بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(178)
بحوث تمرينية وتطبيقية
حيث سبق أن موضوعات الأحكام على ستة أقسام، وقد مضى خمسة منها، فهذه عناوين بحوث هامة أصولية وفقهية نطرحها على الطلاب الكرام ليستفرغوا الوسع فيها أو بعضها في أيام العطل وتحقيق حالها وأنها مما أخذت فيها الموضوعات كمرآة للأفراد بأقسامها الثلاثة، أو ككلي طبيعي ثابت مفهوماً أو ككلي متجدد مفهوماً، وهي بحوث وقع الخلاف فيها بين الأعلام في جهة من جهاتها إلا أن بحثها على ضوء هذا التقسيم الخماسي مما ينبغي بل ويلزم نظراً لعدم تعرض الأعلام لبحثها من هذه الجهة وبهذا اللحاظ، على أن بعضها سهل يسير يتضح بأدنى تأمل وبعضها صعب عسير.
الكنز
فمنها: (الكنز) وهل هو خاص بالمدفون تحت الأرض قصداً أم يعم المدفون لا بقصد كنزه؟ وهل هو خاص بالمدفون في الأرض أو يعم المدفون في الحائط مثلاً؟ وهل هو خاص بذلك أو يعم المدخر في المصارف أيضاً؟ وهل هو خاص بالمخفي أو يعم المعلن عنه أيضاً؟ وعلى مختلف التقادير فهل هو مما تغير مفهومه وتطوّر؟ أو هو مما تجدد مصداقه؟ أو لا شيء منهما بل كان مقولاً عليها أو على عدد منها بالاشتراك أو بنحو الحقيقة والمجاز؟ ثم تأثير ذلك في استنباط الحكم الشرعي من حيث تعلق الزكاة ومن حيث حرمة الكنز في حد ذاته ([1])؟.
الطعام
ومنها: الطعام فقد خُصّ بالبر تارة وعُمّم لكل ما يؤكل تارة أخرى ([2]) في قوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)([3]) وقد يؤكد التعميم بقوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ)([4]) وهل أحدهما حقيقة والآخر مجاز؟ أو هو مشترك لفظي؟ أو مما تطور مفهومه؟ وما هو المتطوَّر إليه؟ وهل كانا قبل زمن النص؟
الاجتهاد
ومنها: (الاجتهاد) فقد كان سهلاً خفيف المؤونة نسبياً في زمن الأئمة (عليهم السلام) ثم كلما تقدم الزمن تعقّد أكثر وتطور نظراً لـ: أ- استحداث مباني جديدة، ب- استكشاف أدلة جديدة أو وجه دلالة مستجد، قد تقبل أو ترفض، ج- حدوث أقوال جديدة، د- وتشقيقات وتفريعات جديدة، هـ- ومناقشات وتحقيقات جديدة، ز- إضافة إلى تعقد وتطوّر مبادئ الاستنباط ([5]) أيضاً كعلم الرجال حيث كانت الحاجة إليه أقل جداً زمن السيد المرتضى بناء على ما ادعاه من (أن أكثر أخبارنا متواترة) بل مطلقاً لقلة المباحث والمباني والإشكالات والردود سابقاً وتكثّرها وتعقّدها بمرور الأزمان.
وعليه: فليس بمجتهد الآن من كانت معرفته أو ملكته لا تفي إلا بقدر مباحث الأصول والرجال ونظائرها التي كانت عليه قبل ألف سنة مثلاً.
فهل ذلك من التجدد المفهومي؟ أو المصداقي؟ أو في العِلَل المعدّة؟ وما هو المشار إليه في (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)([6]) ومن هو الذي " فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ" ([7])؟
الايّم
ومنها: (الايّم) إذ قيل أنه المرأة التي لا زوج لها فعمُّم إلى الرجل الذي لا زوجة له وقيل غير ذلك، فماذا يعني قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)([8])؟.
الخبيث والطيب
ومنها: (الخبيث والطيب) إذ كان الخبيث لدى العرف هو ما تستقذره الطباع، أما الآن ففي بعض الأعراف يعدونه ما كان حاملاً للمكروب أو الفايروس، وقد اختلفت الأعراف في (الجراد) مثلاً فالعرب تعده طيِّباً والإيرانيون يعدونه خبيثاً كالخنفساء لديهم، كما أن بعض الأعراف ([9]) يعتبرون مثل الخنفساء طيباً غنياً بالبروتينات وغيرها وإن كان مستقذراً عندنا أشد الاستقذار.
والحاصل: هل تطور مفهوم الخبيث؟ أو تجدد مصداقه؟ والمرجع؟ وقد سبق أن كون الموضوع المتجدد هو المصبّ للحكم خلاف للأصل لا يصار إليه إلا بدليل. هذا
وقد ذكر السيد الوالد في موسوعة الفقه ثمانية محتملات للمراد من الخبيث والطيب، فراجع.
