• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 185- تتمة البحث السابق وشواهد وامثلة ـ الدليل الثاني: ادلة الفتوى دليل على الحكومة التنزيلية او ضرب القانون .

185- تتمة البحث السابق وشواهد وامثلة ـ الدليل الثاني: ادلة الفتوى دليل على الحكومة التنزيلية او ضرب القانون

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(185)
 
تتميمٌ: الاستدلال على الحكم الشرعي الآن بأحكام ما بعد الظهور
 
مضى (كما يمكن التمثيل له بالأحكام المودعة لدى صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فهل يجوز أو يجب العمل بها لو أطلع عليها المكلف بخبر أو غيره؟ كما ورد من أنه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حسب رواية الغيبة للطوسي: يهدم المنارات في المساجد (لعلها إذا علت عن سطح المسجد) ويهدم المقاصير...)([1]) وهل يصح الاستدلال بها – بعد فرض إحراز سند بعضها – كمستند للحكم الشرعي في هذه الأزمنة؟ فهل تعد دليلاً أو لا؟ ثم هل تعد مؤيداً أم لا؟
 
من أدلة الإجزاء: أدلة حجية الفتوى ونظر الفقيه
 
ومنها([2]): أدلة حجية الفتوى ونظر الفقيه وجواز التقليد وصحته، والفرق بينها وبين سابقها أن الاستناد هناك كان إلى الأدلة العامة الدالة على حجية الامارات والطرق مثل (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)([3]) و"إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً"([4]) و(يَسْتَبِينَ) في "وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ"([5]) أما الاستناد ههنا فإلى خصوص أدلة التقليد إذ قد لا يتم الاستدلال بتلك ويتم بهذه أو العكس.
 
الاستدلال بعموم "وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ" للميت والمعدول عنه
 
فمنها: قوله (عليه السلام) في التوقيع الشريف "وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللَّه"([6]).
والاستدلال من جهات:
 
من جهة ترك الاستفصال
 
1- ترك الاستفصال بين بقائه – أي راوي الحديث - على الحياة وموته بل وبين كونه حياً أو ميتاً وبين الالتزام بإتباعه بشكل عام والالتزام بإتباع غيره أو عدم الالتزام([7])، فمع أن المسألة كثيرة الابتلاء جداً ومع أن الارتكاز العرفي بل البداهة العرفية وبناء العقلاء وسيرتهم على عدم التفصيل والرجوع في أخذ الروايات([8]) والآراء([9]) من الراوي أو المفتي الحي أو من كتابه وإن قد مات مؤلفه قبل مئات السنين، مع ذلك لم يفصل الإمام (عليه السلام) ولم يشر إلى التفصيل فلو كان الرجوع لغير الحي ولغير المعدول إليه باطلاً لما صح الإطلاق أبداً "فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا" خاصة مع التعليل بـ"فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ" ولوجب التفصيل لا ترك الاستفصال وإلا لكان مغرياً بالجهل خاصة مع كونه مورد الحاجة وكون التأخير تأخيراً للبيان عن وقت الحاجة وهو قبيح([10]).
بل لم نجد دليلاً ورد عنهم (عليهم السلام) يقيِّد الرجوع بالمعدول عنه أو إليه أو باستمرار حياته، فدلّ ترك الاستفصال رغم كونه في مقام الحاجة وكون بناء العقلاء وارتكاز المتشرعة على الرجوع مطلقاً، على أن (الوجود الماضوي) للفتوى في ظرفها هو الموضوع للصحة والإجزاء وعلى كفاية نقله الرواية وفتواه بها أو صدور الفتوى منه في الاستناد إليه أو إليها ولو بعد وفاته أو بعد العدول إلى المساوي أو المفضول أو حتى إلى الأعلم.
 
وللصدق العرفي
 
2- صدق الرجوع إليه عرفاً لمن رجع إلى فتاواه بعد وفاته أو بعد العدول عنه بالحمل الشائع الصناعي قطعاً.
وللملازمة العرفية
3- إن الإرجاع إلى شخص في حس أو حدس، يلزمه عرفاً صحة الاستناد إليه مطلقاً، اللهم إلا لو تغير رأيه بنفسه أو صرح بخطأه في حسه، فإن بناء العقلاء في هذه الصورة على عكسه كما سبق بيانه.
 
