• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 189- تفصيل الفرق بين الحكومة التنزيلية والحكومة الكنائية .

189- تفصيل الفرق بين الحكومة التنزيلية والحكومة الكنائية

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(189)
 
الحكومة التنزيلية والحكومة الكِنائيّة
 
سبق الفرق بين الحكومة التنزيلية والحكومة الكنائية، ويمكن التعبير عن الأول بالتنزيل حقيقةً لكن في عالم الاعتبار نظير الحقيقة الادعائية وعن الثاني بالتنزيل كنايةً.
 
الإشكال بأن الحكومة الكنائية هي نفس سنخ حكومة لا ضرر
 
ولكن قد يورد عليه بأن الحكومة الكنائية ليست قسماً جديداً بل هي نفس سنخ حكومة لا ضرر بناء على أن المراد به هو (نفي الحكم بلسان نفي موضوعه) كما ذهب إليه الآخوند (مقابل من رأى أنه نهي - كشيخ الشريعة الاصفهاني، ومن رأى أنه بمعنى لا ضرر غير متداركٍ، ومن رأى أنه يعني نفي الحكم الناشئ منه الضرر – كما ذهب إليه الشيخ) فعلى هذا([1]) يكون الضرر – وهو مدخول لا – كناية عن الحكم الضرري فلا ضرر – إذاً – من نوع الحكومة الكنائية.
 
الجواب: الفرق بين الحكومة الكنائية والتعبير الكنائي
 
ولكنه غير وارد، إذ فرق واضح ودقيق بين الحكومة الكنائية التي صرنا إليها وبين التعبير الكنائي الثابت في لا ضرر على بعض تفسيراته، توضيحه:
 
الضرر في (لا ضرر) كناية أما حكومته فليست كنائية
 
إن (لا ضرر) توجد فيه جهتان وجنبتان: جنبة معنى (الضرر) الذي وقع مدخولاً لـ(لا) وهذا هو الذي اتصف بكونه كناية عن الحكم الضرري، وجنبة حكومة (لا ضرر) على أدلة العناوين الأولية والحاكم هو مجموع مفاد لا ضرر أي الداخل والمدخول جميعاً وحكومته([2]) على العناوين الأولية غير مرتهنة بكون (الضرر) معنى كنائياً أو لا إذ أن لا ضرر حاكم على الأدلة الأولية حتى لو كان (الضرر) غير مُكنَّى به عن الحكم الضرري بل كان من باب حذف المتعلق([3]) أو شبه ذلك فحكومة لا ضرر ليست كنائية لوضوح عدم كون حكومته وناظريته كناية عن أمر آخر، بل إن إحدى مفردات الحديث وهي متعلق (لا) أريد به المعنى الكنائي، فالحكومة غير منوطة به بل أي معنى أريد من الضرر وبأي لسان فإن لا ضرر حاكمة مادامت ناظرة.
وأما الحكومة الكنائية فليس المراد بها أن إحدى مفردات الحاكم كناية عن معنى آخر كما في كنائية كثير الرماد عن الكريم أو جبان الكلب ومهزول الفصيل عنه، بل المراد بها أن يكون التنزيل غير واقعي بل مجرد أن يكون اللسان – لسان الحاكم – لسان التنزيل موضوعاً لكن المراد به ترتيب الأثر والأحكام لا غير، والحاصل: أنه كنّى عن عدم ترتيب الآثار بلسان التنزيل والتنزيل غير مراد.
وبعبارة أخرى: التعبير الكنائي متعلق بمرحلة الدلالة التصورية لبعض المفردات والحكومة الكنائية متعلقة بالدلالة التصديقية للجملة كلها. فتدبر.
ويوضحه المثال السابق؛ فان قوله (عليه السلام) "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي" تارة يراد به تنزيل ما أدّاه عن الإمام (عليه السلام) منزلة الصادر عنه (عليه السلام) حقاً (في عالم الاعتبار) فهذه هي الحكومة التنزيلية وتارة لا يراد به تنزيل هذا منزلة ذاك بل مجرد ترتيب آثار هذا على ذاك كلزوم الإتباع مع كون اللسان لسان التنزيل وليس به واقعاً بأن يراد بـ"فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي" أن ما أدّاه عني فهو لازم الإتباع كلزوم إتباع ما هو صادر مني حقاً فالتصرف واقعاً في رتبة المحمول لا في رتبة الموضوع وإنما التعبير واللسان متعلق بالموضوع.
 
