• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : النقاش العلمي .
              • الموضوع : إذا بحث النصراني أو غيره عن الحق فلم يتوصل إليه فهل يكون معذوراً؟ .

إذا بحث النصراني أو غيره عن الحق فلم يتوصل إليه فهل يكون معذوراً؟

السؤال: إذا بحث النصراني أو غيره عن الحق فلم يتوصل إليه فهل يكون معذوراً[1]؟
 
الجواب[2]: إذا كان مقصراً بالمقدمات فانه حتى إذا حصل له القطع بخلاف الواقع فلا يكون معذوراً[3].
وأما إذا حصل له القطع عن قصور فهو معذور[4]، وكذا إذا جهل الحق ولم يكن له إليه طريق.
ولكن الأحكام الوضعية كالنجاسة وعدم كونه وارثاً - جارية عليه في الدنيا[5]، وهناك من العلماء من رأى أنه لا يوجد قاصر في الأمور العقائدية الحقة[6]؛ لأنها أمور فطرية فلا يكون جاهلاً بها عن قصور[7] نعم يوجد القاصر في غير الفطريات ولكن الظاهر بل الذي يدل عليه الوجدان تحقق القصور حتى في الفطريات لقصور في القابلية كالبلاهة أو لأجل مانع عرضي ككثرة الشبهات التي لم يكن له في حدوثها مدخل.
هذا كله وهناك مسائل أخرى وهي حكم المقلد المحق في أصول الدين المطابق اعتقاده للواقع لكنه لم يكن عن اجتهاد، فهل هو مجزٍ؟ وهل هو مؤمن؟ الأقوال في ذلك ستة بل أكثر وقد فصلنا الحديث عن ذلك في كتاب فقه الاجتهاد في أصول الدين فليراجع[8].
------------------------------------------------------
 