الاستدلال بصحيحة "الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي"
 
ومنها: صحيحة أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) "قَالَ: سَأَلْتُهُ وَقُلْتُ: مَنْ أُعَامِلُ؟ وعَمَّنْ آخُذُ؟ وَقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ (عليه السلام): الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي، وَمَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ، فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ"([11]) بناء على دلالته على الأعم من حجية الخبر وحجية الفتوى أي خبره وروايته عنه (عليه السلام) وفتواه التي اعتبرها مستنبطة من كلامه (عليه السلام) أي الأعم من الخبر الحسي والفتوى الحدسية فإن المفتي استناداً إلى رواياتهم (عليهم السلام) مؤدٍ عنهم.
ووجه الاستدلال ما سبق بوجوهه الثلاثة ومنها أنه يصدق، بالحمل الشائع الصناعي، قطعاً على من أدّى رواية عن الإمام (عليه السلام) أنه أدّاها عنه وإن مات بعدها أو عدل المقلد إلى غيره، مما يستفاد منه أن الوجود الماضوي للأداء عن الإمام هو تمام الموضوع لصحة الإتباع والحكم بالصحة والإجزاء دون الممتد إلا على وجه آتٍ.
 
المحتملات في "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي "
 
ثم أن المحتمل في "فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي "وجهان:
1- انه تنزيل وحكومة بنحو التوسعة
الأول: أنه تنزيل لما أدى عن الإمام منزلة ما صدر عن الإمام (عليه السلام) فيفيد الحكومة بالتوسعة فكأنه يقول: (ما أدى إليك عني وإن لم يكن بعضه مطابقاً للواقع لوجود نسبة من الخطأ في نقل الرواة للروايات كـ1% مثلاً إلا أنني أنزِّله منزلة ما صدر عني لذا وجب عليك إتباعه) فهو مثل "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ"([12]).
وعليه: فإنه لو مات المقلَّد أو عدل عنه مقلِّده فإن حجية قوله لا تختل بذلك نظراً للوجود التنزيلي، ولا مجال للتشكيك في عموم التنزيل بناء على أنه تنزيل فانه نص عرفاً في ذلك.
والحاصل: أنه لو كان الموضوع للحجية هو الوجود الممتد فرضاً فانه وإن فرض زوال رأي الفقيه بموته كما قال به جمع إلا أنه يصح إتباعه لمكان التنزيل هذا.
والحاصل: أن مفاد مثل هذه الرواية هو تنزيل ما ليس بعلم منزلة العلم فهي حاكمة على أدلة اشتراط العلم في الإجزاء ولزوم الإتباع، وسيأتي مزيد بيان بإذن الله تعالى.
 
2- إنه إخبار عن المرآتية والكاشفية
 
الثاني: أنه لا تنزيلَ بل هو صِرف تقريرٍ للمرآتية وإخبار عن الكاشفية النوعية، والفرق بين هذا وسابقه أن هذا إخبارٌ وذاك إنشاءٌ وهذا كشفٌ وذاك جعلٌ وهذا مجردُ مشيرٍ وذاك جاعلٌ ومؤسس، إضافة إلى أنه في التنزيل ينبغي أن تكون هناك مصلحة قائمة بالـمُنزل توجب تنزيله منزلة غيره ممّا هو موضوع للحكم، عكس الكاشفية فإن الإمضاء أو التقرير إنما هو لضرب القانون استناداً إلى أنه وإن كان يخطئ في 3% فرضاً من الأحكام إلا أنه يُلزم بإتباعها أجمع لا لتنزيل([13]) بل لأجل المحافظة على مصلحة الـ97% الباقية، فالأمر بها طريقي ومقدمي لا لتجدد مصلحة فيها. ولهذا البحث تتمة فانتظر.
 
رد احتمال أن الارجاع خاص بالعمري
 
لا يقال: هذه الصحيحة شخصية إذ هي خاصة بالعمري حسب صريح كلام الإمام (عليه السلام).
إذ يقال: قد استدل بها الفقهاء على صحة التقليد مطلقاً فالبحث مبني على مبناهم ووجهه واضح وهو جهات:
فمنها: أن الإمام علّق الحكم على كونه ثقة "الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي "وقد فرّع (عليه السلام) "فَمَا أَدَّى..." عليه، فيدل عرفاً على أن تمام ملاك وجوب الرجوع إليه كونه ثقة.
ومنها: صريح التعليل فيها بقوله: "فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ" والعلة معممة ومخصصة.
ومنها: أن الاستدلال بها وبالكثير من غيرها مما رُتب فيها الحكم على كون الراوي ثقة، فيدل أنه ملاك نوعي وأنه لا دخل لخصوصيته الشخصية في ترتب الحكم بالتنزيل أو الكاشفية أصلاً.
ومنها غير ذلك مما فصل في محله.
ثم أنه لا مجال للقول بأنه (عليه السلام) كان في مقام بيان عصمة العمري من الخطأ مطلقاً. فالاحتمالان مبنيان على نفي هذا. فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
 
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إِنَّ الْبَلَاءَ لِلظَّالِمِ أَدَبٌ، وَلِلْمُؤْمِنِ امْتِحَانٌ، وَلِلْأَنْبِيَاءِ دَرَجَةٌ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ كَرَامَةٌ"
جامع الأخبار: ص113.
................................................
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2487
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 26 ربيع الاخر 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15