• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 175- تفصيل المبحث السابق ـ وامثلة تطبيقية: هل حساب الاحتمالات من التبيّن؟ .

175- تفصيل المبحث السابق ـ وامثلة تطبيقية: هل حساب الاحتمالات من التبيّن؟

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(175)

 
سبق أن موضوعات الأحكام على ستة أقسام ومضى بعض الكلام عن خمسة منها، وتتمة الكلام مع مزيد توضيح لها:
 
الوجود الماضوي مطابق للوجود المرآتي
 
إنّ أَخْذ الموضوع بما هو مرآةً للأفراد([1]) هو المطابق لما مضى سابقاً من أن الموضوع بوجوده الماضوي قد يكون مصباً للأحكام وأن الأمر بوجوده الماضوي يكون الباعث والزاجر وأن الانبعاث يكون عنه فهو بما هو مرآة لمطلوب المولى يكون كذلك.
 
والوجود الممتد أو المتجدد مطابق للكلي الطبيعي
 
وإنّ أَخْذ الموضوع بما هو كلي طبيعي مصباً للحكم هو المطابق لما مضى من أن الموضوع بوجوده الممتد حقيقة أو اعتباراً أو بوجوده المتجدد هو المصبّ والباعث أو الزاجر.
والفرق في نكتة التعبير أن بعضها([2]) ينسجم مع كون الوجود هو الأصيل وبعضها([3]) مع كون الماهية هي الأمر المتأصل وذلك حسب المشهور من الخلاف بين الفريقين من مشائي واشراقي، وأما المنصور فهو أن الأصيل هو المصداق أو المتحقق وأن عناوين الوجود والماهية والوحدة والتشخص الأربعة تنطبق عليه بذاتها فهو أمر واحد واقعاً وله عناوين متعددة بتعدد اللحاظات، وتفصيله في محله.
وموطن البحث في عنونة الحاكم للمحكوم (أو الخاص للعام) هو القسم الثالث أو الرابع بل والخامس فانه على كلا الوجهين الثالث والرابع بل والخامس يجري البحث كما سيظهر أكثر بإذن الله تعالى.
 
تغير مفهوم التبيّن أو مصداقه وتجدده
 
وأما القسم الخامس فلنمثل له بمثال شديد الأهمية ثم نذكر حكمه مع حكم القسم السادس كفائدة([4]) هامة في مطاوي البحث وهو:
إن (التبين) مصطلح ورد في لسان الشرع في الآيات والروايات كقوله تعالى: ( فَتَبَيَّنُوا) و"وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ"([5]) وقد سبق أن لا حقيقة شرعية فيه كما سبق أنّ ثمّتَ مصاديق متجددة للتبيّن ذكرناها بعضها والكلام هو فيما لو توسّع مفهوم التبيّن حتى عدّ ما لم يكن تبيّناً تبيّناً لا لتغيّر حال المصداق بل لتطور في المفهوم، وكذا ما لو شك الحال وأنه من التوسع المفهومي أو التجدد المصداقي فهل تشمله أدلة التبين؟
 
هل حساب الاحتمالات من دائرة (التبيّن) شرعاً؟
 
فمثلاً (حساب الاحتمالات) فانه في بعض صوره يعدّ تبيّناً علمياً وفي العرف أيضاً مما لم يكن يعدّ كذلك، ومن الصور المطروحة للبحث (التبيّن الأقلِّي) فانه قد يقال بأنه تبيّنٌ بحسب شأنِ ما دار أمرُه بين كواشف ناقصة كلها دون حدّ الشك.
بيان ذلك: في مثال عرفي: أنه لو علم بأن إحدى الدول الأربع([6]) المجاورة ستهاجم البلاد بغتةً وأدى التفحص والبحث والدراسة لمختلف الشواهد والمحتملات أن احتمال مهاجمة الدولة الأولى هو 10% واحتمال مهاجمة الدولة الثانية هو 20% واحتمال مهاجمة الدولة الثالثة هو 30% واحتمال مهاجمة الدولة الرابعة هو 40% فرضاً، وكان لا يمكننا إلا إرسال قوة لإحدى الجبهات الأربع فإن اللازم عقلاً وعرفاً هو التصدي للجبهة التي يحتمل مهاجمة العدو لها بنسبة 40% مع أنها ليست ظناً معتبراً ولا ظناً مطلقاً بل ولا شكاً بل هي من مراتب الوهم، والوهم ليس بحجة ولا هو بتبيُّن إلا أنه حسب حساب الاحتمالات فانه يعتبر تبيّناً فانه التبيُّن المناسب لشأن مثل هذه القضية الدائر أمرها بين أربع محتملات أقواها هو هذه.
 