البيع
ومنها: (البيع) فقد عرّفه في المصباح بمبادلة مال بمال، وخصّه المشهور بما كان المثمن عيناً فهل تطور المفهوم عرفاً من الأعم للأخص أو العكس أو لا هذا ولا ذاك بل بيع غير العين ليس ببيع وإنما سمى به مجازاً بالمشاكلة؟.
وعلى أي فاللازم الرجوع إلى فقه اللغة وتاريخ اللغات لمعرفة ذلك كله ولمعرفة أن المتطوَّر إليه كان قبل زمن صدور النص أو بعده؟
العيب
ومنها: (العيب) كذلك فهل تطور مفهومه أو تغير مصداقه؟ فمثل سمن المرأة كان يعد كمالاً والآن تعده الكثير من الأعراف في المرأة عيباً، مما يؤثر في كم المهر وإن لم يؤثر في حق الفسخ. إذ العيوب التي يحق له الفسخ بها محددة بسبعة: القرن والعفل والجنون والجذام والبرص والعمى والاقعاد، وبحثه في محله.
الحاكم
ومنها: (الحاكم) في قوله (عليه السلام): "فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً"([10]) ونظائره بناء على شموله لغير القاضي أيضاً، إذ قد يقال أن مفهوم الحاكم في الأزمنة السابقة كان أوسع من مفهومه في هذه الأزمنة إذ كانت للحاكم صلاحيات مطلقة استثنائية، أما رئيس الجمهورية الآن في البلاد الديمقراطية وحتى بعض الاستبدادية، فصلاحياته أقل أو أقل جداً، وعلى ذلك بنى بعض الفقهاء جواز تولي المرأة منصب الحكومة (رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء) أو شبه ذلك نظراً لأن الحكومة بهذا المعنى الضيّق (إذ هي مقيدة بقيود كثيرة حدوثاً وبقاء وانهاءً أو بالتفريق ومنها قرارات مجلس الشعب وغير ذلك) أمر مستحدث فلا تشمله الأدلة التي أقيمت على عدم صحة تولي المرأة الولايات إذ مصبها الولاية بما لها من المفهوم العرفي الواسع حينذاك ولا تنقيح للمناط.
وحتى القضاء أيضاً إذ القاضي الآن محكوم بقوانين ولوائح ثم أن حكمه قابل للإلغاء بالاستئناف ثم التمييز (المسمى بالنقض أيضاً) عكس السابق إذ كان نهائياً، فهل جعله حاكماً يدل على جعل الحكومة للفقيه بالمفهوم السابق أو الأعم من المتجدد؟ بل هل ذلك من التطوّر المفهومي حقيقة أم لا؟
وهكذا في العشرات إن لم يكن المئات من الموارد الأخرى.
أصالة ثبات اللغة
سبق([11]) أن للبحث عن المحتملات الأربع في موضوع الحكم وأنه هل هو الوجود الماضوي؟ أو الممتد اعتباراً؟ أو حقيقة؟ أو المتجدد ذاتاً؟، ثمرات عديدة ومنها عدم الحاجة إلى أصالة ثبات اللغة بدعوى أنه إذا كان موضوع الحكم هو الوجود الممتد أو المتجدد في هذا الزمن كفى التبادر الآن مثلاً لتحديده من غير حاجة إلى شفعه بأصالة ثبات اللغة ليثبت أنه كان هو الموضوع له زمن صدور النص أيضاً.
لكن ظهر بالتحقيق السداسي أن ذلك إنما يصح على المبنى الخامس من أن الموضوع هو الكلي الطبيعي المتجدد مفهوماً، ولكنه لا يصح بناء على أنه الكلي الطبيعي الثابت مفهوماً وهو الرابع ولا على المباني الثلاثة الأولى.
وحيث أن المبنى الخامس خلاف الأصل بل ان شبه المستغرق من موضوعات الأحكام هي من غيره كانت الحاجة إلى أصالة ثبات اللغة عامة إلا ما ندر مما ثبت بدليلٍ خارجٍ أنه من القسم الخامس. وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إِنْ أَرَدْتُمْ عَيْشَ السُّعَدَاءِ وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ وَالنَّجَاةَ يَوْمَ الْحَشْرِ وَالظِّلَّ يَوْمَ الْحَرُورِ وَالْهُدَى يَوْمَ الضَّلَالَةِ، فَادْرُسُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ كَلَامُ الرَّحْمَنِ وَحِرْزٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَرُجْحَانٌ فِي الْمِيزَانِ"
مستدرك الوسائل: ج4 ص232.
.........................................
|