 
[3] حيث إن فساد المقدمة يوجب فساد النتيجة،  كما في قوله تعالى في سورة المائدة آية 18: (وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ)،  وقوله تعالى في سورة الزخرف: آية 51، 52، 53، 54: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)، فتقصير هؤلاء لم يرجع إلى ذواتهم وقابليتهم وإنما رجع إلى وسيلتهم الخاطئة أو أفعالهم السيئة،  فكان بإمكانهم أن يرجعوا إلى وسيلة أخرى صائبة منجية، أو التوقف والتثبت في الأمر قبل إنكاره والجحود به ؛ لذا ورد في الكافي: ج2 ص388: عن ابن بكير،  عن زرارة،  عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال :لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا .
[6] وفصل ذلك الشيخ علي كاشف الغطاء (قدس سره) في النور الساطع: ج1 ص216 بقوله : والظاهر أن هذا - أي المخطئ القاصر في العقائد الواجبة - لا اشكال فيه على ما هو مذهب الحق من مذهب العدلية من قبح عقاب الجاهل القاصر، وإنما الإشكال عندهم في هذا المقام في الصغرى ؛ وهو أنه هل يمكن أن يوجد في العقائد الواجبة القاصر الغير المتمكن من معرفة الواقع،  سواء كان لقصر عقله أو لكثرة الشبه عنده أو لعدم تمكنه من تحصيل الاستدلال أو نحو ذلك، أم لا يمكن أن يوجد ذلك بحيث يكون كل مخطئ فيها مقصراً فيكون آثما يستحق العقاب؟ فذهب إلى الأول الكثير من المتأخرين،  وذهب إلى الثاني جملة من العلماء المحققين، والأصل هو الإمكان عند الشك في وجود القاصر لما تقرر في محله من أن الأصل هو الإمكان عند الشك في إمكان شيء أو امتناعه للغلبة وبناء العقلاء ولذا يكتفون في إثبات الإمكان بإبطال أدلة الامتناع .
[7] أي أنها لا تَتاج إلى كثير من البحث والتفكر،  بل أن الفطرة بحد ذاتها حجة وخير شاهد صدق على تلك العقائد،  وذلك ما أشارت له كثير من الروايات :منها: ما رواه في الكافي: ج2 ص13 عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عز وجل: (حنفاء لله غير مشركين به (؟ قال : الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها،  لا تبديل لخلق الله،  قال : فطرهم على المعرفة به ... الحديث.ومنها: ما رواه في الكافي: ج2 ص13 أيضاً: عن محمد الحلبي،  عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: )فطرة الله التي فطر الناس عليها (،  قال : فطرهم على التوحيد .ومنها: ما رواه في الكافي: ج2 ص12 أيضاً: عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عز وجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ما تلك الفطرة؟ قال : هي الإسلام،  فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد،  قال: (ألست بربكم) وفيه المؤمن والكافر.ولكن هذه الروايات لا تنفي بعض الموانع المكتسبة عن معرفة الحق ؛ لذا عقب في النور الساطع: ج1 ص213 على بعض تلك الروايات بقوله : فإن ذلك يدل على قابلية كل أحد من البالغين العاقلين للمعرفة وذلك ينفي وجود القاصر فيهم؟ وجوابه أن ذلك : إنما يدل على القابلية،  ولكن لا ينافي ذلك أن يوجد فيهم بعض الموانع عن المعرفة توجب قصورهم عنها.
[8] أشار له شيخ الطائفة (قدس سره) في العدة: ج2 ص732 عندما قال: على أن الذي يقوى في نفسي أن المقلِّد للمحقّ في أصول الدّيانات وإن كان مخطئا في تقليده،  غير مؤاخذ به وأنّه معفوّ عنه،  وإنّما قلنا ذلك لمثل هذه الطَّريقة التي قدّمناها لأنّي لم أجد أحدا من الطائفة ولا من الأئمة عليهم السلام قطع موالاة من سمع قولهم واعتقد مثل اعتقادهم،  وإن لم يسند ذلك إلى حجّة عقل أو شرع ... وأقوى ممّا ذكرنا،  أن لا يجوز التقليد في الأصول،  إذا كان للمكلف طريق إلى العلم إمّا جملة أو تفصيلاً،  ومن ليس له قدرة على ذلك أصلاً فليس بمكلف،  وهو بمنزلة البهائم التي ليست مكلفة بحال .وأشار له تعقيب الشيخ الأعظم (قد سره) على كلام الشيخ المتقدم عندما قال في فرائد الأصول: ج1 ص584: فالإنصاف أن المقلد الغير الجازم المتفطن لوجوب النظر عليه فاسق مؤاخذ على تركه للمعرفة الجزمية بعقائده، بل قد عرفت احتمال كفره، لعموم أدلة كفر الشاك،  وأما الغير المتفطن لوجوب النظر لغفلته أو العاجز عن تحصيل الجزم فهو معذور في الآخرة،  وفي جريان حكم الكفر احتمال تقدم .وقال المحقق الخرساني (قدس سره) في كفاية الأصول: ص330: ثم إنه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعا،  حيث أنه ليس بمعرفة قطعاً،  فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن،  ومع العجز عنه كان معذورا إن كان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الاستعداد،  كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال،  بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد،  ولو لأجل حب طريقة الآباء والأجداد واتباع سيرة السلف،  فإنه كالجبلي للخلف،  وقلما عنه تخلف .ولكنه في ص: 331: قال: وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا،  أن القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة،  أو عدم الاستعداد للاجتهاد فيها،  لعدم وضوح الأمر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها إلا عن تقصير،  كما لا يخفى،  فيكون معذورا عقلاً .ثم علق على كلامه هذا في الهامش بقوله: ولا ينافي ذلك عدم استحقاقه درجة،  بل استحقاقه دركة لنقصانه بسبب فقدانه للإيمان به تعالى أو برسوله،  أو لعدم معرفة أوليائه،  ضرورة أن نقصان الانسان لذلك يوجب بعده عن ساحة جلاله تعالى،  وهو يستتبع لا محالة دركة من الدركات،  وعليه فلا إشكال فيما هو ظاهر بعض الروايات والآيات،  من خلود الكافر مطلقا ولو كان قاصرا،  فقصوره إنما ينفعه في دفع المؤاخذة عنه بما يتبعها من الدركات،  لا فيما يستتبعه نقصان ذاته ودنو نفسه وخساسته،  فإذا انتهى إلى اقتضاء الذات لذلك فلا مجال للسؤال عنه،  بـ( لِم ذلك؟) فافهم.
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2524
  • تاريخ إضافة الموضوع : 15 جمادى الأولى 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15