بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(230)
الاحتمالات الأربع في موضوع الاحتياط
وبعبارة أخرى: موضوع الاحتياط يحتمل فيه أن يكون أحد الأمور التالية:
موضوعه الشك بنفسه
الأول: ان موضوعه هو الشك بنفسه، فإن كان متعلقه هو التكليف كان مجرى البراءة العقلية لقاعدة قبح العقاب بلا بيان على المشهور ومجرى الاحتياط العقلي لقاعدة المولوية والعبودية على المنصور، وعلى أي فخبر الثقة حاكم عليه.
موضوعه الشك الكاشف ولو كشفاً ضعيفاً
الثاني: ان موضوعه هو الشك الكاشف ولو كشفاً ضعيفاً، فإن كان متعلقه التكليف فكما سبق، أو المكلف به فانه يكون منجزاً بالشروط المعهودة ([1]) وحينئذٍ فان الحجة على أحد الطرفين بالإثبات أو النفي، مما يستلزم إثبات الطرف الآخر، تكون واردة عليه ([2]) إن قلنا بأن قيامها يزيل كاشفية الشك في أحد طرفي العلم الإجمالي وان الكاشفية هي حيثية تقييدية والموضوع مركب من الشك ومنها فانه وإن بقي الشك وجداناً بعد قيام خبر الثقة على أحد الطرفين إلا أن كاشفيته تنتفي، ومن الواضح ان المركب يعدم بعدم بعض أجزائه وهذا هو الورود، أما لو قلنا بأن الكاشفية تبقى وجداناً كالشك نفسه، فيكون خبر الثقة حاكماً.
موضوعه الشك المقيد بعدم حجة على الخلاف
الثالث: ان موضوعه هو الشك المقيد بعدم الحجة على الخلاف، ومن الواضح ان مثل خبر الثقة يكون وارداً عليه بعد فرض كونه حجة.
موضوعه الشك المتكافئ
الرابع: ان موضوعه هو (الشك المتكافئ مع القسيم) وحينئذٍ يكون خبر الثقة وارداً أيضاً إذ لا يكون الشك وإن بقي وجداناً، بدرجة الموهومية، في الطرف الآخر مكافئاً للطرف الذي تعلق به خبر الثقة فلا موضوع للاحتياط إذ موضوعه العلم الإجمالي المتعلق بطرفين متكافئين في الكاشفية أو في درجة الشك ونصابه عرفاً، ومن الواضح ان أحد الطرفين الذي قام عليه خبر الثقة لا يكافؤه الطرف الآخر.
والمحتملات في عالم الثبوت هي كذلك إلا ان اللازم البحث في عالم الإثبات عبر استنطاق لسان الأدلة وما تفيده إن كان الكلام عن الاحتياط نقلاً، أما لو كان الكلام عن الاحتياط عقلاً وجب التعمُّل في موضوعه كما يحكم به العقل، والثلاثة الأخيرة كلها محتملة إلا ان أقربها الثالث فالرابع على انه لو شك بينهما أو بين الثلاثة الأخيرة لكان القدر المتيقن هو المنجز فتأمل.
بحث تمريني: جوهر الفرق بين الاحتمال في البدوية وأطراف العلم الإجمالي
ذهب المشهور إلى ان الاحتمال في الشبهة البدوية التحريمية والوجوبية، غير منجز، بينما الاحتمال نفسه في أطراف العلم الإجمالي منجز، بل انه منجز وإن كان أضعف منه في البدوية.
فمثلاً: لو احتمل بدواً بنسبة 50% أن قطرة دم سقطت في هذا الإناء فلا يحكم بحرمة شربه ولا بنجاسته ([3]) أو احتمل أن هذا الإناء مسروق أو غير ذلك، أما لو علم بسقوط قطرة دم في أحد الانائين فانه يجب تجنبهما معاً مع أن الاحتمال في كل طرف هو 50% بل قد يكون أضعف كما لو علم بسقوطها في احدى أواني ثلاثة أو أربعة أو خمسة مثلاً فان الاحتمال في كل طرف يكون 33% ([4]) أو 25% أو 20% فلماذا يكون منجزاً حينئذٍ؟.
والجواب المعهود هو أن تنجزه هنا للعلم الإجمالي دون الشبهة البدوية.
لكن ماذا لو أجيب بان العلم الإجمالي ليس علة تامة للتنجز لذا لا يتنجز مع خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء أو كثرتها فليس إلا مقتضياً فما الدليل على تنجزه في الطرفين مع مساواة الاحتمال في كل منهما للاحتمال في الشبهة البدوية بل مع أضعفيته؟
بعبارة أخرى ما هو الفارق الجوهري بين الاحتمالين؟
وكذلك الحال في صورة خروج أحد الطرفين عن مورد الابتلاء فما الفرق الموجب لتنجز الطرف الأول بين كون قسيمه داخلاً في مورد الابتلاء وعدمه؟
والجواب المعهود هو: انه يوجد علم بالتكليف مع كونهما مورد الابتلاء دون كون أحدهما مورده لعدم صحة البعث إلى (أو الزجر عن) ما لا تتعلق به القدرة لخروجه عن مورد الابتلاء، وكذلك لا يوجد علم بالتكليف في الشبهة البدوية.
لكن ذلك وإن صح، فانه لا يصنع فارقاً في جوهر الاحتمالين إذ العقل يرى وزن الاحتمالين (المقترن بالإجمالي وعدمه، والداخل أو الخارج عن مورد الابتلاء) واحداً في جوهرهما وحقيقتهما.
وقد يجاب: بان الاحتمال حتى في البدوية منجز في الشؤون الخطيرة.
لكنه غير مفيد إذ الكلام عن تنجيز العلم الإجمالي للاحتمال في الأطراف وإن لم يكن في الشؤون الخطيرة، وان الاحتمال في غير الخطيرة غير منجز في البدوية ومنجز في المقترنة بالعلم الإجمالي.
ويمكن أن يجاب: بالتفصيل بين كون العلم الإجمالي حيثية تقييدية بالنسبة للشك المتحقق في أحد الطرفين وكونه حيثية تعليلية، فهل ذاك صحيح وهل هو مجدٍ؟ فتدبروا.
وقد يجاب بالتفصيل: بين كون المنجزية بحكم العقل في موارد العلم الإجمالي أو كونها بحكم النقل؟ فهل ذلك تام؟
وقد يجاب بان الشؤون الاخروية كلها خطيرة؟ فهل يتكفل ذلك بالجواب؟
وابحثوا عن أجوبة أخرى أيضاً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَمُرُّونَ عَلَى حَلَقِ الذِّكْرِ فَيَقُومُونَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَيَبْكُونَ لِبُكَائِهِمْ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِمْ إِلَى أَنْ قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَآمَنْتُهُمْ مِمَّا يَخَافُونَ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّ فُلَاناً كَانَ فِيهِمْ وَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْكَ فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُ بِمُجَالَسَتِهِ لَهُمْ فَإِنَّ الذَّاكِرِينَ مَنْ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ" وسائل الشيعة: ج7 ص232.
...............................................
|