بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(190)
تتمة محتملات (لا ضرر)
3- إن المراد به: الحكم الضرري أي الحكم الناشئ منه الضرر (كوجوب الصوم) منتفٍ – وهو ما ذهب إليه الشيخ.
4- إن الضرر منتفٍ بمعنى نفي الحكم بلسان نفي موضوعه – وهو ما ذهب إليه الآخوند.
وعلى هذ فانه لم يلاحظ الضرر بما هو عنوان مستقل له أحكامه وانها ترتفع بالضرر، كما في المحتملين الأولين، بل لوحظ مرآة للعناوين الأولية وأحكامها وأنها هي المرتفعة لا أحكام الضرر نفسه فتدبر جيداً. هذا إضافة إلى سائر المحتملات والأقوال في لا ضرر ككونه نهياً أو كون المراد بالضرر الضرر غير المتدارك ولكن موطن الشاهد المقابلة بين المعنيين الأولين والأخيرين ([1]).
فوارق الحكومتين التنزيلية والكنائية عن التعبير الكنائي
وأما الفرق بين الحكومة التنزيلية والكنائية من جهة وبين التعبير الكنائي في لا ضرر وغيره من جهة أخرى فهو:
أ- أن التعبير الكنائي في مثل (كثير الرماد) قائم في حد ذاته بالدلالة التصورية أما الحكومتان ([2]) فقائمتان بالدلالة التصديقية لكون قوام الحكومة بالحكومة. فتدبر
ب- أنه لا يوجد في التعبير الكنائي المجرد دليلان ومدلولان يكون أحدهما حاكماً على الآخر، وهذا متفرع عن الأول، عكس الحكومتين.
فارق الحكومة الكنائية عن حكومة لا ضرر
أما في (لا ضرر) فقد يكنّى بالضرر عن الضرر غير المتدارك أو الضرر الناشئ من الحكم، فهو من التعبير الكنائي لكنه لا يضاد الحكومة إلا انها ليست كنائية بل هي حكومة واقعية. وعلى أي فالتعبير الكنائي لا يضاد الحكومة كما أنه ليس بمقوّم لها.
فالحكومات الثلاث ([3]) واقعية إلا أنها قد تتضمن تعابير كنائية.
نعم الحكومة الكنائية وإن كانت واقعية ولم تكن في بُعد كونها حكومة وجهة كون دليلها حاكماً كنايةً عن أمر آخر إلا أنها تنزيل كنائي على الوجه الثاني الآنف أي أن قوله "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي" إذا أريد به ترتيب الأثر لا التنزيل حقيقة فانه تنزيل كنائي أي أنه لسان تنزيل أريد به غيره وهو ترتيب الأثر صِرفاً فاختلف بذلك عن (لا ضرر) إذ انه لا تنزيل فيه على المعاني التي ذهب إليها غير المشهور، نعم يتحقق فيه التنزيل على الاحتمال الأول ([4]) ويكون من الحكومة الكنائية على الاحتمال الثاني كما يكون من الحكومة الواقعية بناء على بعض أراء المشهور على تكثرها ([5]) وإن لم ينفِ أن التعبير أيضاً كنائي على بعضها كما سبق. فتدبر ([6]).
وبعبارة أخرى: لا يوجد في (لا ضرر) تنزيل، في مرحلة الحكومة، لا حقيقة ولا كناية، عكس "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي" فانه إما تنزيل حقيقة أو كناية على الاحتمالين.
ثمرة القول بالحكومة التنزيلية أو الكنائية
ثم أن ثمرة الذهاب إلى الحكومة الكنائية (المراد بها التنزيل الكنائي) بدل الحكومة التنزيلية تظهر في بحث (الإجزاء):
فانه لو قلنا بأن "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي" من الحكومة التنزيلية فانه يلزم منه الإجزاء مطلقاً سواء أعلم بالخلاف أم لا، وسواء أقام علمي على الخلاف أم لا، أما لو قلنا بأنه من الحكومة الكنائية أي التنزيل الكنائي فانه يلزم منه الإجزاء في الجملة أي في غير صورة العلم بالخلاف.
