• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 194- ثمرة الحكومة التنزيلية، الإجزاء والمخرج: الانصراف، على تفصيلٍ ـ مثال (الراد علينا الراد على الله) .

194- ثمرة الحكومة التنزيلية، الإجزاء والمخرج: الانصراف، على تفصيلٍ ـ مثال (الراد علينا الراد على الله)

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(194)
 
الإجزاء على المباني الثلاث في الحكومة التنزيلية
 
سبق (أما الإجزاء على الحكومة التنزيلية مطلقاً فلأنه يكون حينئذٍ كـ"الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة"([1]) فانه إذا نزّل (ما يؤدي عنه) منزلة الصادر عنه مطلقاً تكون له الموضوعية بلحاظ التنزيل المطلق فحتى لو علم بالخلاف اجزأ؛ وذلك لأن التنزيل هو من عالم الاعتبار وهو لا ينافي ولا يضاد كون المنزَّل غير المنزَّل عليه في عالم العين بل يجتمع معه بل يؤكده، فالعلم بانه غيره والعلم بالخلاف لا يضر بثبوت أحكام المنزَّل عليه على المنزَّل؛ ألا ترى...)([2]).
وقد ظهر من البحث الماضي أن ذلك عام للتنزيل بصوره الثلاث: تنزيل المؤدَّى، وتنزيل الأداء سواء أكان من حيث الجري العملي أم من حيث الكاشفية.
 
وجوب رفع اليد عن التنزيل لاستلزامه الشمول لصورة العلم بالخلاف الفاسد قطعاً
 
ولكن ذلك يستلزم الإجزاء بقول مطلق حتى في صورة العلم بالخلاف مما لا يمكن القبول به إذ الإجماع على الخلاف وارتكاز المتشرعة وسيرتهم ولغير ذلك فلا بد، على هذا، من رفع اليد عن التنزيل إلى المرآتية والكاشفية أو إلى الحكومة الكنائية كما سبق هناك أيضاً.
 
الحل: التنزيل لا يستلزم التالي الفاسد؛ للانصراف
 
ولكن الأصح أنه لقائل أن يلتزم مبنىً بالتنزيل في مثل "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي"([3]) ولا يلتزم بالإجزاء بقول مطلق وذلك استناداً إلى الانصراف بدعوى أن "فَمَا أَدَّى..." وإن كان مفاده تنزيل المؤدى أو قسيماه إلا أنه منصرف عن صورة العلم بالخلاف، أي أن التنزيل إن كان ففي غير هذه الصورة، والذي يؤكده ويخرجه عن كونه بدوياً مناسبات الحكم والموضوع المعتضدة بموافقة للإجماع، ولو من حيث المآل([4]) وكونه موافقاً للارتكاز القطعي المتشرعي وللسيرة، فتأمل.
 
ولكن لا انصراف للتنزيل عن صورة قيام العلمي على الخلاف
 
نعم، دعوى الانصراف عن صورة قيام العلمي – لا العلم – على الخلاف مشكلة إذ لا إجماع؛ فإن المسألة مختلف فيها كما سبق في الفتويين المختلفتين إذا قلد العامي أحدهما فمات أو عدل عنه إلى غيره أو إذا تغير رأيه، على أن الأخير أصعب في الالتزام بالإجزاء استناداً للرأي السابق؛ ولأنه لا ارتكاز فيها على الخلاف ولا سيرة، بل استظهرنا في (شورى الفقهاء) شمول أدلة الحجية للمتعارضين وأن مقتضى القاعدة الأولية، لا الثانوية فقط في الاخبار، هي التخيير مطلقاً في الاخبار وغيرها.
فنحصّل: أنه على الحكومة التنزيلية يصح القول بالانصراف عن صورة العلم بالخلاف، فلا إجزاء إلا في مثل "لَا تُعَادُ"([5]) للنص الخاص، ولا يصح القول بالانصراف عن صورة قيام العلمي بالخلاف، فمقتضى القاعدة الإجزاء، نعم قيام العلمي على خلافه يخرجه عن تعيّن العمل به إلى التخيير.
 
