• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 220- وجه آخر لرفع التعارض بين دليل الاستصحاب ودليل حجية الخبر، بنفي وجود التعارض اصلاً ـ القول بالجمع بين حكومة وورود خبر الثقة على الاستصحاب، بوجه جديد .

220- وجه آخر لرفع التعارض بين دليل الاستصحاب ودليل حجية الخبر، بنفي وجود التعارض اصلاً ـ القول بالجمع بين حكومة وورود خبر الثقة على الاستصحاب، بوجه جديد

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(220)
 
الشيخ: دفع مغالطة التعارض بين الامارة والاصل، بالحكومة فقط
 
وقد صرح الشيخ قدس سره بمسلكه في المقام([1]) بقوله: (وفيه: أنه لا يرتفع التحير ولا يصير الدليل الاجتهادي قطعي الاعتبار في خصوص مورد الاستصحاب إلا بعد إثبات كون مؤداه حاكما على مؤدى الاستصحاب، وإلا أمكن أن يقال: إن مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها سواء كان هناك الأمارة الفلانية أم لا، ومؤدى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤداه([2])، خالف الحالة السابقة أم لا.
ولا يندفع مغالطة هذا الكلام إلا بما ذكرنا من طريق الحكومة كما لا يخفى)([3]).
 
المناقشة: بل بالحكومة أو الورود أو بوجه ثالث
 
أقول: سبق ان المحتمل في المقام لدفع التعارض أمران: الحكومة والورود وليس دفع المغالطة موقوفاً على القول بالحكومة فقط، نعم الحكومة والورود مبنيان على تحقيق المبنى في المراد من (الشك) في قوله (عليه السلام): "فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا"([4]) وانه الشك في الحكم الواقعي فالحكومة أو الشك في الحجة عليه فالورود.. إلى آخر ما سبق.
 
الوجه الثالث: لا تعارض حتى بدوياً
 
ولكن نقول: ان ههنا وجهاً آخر لحلّ معضلة التعارض بين دليل الاستصحاب ودليل مثل خبر الثقة مما لا نحتاج معه إلى الحكومة أو الورود، وهو نفي وجود التعارض أصلاً([5]) بين الدليلين([6]) وذلك يظهر بالتدبر في فقه صحيحة زرارة ومكان الباء فيها إذ قال (عليه السلام): "فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا" فالمنهي عنه هو نقض اليقين بالشك لا نقض اليقين بخبر الثقة أو بأي أمر آخر غير الشك، وبعبارة أخرى: الصحيحة تعتبر الشك مما لا يدفع به اليقين السابق فأي ربط لذلك بدفع اليقين السابق بخبر الثقة أو أي أمر آخر غير الشك، ومن الواضح ان النهي عن أمر أو نفيه لا يقتضي النهي عن أمر آخر أو نفيه.
لا يقال: ذلك هو مقتضى الإطلاق كما قال الشيخ: (وإلا أمكن أن يقال: إن مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها، سواء كان هناك الأمارة الفلانية أم لا، ومؤدى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤداه، خالف الحالة السابقة أم لا).
إذ يقال: ذلك صحيح ولكنه لا ينفي ما ذكرناه بل يؤكده إذ الصحيحة تقول: لا تنقض اليقين بالشك سواء أكان هناك خبر وامارة أم لا، واننا مع وجود الامارة لا ننقض اليقين بالشك بل ننقضه بالامارة فقد امتثلنا الأمرين دون مانعة جمع بينهما لأنهما من واديين.
 
الشك مباين للامارة والظن النوعي دقةً وعرفاً
 
لا يقال: الشك يصدق على الامارة عرفاً أو دقةً أي ان الشك كلي طبيعي ومن أصنافه الامارة.
إذ يقال: كلا بل هو مباين للامارة والحجج دقةً وعرفاً:
أما دقة فلوضوح ان الظن قسيم دقةً للشك فكيف بالظن الخاص المعتبر؟ بل الشك دقةً لا مصداق له إلا ما كان الاحتمال خمسين بالمائة حقيقةً، فلو كان 49 مقابل 51 بالمائة كان الأول وهماً والثاني ظناً دقةً.
وأما عرفاً، فلأن العرف لا يطلقون على العامل بخبر الثقة انه شاك فيه، وبعبارة أخرى: يصح سلب الشك عرفاً عن موارد الظن الخاص كخبر الثقة وفتوى الفقيه؛ أفترى المقلِّد المعتقد بمرجعه شاكاً في فتواه أو هو ظان بها ظناً خاصاً معتبراً؟ وإن فرض كونه شاكاً فلِعَرَض خارجي أو لوسوسة داخلية، إضافة إلى ان الملاك هو الظن النوعي لا الشخصي. هذا.
 
قرينةُ تَقَابلِ الشك مع اليقين دليل على إرادة غير العلمي
 
إضافة: إلى أن مما يؤكد أن (الشك) في الصحيحة لا يراد به ما يشمل العلمي (أي الظن الخاص كخبر الثقة) وقوعه في مقابله اليقين، ومن البديهي ان اليقين في قوله "لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ ثُمَّ شَكَكْتَ"([7]) و"فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَدا" يراد به الأعم من اليقيني أي العلمي فالمراد بالشك هو الشك الخاص لا الشامل للعلمي واليقيني، فتدبر تعرف.
 