تبيّن كل شيء بحسبه وفوارق العلوم في درجة التبيّن
 
والحاصل: أن تبيُّن كل شيء بحسبه فكما أن التبيّن في علم أصول الدين لا يكون إلا بالعلم ولا يكفي فيه خبر الثقة مثلاً على المشهور، وأما التبيّن في الفقه فهو أوسع نطاقاً إذ يشمل التبيّن العلمي بمثل خبر الثقة وشبهه، ثم يلي ذلك التبيّن في القضايا التاريخية فانه أوسع نطاقاً من التبين الفقهي أيضاً إذ قد يعد منه اخبار الثقات المرسلة حتى لمن لا يعدها في الفقه حجة، وقد يقال – بعد ذلك - أن التبيّن في أدلة السنن أوسع من ذلك كله، كذلك فإن التبين في صورة الدوران، كالصورة السابقة، أوسع نطاقاً فإن 40% يعتبر تبيناً بالنسبة إلى الـ10% لذا يلزمنا العقل بإتباعه.
وإن شئت فقل أن مفهوم التبيّن يتسّع للتبيّن النسبي أيضاً.
وقد يقال: بأن حساب الاحتمالات يشمل صوراً أخرى أيضاً مثل صور العينات العشوائية المختلفة.
ولكن سيأتي ما يرد على ذلك بإذن الله تعالى.
 
قول اللغوي والرجالي والمؤرخ تبيّن أو لا؟ أو فيه تفصيل
 
وقد يمثل للمفهوم المتطور بقول اللغوي فانه قد يقال بأنه لم يكن قوله حجة في كلمات القدماء لكنه حجة في كلمات المعاصرين من اللغويين نظراً لإحاطة اللغوي في هذا الزمن عبر الأجهزة الحديثة بكافة استعمالات المفردة ومشتقاتها وبكلمات كافة اللغويين وفقهاء اللغة والتفسير وغيرهم عكس اللغوي السابق، فيكون قول اللغوي تبيناً مورثاً للاطمئنان الآن عكس السابق.
وقد يعكس نظراً لقرب اللغويين الأسبقين من العرب الأقحاح.
ولكن هل ذلك من التطور المفهومي أو من التجدد المصداقي؟
وقد قال الميرزا النائيني أن المشهور كان على حجية قول اللغوي، ولعل الشهرة بعده انقلبت إلى العكس، وقد فصّلنا ذلك في بعض البحوث السابقة([7]).
وكما الحال في علم اللغة كذلك الحال في علم الرجال من حيث أقربية المتقدمين للرجال أو من حيث أكثرية إحاطة المتأخرين وأنضجية المباني أيضاً.
وكذلك الحال في علم التاريخ وغيره.
 
تنبيه وفائدة: منشأ حساب الاحتمالات
 
بدأ علم حساب الاحتمالات في القرن السادس عشر، على ما قاله بعض المحققين وكان منشأ الاحساس بالحاجة إليه ونشأته هو محاولة اكتشاف المحتمل الأقوى للعينات العشوائية أو (الصِّدَف([8])) كمحتملات مجيء المسافر المجهول حاله أو محتملات سقوط الدرهم عند رميه إلى أعلى، على هذا الوجه أو ذاك الوجه أو غير ذلك، وله صور وحالات عديدة:
منها: احتمالات الوجود.
ومنها: احتمالات العدم.
 
احتمالات التقارن بين حدثين في باب التعارض
 
ومنها: احتمالات التقارن بين حدثين فإن احتمالات حدوث أمر قد يكون 90% واحتمال حدوث أمر آخر مستقلاً قد يكون 90% أيضاً لكن احتمال تقارنهما معاً قد يكون 10% أو أقل أو أكثر، وهذا البحث نافع جداً في تحليل مبحث باب التعارض حيث أن الرواية بمفردها تكون معتبرة مورثة للظن النوعي وكذلك الأخرى لو انفردت أما إذا اجتمعتا تعارضتا، وعلى أي فان الاستفادة من علم حساب الاحتمالات في تعميق بعض جوانب مباحث باب التعارض وتوسعتها أيضاً، ومن نظريات باب التعارض في إثراء علم حساب الاحتمالات يعتبر نافعاً لكلا العلمين مما يستدعي عقد بحث خاص خارج عن نطاق بحثنا هذا.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
 
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَمِلَ بِهِ وَعَلَّمَ لِلَّهِ دُعِيَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِيماً، فَقِيلَ تَعَلَّمَ لِلَّهِ وَعَمِلَ لِلَّهِ وَعَلَّمَ لِلَّهِ"
الكافي: ج1 ص35
..........................................
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2453
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 12 ربيع الاخر 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15