الحكم في باب القضاء بناء على تنزيل حكمه منزلة حكم الإمام (عليه السلام)
 
ومن ذلك كله ظهر حال الحكم في باب القضاء بل وفي باب حكم الفقيه في مثل الهلال بل وفي مثل الشؤون العامة أيضاً فانه على فرض الالتزام مبنىً بالتنزيل لدعوى ظهور بعض الأدلة في ذلك، يلتزم بالانصراف عن صورة العلم بالخلاف.
توضيحه: أنه جاء في مقبولة عمر بن حنظلة "قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَإِلَى الْقُضَاةِ أَيَحِلُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ وَمَا يَحْكُمُ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَإِنْ كَانَ حَقّاً ثَابِتاً لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ.
قُلْتُ فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَنَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ وَعَلَيْنَا رَدَّ وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ"([6]).
فانه إذا استظهر من "فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ وَعَلَيْنَا رَدَّ" أنه تنزيل للرد على الفقيه إذا حكم منزلة الرد على الإمام، لا أنه مرآة نوعية كاشفة عنه، فقد يتوهم أنه حيث كان تنزيلاً شمل صورة العلم بالخلاف لما سبق من مثل مثال "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ"([7]) ولكن الجواب يظهر مما سبق من مسلمية الانصراف للارتكاز القطعي على خلاف ذلك ولبناء العقلاء وسيرتهم بل وسيرة المتشرعة على عدم التعامل معه بنحو التعامل مع حكم الإمام إذا قطع بالخلاف.
ومنه يظهر حكم ما لو علمت الزوجة أن طلاقها باطل لعلمها بفسق الشاهدين مثلاً، فانه حتى إذا حكم القاضي الشرعي ببينونتها وانقضاء العدة فانه لا يجوز لها الزواج بالغير وتبقى ثبوتاً زوجةً له وإن كان على الزوج التعامل معها تعامل الأجنبية مادام لا علم له بالخلاف، وهكذا الحال في كافة الأحكام من الإرث وغيره.
 
المحتملات الثلاث في "وَعَلَيْنَا رَدَّ..." ومشتركاتها
 
وبعبارة أخرى أن المحتملات في "وَعَلَيْنَا رَدَّ..." وإن كانت ثلاثة وهي الحكومة التنزيلية والحكومة الكنائية وصِرف المرآتية، إلا أنها تشترك في جامع واحد وهو عدم الشمول لصورة العلم بالخلاف للانصراف وغيره، نعم قد تختلف في صورة قيام العلمي على الخلاف بالقول بأنه على التنزيل يشملها([8]) فلا يجوز الرد على الفقيه استناداً إلى العلمي أما على المرآتية فلا يشمل([9]) ويجوز الرد ويصح إما استناداً إلى أنه ليس مرآة حينئذٍ أو استناداً إلى عدم شمول أدلة الحجية للمتعارضين فيتساقطان فيجوز الرد حينئذٍ.
ولا يخفى أن الرواية ظاهرة في الاختصاص بباب القضاء.
 
ليس الرد على فتوى الفقيه استناداً لفتوى أخرى رداً عليهم (عليهم السلام)
 
كما لا يخفى أن السيرة العقلائية والمتشرعية على عدم اعتبار الردّ على فتوى الفقيه استناداً إلى اجتهاد الرادّ إن كان مجتهداً أو إلى تقليده لمجتهد آخر إن كان مقلداً، ردّاً عليهم (عليهم السلام) بل سيرة الفقهاء والمتشرعة على مر الأزمان كانت على ذلك([10]).
نعم لو حَكَم نَفَذ حكمه إلا إذا علم خطأه أو خطأ مستنده كما هو المشهور فراجع العروة([11]) بحواشيها، إضافة إلى كونه([12]) مقتضى القاعدة كما بيناه. والله العالم.                              
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
 
قال أبي عبد الله (عليه السلام): "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخْذُلُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" وسائل الشيعة: ج12 ص267.
...............................................
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2515
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 9 جمادى الاولى 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15