دليل حجية الامارة حاكم ووارد معاً على الاستصحاب
 
ثم انه قد يقال بان دليل حجية خبر الثقة ونظائره حاكم ووارد معاً على دليل حجية الاستصحاب (وهذا إن لم نقل بانه لا تعارض بينهما أصلاً كما سبق)، فتوهم ان النسبة بينهما إما الحكومة أو الورود على نحو المنفصلة الحقيقية غير صحيح بل الصحيح هو الحكومة والورود معاً لا بمعنى اجتماعهما على المورد الواحد الشخصي بل المراد الورود على بعض أنواع الاستصحاب والحكومة على بعضها الآخر فالمراد من حيث المجموع وان خبر الثقة إجمالاً حاكم ووارد على الاستصحاب إذا لوحظ ككلي طبيعي ثم يتمصدق بالحكومة في بعض أفراده وبالورود في بعضها الآخر.
إذ (لام) اليقين والشك للجنس فيشمل: الحكم والحجة
وذلك لأن الظاهر هو ان اللام في (اليقين) و(الشك) في الصحيحة للجنس([8]) فيشمل الشك في الحكم الواقعي والشك في الحجة عليه: فإن كان الشك في الحجة بعد اليقين بها أو بالحكم كان خبر الثقة وارداً، وإن كان الشك في الحكم الواقعي نفسه كان الخبر حاكماً، وحيث ان حالات الشك وأنواعه مختلفة لدى الملكفين فلكلٍّ حكمه: فمن شك في الحكم بعد اليقين به فانه إذا وجد خبراً كان حاكماً على استصحابه ومن شك في الدليل على الحكم بعد اليقين به ثم وجد خبراً كان وارداً عليه، وستأتي تتمة لذلك بإذن الله تعالى.
 
فائدة: المرجَّح طرح الحلول والأجوبة قبل طرح الشبهات
 
ان الأسلوب في طرح الإشكال أو الشبهة (كشبهة تعارض دليل الاستصحاب مع دليل خبر الثقة في موضع الاجتماع لكون النسبة بينهما العموم من وجه) تارة يكون بطرح الشبهة ثم الجواب عنها، وأخرى يكون العكس بطرح الجواب بدون الإشارة إلى انه جواب عن أية شبهة أي طرح المطلب والوجه الصحيح والحل كفكرة مستقلة ثم الإشارة إلى انه كانت ههنا شبهة طرحها البعض وهذا المذكور هو الحل لها.
ولكلٍّ من الأسلوبين وجهٌ وكلٌّ منهما ضروري في مقام التعليم وتطوير الطالب والملكة، وقد ابتدأنا([9]) هذا البحث بطرح الحل (وهو الحكومة أو الورود أو الورود والحكومة معاً) ثم أشرنا إلى إشكال التعارض كما طرحه الشيخ ثم نبهنا على ان ما سبق كان حلاً لهذا الإشكال.
هذا في علم الأصول ونظائره، أما في علم الكلام والعقائد فان من المفضل عموماً في المحافل العامة عدم طرح الشبهة ثم التصدي للجواب؛ إذ كثيراً ما يكون غالب الحضور أو الكثير منهم ممن لا يعلمون عن الشبهة شيئاً فقد تستقر في أذهانهم عند طرحها ثم لا يفهمون الجواب أو لا يقتنعون به، فيكون الخطيب أو الباحث ممن أشاع بذلك الفاحشة الفكرية أو العقدية لا سمح الله.
نعم إذا كان الطرف عالماً بالشبهة ولم يكن غيره هنالك فيمكن تقريرها أولاً ثم ردّها.
والحاصل: ان المفضل في المحافل العامة طرح الفكر الصحيح والعقيدة السليمة ابتداءً، لا كجواب على شبهة بل كمبحث عام فكري أو عقدي، فإن كان السامع ممن يعلم بالشبهة أتاه الجواب إن كان من ذوي الألباب وإن لم يكن يعلم بها فانه يستقر في ذهنه وجه الصواب وإن لم يعلم بانه جواب عن الشبهة الكذائية، ثم انه إذا سمع بها فحيث كان الجواب في مرتَكَزِه فانه لا يتلّوث بها، نعم القليل من الناس ممن لا ذهن وقّاداً لهم قد لا يدركون الربط وان ذلك الكلام السابق كان عن الشبهة التي سمعها للتوّ، لكن أمره يهون إذ انه بمجرد التنبيه يتنبه إلى ان ما عرفه من قبل هو جواب عن هذه الشبهة الطارئة، والله المستعان.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
 
قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): "خَيْرٌ مِنَ الْحَيَاةِ مَا إِذَا فَقَدْتَهُ أَبْغَضْتَ الْحَيَاةَ، وَشَرٌّ مِنَ الْمَوْتِ مَا إِذَا نَزَلَ بِكَ أَحْبَبْتَ الْمَوْتَ" تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص489.
..............................................
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2608
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 29 جمادى الاخرة 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14