بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(213)
القول بان الانبعاث عن قاعدة الاحتياط في المكتنف بقرينة الدأب
لا يقال: الانبعاث في العمومات المحتفة بقرينة الدأب العامة، إنما هو عن الاحتياط فحيث انه علم بوجود التكليف وشك في الامتثال بإتيانه بالقدر المتيقن فقط وجب أن يحتاط بالعمل بالعام على عمومه فلا تضر قرينة الدأب العامة بلزوم الانبعاث مطلقاً.
الجواب: 1- الأصحاب انبعثوا عن العمومات لا عن الاحتياط
إذ يقال: أولاً: يكذِّب ذلك الوجدانُ والضرورة؛ لما نراه من أن أصحاب المعصومين (عليهم السلام) وغيرهم ينبعثون عن العمومات نفسها لا عن الاحتياط.
ثانياً: لا يخلو وجوب الاحتياط عن أحد وجهين:
2- مع وجود قرينة الدأب فلا اشتغال يقينياً ولا علم إجمالي منجزاً
أ- قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.
ب- العلم الإجمالي بالتكليف والشك في مرحلة الامتثال ([1]).
وكلاهما غير تام؛ لوضوح انه مع وجود قرينة الدأب العامة فلا اشتغال يقيني إلا بالقدر المتيقن؛ لتردد الحكم منذ صدور العام بين كونه شاملاً لكافة مصاديق العام وبين كونه خاصاً ببعضها لعدم العلم بتطابق إرادته الجدّية مع الاستعمالية وعدم جريان أصالة التطابق وأصالة الجد مع وجود قرينة الدأب العامة، كما أنه مع وجود قرينة الدأب لا علم إجمالي بالتكليف في الحدود، إلا أن يُوجّه – كما سبق – بانه من شبهة الكثير في الكثير وفيه انها تقتضي البراءة لا الاحتياط. فتأمل
3- مع وجود العام لا تصل النوبة للاحتياط
ثالثاً: لا تصل النوبة للاحتياط بعد وجود العام وثبوت ما ذكرناه من لزوم الانبعاث عن الحكم واقعياً كان أو ظاهرياً.
4- الاحتياط قد يكون معارضاً بمثله أو يكون الاحتياط في تركه
رابعاً: ان الاحتياط قد يكون في ترك الاحتياط وقد يكون الاحتياطان متعارضين، فيلزم أن لا يصح الانبعاث على طبق عموم العام إذا كان وجهه لزوم الاحتياط إلا فيما علم أن العام من غير هاتين الصورتين وذلك كما لو علم برجحان كافة الأفراد فجاء عام يفيد بعمومه وجوبها بأجمعها واحتمل ان يكون بعضها مستحباً سيأتي المخصص الدال عليه لاحقاً، عكس ما لو احتملت الحرمة في مورد الخاص كما لو دل العام على وجوب إكرام العلماء واحتمل أن المخصص يفيد حرمة إكرام علماء السوء.
حكم ما لو اطلع المكلف على المخصصات اللاحقة
يبقى السؤال عن حكم ما لو اطلع المكلف فرضاً على المخصصات التي أُودعت لدى الإمام اللاحق (عليه السلام) بطريق من الطرق، فهل عليه العمل على حسب عموم العام الواصل إليه وإلى سائر المكلفين أو العمل على حسب الاستثناء الواصل إليه دون سائر المكلفين؟
الظاهر هو أن مقتضى القاعدة التفصيل بين صورتين:
أ- حكم ما لو كان تأخير البيان للتزاحم
أولاهما: ما لو كان تأخير البيان (للمخصص) عن وقت الحاجة لوجود مزاحم أقوى في المتعلَّق أو في سلوك الطريق نفسه مما اصطلح عليه بالمصلحة السلوكية، فانه حينئذٍ لا يكون التكليف حتى في مورد الخاص إلا بالعام، ويستظهر حينئذٍ من ورود المخصص في زمن الإمام اللاحق أن المزاحم ([2]) قد ارتفع فوجب العمل عندئذٍ بحكم الخاص، لكن ذلك التزام بنوع من النسخ فتأمل.
ب- حكم ما لو كان تأخير البيان لوجهٍ خاص به
ثانيتها: ما لو كان تأخيره لا لذلك بل لجهة خاصة بالبيان نفسه دون المبيَّن، كما لو عجز عن ذكر الخاص لموتٍ أو نومٍ غالب أو تعسّر عليه ([3]) لمداهمة العدو للمكان أو دخول من يُتَّقى منه مثلاً مما استوجب قطع الكلام فوراً فلم يستطع المولى ذكر المخصص الذي به تمام مراده الجدي، فلا شك حينئذٍ في أن وظيفة من اطلع على ذلك المخصص ان يعمل به وإن لم يصل لغيره وأخّرهُ.
ويوضحه: ما لو كانت التقية في نفس بيان الحكم بان كان الإمام حينئذْ تكلم بالحكم في حالة التقية لوجود عدو جائر في المجلس فأمر (عليه السلام) المكلَّف بالتكتف لكن المكلف حين حل وقت الصلاة بعد ذلك لم يكن في حالة التقية فانه لا شك حينئذٍ في وجوب العمل بالحكم الواقعي دون الظاهري، نعم لو كانت التقية بلحاظ المتعلَّق وحال المكلف حين العمل كانت حكماً واقعياً ثانوياً.
حكم التزاحم النوعي والشخصي
لا يقال: يختلف حال التزاحم بين ما لو كان المزاحم للنوع أو للشخص؟
إذا يقال: الأمر دائر مدار حال العام والخاص معاً فان كان جعل العام على مدار المصلحة النوعية كان الخاص مزاحِماً إذا كانت مصلحته النوعية أقوى ([4])، وإن كان العام على مدار المصلحة الشخصية كان الخاص كذلك.
نعم لو انفكا أمكن التفكيك بين الحكمين. فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال رسول الله (صلى الله وآله وسلم): "إِنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَخَذَ بِيَدِي جَبْرَئِيلُ فَأَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ فَنَاوَلَنِي مِنْ رُطَبِهَا فَأَكَلْتُه فَتَحَوَّلَ ذَلِكِ نُطْفَةً فِي صُلْبِي فَلَمَّا هَبَطْتُ إِلَى الْأَرْضِ وَاقَعْتُ خَدِيجَةَ فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ، فَفَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ فَكُلَّمَا اشْتَقْتُ إِلَى رَائِحَةِ الْجَنَّةِ شَمِمْتُ رَائِحَةَ ابْنَتِي فَاطِمةَ" الاحتجاج: ج2 ص408.
...............................................
|