوان المشير موضوعاً لِحُكمِهِ لِحِكمةٍ([2]).
وعليه: فلو كان حكمه بـ(أكرم العلماء) لا لكون العلم ملاكاً لوجوب الإكرام بنظره بل كان قد أخذ العلم مرآة للخدمة أو التقوى مثلاً، وكان حكمه بوجوب الإكرام واقعاً منصباً على المتقي أو الخدوم، فإذا وجد المولى ان زيداً العالم غير خدوم أو غير متقي فانه يستثنيه (وكل ما لم يتوفر فيه الملاك الواقعي) فيخرجه بلسان التخصيص مثلاً، فلا يوجد ملاك ههنا في المخصَّص عكس السابق.
 
التزاحم الملاكي والتزاحم في مقام الامتثال
 
تنبيه: التزاحم على قسمين: التزاحم الملاكي والتزاحم في مقام الامتثال، والبحث جار في كليهما.
والمراد بالتزاحم الملاكي: ما تتزاحم فيه الملاكات في مرحلة حكم الشارع، فهو من شؤون الشارع والمولى أي انه لدى إنشائه الحكم يلاحظ وجود الملاكات المختلفة في المتعلق([3]) فيحكم بعد ترجيحه لبعضها على البعض الآخر والكسر والانكسار بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما فلاحظ مثلاً قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)([4]).
وأما التزاحم في مقام الامتثال فانه يحصل عند عجز المكلف عن الجمع بين امتثال التكليفين الواجبين – مثلاً - معاً وذلك يعني تمامية الملاك في كل منهما وإيجاب الشارع لهما معاً إلا أن العبد كانت قدرته قاصرة فعجز عن الجمع، فهو إذاً من شؤون المكلف وتابع لحالاته من قدرته وعدمها وذلك كعجزه عن إنقاذ الغريقين الواجدين للملاك (ككونهما محقوني الدم واجبي الحفظ مع التساوي فالتخيير وإلا فالأهم كالنبي (صلى الله عليه وآله) هو الواجب إنقاذه).
وما سبق من المثال كان للتزاحم الملاكي وتخصيص المولى للراجح ملاكاً وإخراجه عن حكم العام ذي الملاك الأضعف.
وأما التزاحم في مقام الامتثال فيدخل فيه التخصيص أيضاً إذ يصاغ هكذا – مثلاً -: (كل غريق مصون الدم يجب إنقاذه إلا لو زوحم بغريق أهم مع العجز عن الجمع فلا يجب بل يحرم) أو (الواجب إنقاذ كلا الغريقين إلا لو كان أحدهما أهم (ككونه نبياً) وعجز المكلف عن إنقاذهما فلا يجب إنقاذ المفضول) فقد استثنى إنقاذ المفضول من الحكم الكلي بوجوب إنقاذ كل غريق مع ان فيه الملاك، وذلك لو كان أحدهما أهم وأما لو كانا متساويين فيقال (الواجب إنقاذ كل غريق تعييناً إلا لو تزاحم إنقاذهما فلا يجب إلا أحدهما تخييراً).
وأما في الحكومة: فلأن الحكومة لسانٌ، واللسان لا يختلف حاله باختلاف حال عالم الثبوت وان مورد الحاكم واجد لملاك مورد المحكوم([5]) أو لا، وسيأتي توضيحه غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
 
عن الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: "مَنْ أَحَبَّنَا لِلَّهِ وَرَدْنَا نَحْنُ وَهُوَ عَلَى نَبِيِّنَا (صلى الله عليه وآله) هَكَذَا، وَضَمَّ إِصْبَعَيْهِ، وَمَنْ أَحَبَّنَا لِلدُّنْيَا فَإِنَّ الدُّنْيَا لَتَسَعُ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ"
الأمالي للطوسي: 253.
...............................................
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2673
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 9 شعبان 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14