والفارق، النكتة في الحكومة التنزيلية والحكومة الكنائية
 
ويؤكده ويوضحه ما سبق من أن الوجه في الحكومة التنزيلية هو قيام مصلحة مسانخة أو مقاربة لمصلحة المنزل عليه في المنزَّل، أما في الحكومة الكنائية فلا توجد مصلحة في المنزل قائمة به بل ولا مصلحة سلوكية في سلوك طريقه أيضاً لذا لم يكن تنزيل حقيقي بل إنما رتب أثر الواقع عليه وأحكامه لجهة المقدمية فالمصلحة غيرية لا نفسية لذا لم يكن وجه لتنزيل هذا منزلة واجد المصلحة الواقعية بل أُمر بإتباع (ما أدّاه) لأن به المحافظة على مصلحة الموارد المطابقة للواقع مما أدّاه، فلاحظ ما ذكرناه في درس سابق:
(وأما الإخبار وضرب القانون، فالظاهر أن موارد الخلاف لا توجد فيها مصلحة أو مفسدة مسانخة أو مزاحمة بل إنما عُمِّم الحكم لها لأجل غيرها، أي محافظةً على سائر الموارد الواجدة للملاك الواقعي فإيجاب غير الحامل للملاك مقدميٌّ للمحافظة على الواجد له لا لوجود مصلحة فيه مسانخة توجب تنزيله منزلته.
ومن ذلك حجية خبر الثقة وحجية الفتوى؛ فان الثقة قد يخطئ في أخباره وإخباره ولنفرض أن نسبة الخطأ فيه واحد بالمائة إلى عشرة بالمائة أو أقل أو أكثر حسب أنواع الثقات ودرجات وثاقتهم وضبطهم، والظاهر أن جعل الحجية له أو إمضائها بقول مطلق لم يكن لوجود مصلحة في الواقع في موارد الخطأ تُجبر بها مفسدة الخطأ ولا لوجود مصلحة سلوكية، بل السبب المصلحة المقدمية صِرفاً بمعنى أن جعل الحجية لخبر الثقة مطلقاً، مع فرض أقلية خطأه، يستلزم التحفظ على الواقع في موارد المطابقة شبه المستغرقة أو الغالبة؛ وإلا للزم تفويت المصلحة الأكثر حذراً من المفسدة الأقل)([4]).
والوجه في جعل الحجية للعام أو الحجية للكلي الطبيعي المنطبق على المطابق وغيره هو عدم تميز تلك الموارد، فتدبر
والحاصل: أن قوله مثلاً (هذا علم) يمكن أن يكون بوجهين:
الأول: أنه نزّله منزلة العلم.
والثاني: أنه محكوم بحكم العلم، والأول حكومة تنزيلية أو فقل تنزيل واقعي والثاني حكومة كنائية أو فقل تنزيل لساني ظاهري.
 
المحتملات في (لا ضرر)
 
ثم أن الفرق بين الحكومة الكنائية وحكومة مثل (لا ضرر) يظهر أكثر ببيان المحتملات في معنى (لا ضرر...) وهي:
 
1- الضرر نُزّل منزلة اللاضرر
 
الأول: أن المراد به أن الضرر، في بعض مصاديقه التي هي مورد نظر الحديث لو كان المراد به هذا المعنى، منزل منزلة اللاضرر، وذلك كالضرر المتدارك فإن الشارع، بل وكل حكيم، حيث يراه متداركاً بالأكثر أو بالمساوي ينزله منزلة اللاضرر مع أنه ضرر حقيقة.
 
2- الضرر محكوم بحكم اللاضرر
 
الثاني: أن المراد به أن الضرر محكوم بحكم اللاضرر وذلك كالضرر في الجهاد فإن حكم الضرر (ومنه الإضرار بالنفس بقطع عضو أو ذهاب قوة أو إزهاق النفس) الحرمة، إلا أن الشارع حكم بأن تلك الاضرار إذا حصلت في الجهاد فهي محكومة بحكم اللاضرر أي ليست محرمة بل هي واجبة.
وهذان الاحتمالان مبنيان على أن الضرر في (لا ضرر) قد لوحظ بما هو عنوان مستقل له أحكامه فترفع بلا ضرر، وعلى هذين الاحتمالين فان لا ضرر ليس حاكماً على شيء بل هو نافٍ للحكم عن موضوع معين (هو الضرر)، بأحد اللسانين، ككل دليل نافٍ عن الحكم عن موضوعه.
ولكن المشهور استظهروا من لا ضرر غير هذين المعنيين، وبمجموع ذلك يظهر الفرق بين حكومة لا ضرر وحكومة مثل "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي". كما سيأتي وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
===================
 
عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: "منْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُسْتَكْبِرٍ وَلَا جَبَّارٍ إِنَّ الْمُسْتَكْبِرَ مَنْ يُصِرُّ عَلَى الذَّنْبِ الَّذِي قَدْ غَلَبَهُ هَوَاهُ فيه وَآثَرَ دُنْيَاهُ عَلَى آخِرَتِهِ.
وَمَنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ كُلِّ نِعْمَةٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ"  الخصال: ج1 ص299.
............................................
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2500
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 2 جمادى الاولى 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15