الإجزاء مع العلم بالخلاف، على الحكومة التنزيلية
أما الإجزاء على الحكومة التنزيلية مطلقاً فلأنه يكون حينئذٍ كـ"الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة" ([7]) فانه إذا نزّل (ما يؤدي عنه) منزلة الصادر عنه مطلقاً تكون له الموضوعية بلحاظ التنزيل المطلق فحتى لو علم بالخلاف اجزأ؛ وذلك لأن التنزيل هو من عالم الاعتبار وهو لا ينافي ولا يضاد كون المنزَّل غير المنزَّل عليه في عالم العين بل يجتمع معه بل يؤكده فالعلم بانه غيره والعلم بالخلاف لا يضر بثبوت أحكام المنزَّل عليه على المنزَّل؛ ألا ترى أن علمنا بأن ماهية الطواف غير ماهية الصلاة وحقيقتها غير حقيقتها لا ينافي تنزيلها منزلتها فالتغاير الماهوي حقيقي والتنزيل حقيقي ولا يخلّ أحدهما بالآخر لكونهما من عالَمين مختلفين (عالم الثبوت والواقع والحقيقة وعالم الاعتبار).
وأما اختلاف الماهيتين حقيقة فلوضوح أن الصلاة قائمة بأركانها الخمسة المذكورة في لا تعاد (الوقت، الطهور، القبلة، الركوع والسجود) وبالتكبير والنية أيضاً، أما الطواف فلا يوجد فيه شيء منها إلا الطهور والنية، وحتى قِبلتُه فانها مختلفة من حيث انها في الطواف على اليسار في حال الحركة وفي الصلاة إلى الأمام في حال السكون.
عدم الإجزاء مع العلم بالخلاف، في الحكومة الكنائية
وأما عدم الإجزاء مع العلم بالخلاف في الحكومة الكنائية فلوضوح انصراف "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي" بناء على الكنائية، عن صورة العلم بالخلاف ويبقى إطلاقه شاملاً لصورتين: الجهل بالخلاف، وقيام خبر آخر أو فتوى أخرى على الخلاف، نعم من ذهب إلى عدم الإجزاء رأى الانصراف عن الصورة الثانية أيضاً، لكنه بعيد عن لسان الدليل لوضوح صدق "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي" على ما لو أدى عنه (عليه السلام) ثم جاء علمي (لا علم) على الخلاف لوجدانية أنه أدّى عنه، ونفيُ اللاحق له لا يخلّ بالصدق السابق، فبهذا تفترق المسالك فتدبر جيداً وتأمل.
ثم أنه يمكن القول بالتفصيل على الحكومة التنزيلية أيضاً إذا استظهر أن التنزيل لم يكن مطلقاً بل في الصورتين ([8]) فقط دون صورة العلم بالخلاف.
تشابك بحث الحكومة مع بحث الإجزاء
وبذلك كله ظهر تفرُّع بحث الإجزاء في بعض جوانبه على بحث الحكومة وأنه كان ينبغي أن يفرد له في بحث الحكومة من الأصول حيّز من البحث حسب التفصيل الآنف ([9]) إضافة إلى أصل بحث تقسيم الحكومة إلى هذين النوعين وفوارقهما، كما كان يمكن العكس بأن يفرد في بحث الإجزاء فصل بابتناء التفصيل فيه أو الإطلاق، في بعض مسائله، على الذهاب في بحث الحكومة إلى التنزيلية أو الكنائية فتدبر والله العالم الهادي.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "خصلتان ليس فوقهما من البر شيء: الإيمان بالله والنفع لعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء: الشرك بالله والضر لعباد الله" تحف العقول: ص35.
.............................................
|