بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(221)
تتمة: الوجوه المحتملة في الشك واليقين
سبق ان (الشك) في صحيحة زرارة قد يراد به الشك في الحكم الواقعي وقد يراد به الشك في الحجة وقد يراد به الشك في الوظيفة، وبناء عليها يُصار إلى الحكومة أو الورود أو غيرهما.
المحتملات السبع في كل من اليقين والشك
ونضيف: ان المحتملات في كل من الشك واليقين في ذاتهما ومنسوباً أحدهما إلى الآخر، هي سبعة بل أكثر ونقتصر على ذكر السبعة إذ يعلم حال غيرها منها، وعليها جميعاً يبتنى تحقيق حال النسبة وانها الحكومة أو الورود أو غير ذلك لا على الثلاثة الماضية فقط.
الأول: ان المراد ([1]) من اليقين في قوله: "فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا" ([2]) اليقين في الحكم، ومن الشك الشك فيه، وهذا هو الذي مضى ان عليه يكون خبر الثقة ونظائره حاكماً على الاستصحاب.
الثاني: ان المراد من اليقين اليقين بالحجة والامارة ومن الشك الشك فيها، وهذا ما مضى من ان الأدلة – بناء على هذا – تكون واردة على الاستصحاب.
وهناك صور أخرى لم أجد في استقراء ناقص مَن طرحها إلا ان اطلاق دليل الاستصحاب يشملها جميعاً بعد الإذعان بان اللام للجنس، وهي:
الثالث: ان يراد باليقين اليقين بالدليل ومن الشك الشك بالحكم.
لا يقال: لا يعقل ذلك للتلازم بينها؟.
إذ يقال: أولاً: لا تلازم إذ قد يبقى متيقناً بالدليل ولكنه يشك مع ذلك في الحكم، وذلك في صور:
منها: احتمال النسخ فانه لا يزال متيقناً، بالدليل المنسوخ (احتمالاً ([3])) كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)([4]) لكنه قد يشك بعد ذلك في الحكم لاحتماله النسخ، ولا تضاد بين قطعية الدليل الأول واحتمال النسخ بل حتى والقطع به لورود مثل قوله تعالى: (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)([5]).
ومنها: ما سبق بحثه مفصلاً من جريان دأب الشارع على المخصصات المنفصلة الآتية بعد وقت الحاجة، فانه إذا تيقن بالدليل كالعام إذ علم به بطريق قطعي، وغفل عن قرينة الدأب ثم التفت إليها فانه يشك حينئذٍ في الحكم لكونه محتمل التخصيص حينئذٍ مع انه قاطع حينئذٍ بالدليل.
الرابع: ان يراد باليقين اليقين بالحكم ومن الشك الشك في دليله، عكس الصورة السابقة، وذلك كما لو كان محفوفاً بالقرائن فزالت أو ضاعت أو طرأ شك في قرينيتها ودلالتها.
الخامس: ان يراد باليقين اليقين بالدليل والحكم معاً ثم الشك فيها معاً.
السادس: الصورة بحالها مع الشك في الدليل فقط.
السابع: الصورة بحالها مع الشك في الحكم فقط.
وأحكام هذه من حيث ورود الامارة عليها أو الحكومة مختلفة، فتدبر حال الصورتين الأوليين تعرف حال الصور الخمس الأخيرة.
تتمة: وجه رابع لحل معضلة التعارض بين الدليل والأصل
مضى ان الشيخ قدس سره رفع التعارض المتوهم بين دليل الامارة ودليل الاستصحاب، بالحكومة، وأضفنا انه قد يرفع بالورود ثم ترقينا إلى وجه ثالث هو انه لا تعارض.
وهنا نترقى إلى وجه رابع وهو: انه يستحيل القول التعارض استحالة وقوعه، وتقريبه: ان من المستحيل، بالنظر للحكمة، ان يكون لقوله: "فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا" إطلاق لصورتي قيام الحجة على الخلاف وعدمه (كما قرره الشيخ) وذلك لبداهة انه لا يعقل قول الشارع، بل أي حكيم ملتفت: ( "فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا" حتى لو أقمت لك الحجة على الخلاف) أي خلاف الاستصحاب فهذه الاستحالة المستفادة من مناسبات الحكم والموضوع أو من مادتي القضيتين (الاستصحاب والامارة على الخلاف) دليل قطعي على ان النسبة بين دليلي الامارة والاستصحاب ليست العموم من وجه بل التباين كما سبق تقريره ببيان آخر فراجع.
النسبة بين الأدلة الاجتهادية والبراءة والتخيير
وبذلك كله اتضحت، مبدئياً، النسبة بين الدليل الاجتهادي ودليل الاستصحاب، وسيأتي في آخر البحث بإذن الله تعالى مزيد تفصيل وأخذ ورد، ويبقى بيان حال النسبة بينه وبين كل من البراءة والتخيير والاحتياط فنقول:
اما البراءة: فيعلم حالها مما سبق في لفظ (الشك) إذ يجري نظيره في (ما لا يعلمون) وهو الموضوع لحديث الرفع؛ إذ يقال المراد من (ما لا يعلمون) هل هو ما لا يعلمون حكمه ([6])؟ وعليه فالامارة حاكمة، أو ما لا يعلمون الدليل عليه؟ وعليه فالامارة واردة، أو ما لا يعلمون الوظيفة فيه؟ والوظيفة تارة يراد بها العملية فالامارة واردة وأخرى يراد بها العلمية فالامارة حاكمة أو واردة على وجهين، فتدبر.
وأما التخيير: فموضوعه (الخبران، بل الحجتان مطلقاً فيما نرى، المتعارضان المتكافئان المتحيَّر فيهما) أو فقل: موضوعه (التحيُّر بين الخبرين المتعارضين المتكافئين) إذ لو كانا متراجحين لتقدم الراجح ولم يكن تحير حقيقة أو تعبداً.
وعليه: فلو اعتضد أحد الخبرين بعد تكافؤه أولاً مع الخبر الآخر بمرجح حادث خارجي أو داخلي منصوص عليه خاصة أو الأعم منه ومن غير المنصوص على مسلك الشيخ من التعدي للمرجحات غير المنصوصة، وذلك كما لو انعقدت الشهرة على أحدهما أو جاء خبر آخر من الإمام اللاحق وعَضَد أحد الخبرين فانه يترجح عليه ([7]) وترتفع حينئذٍ الحيرة: فان أريد بالتحير العرفي فالخبر المرجِّح وارد على موضوع التخيير، أو الدّقي فحاكم.... إلى غير ذلك مما يعلم حاله مما سبق في الاستصحاب. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ أَيْنَ الرَّجَبِيُّونَ؟ فَيَقُومُ أُنَاسٌ تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ لِأَهْلِ الْجَمْعِ عَلَى رُءُوسِهِمْ تِيجَانُ الْمُلْكِ وَذَكَرَ ثَوَاباً جَزِيلًا إِلَى أَنْ قَالَ هَذَا لِمَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ شَيْئاً وَلَوْ يَوْماً فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ"
وسائل الشيعة: ج10 ص479.
.............................................
|