• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 119- من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((خبر تدريه خير من عشرة ترويه)) والوجه في الاختلاف بين الف و عشرة .

119- من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((خبر تدريه خير من عشرة ترويه)) والوجه في الاختلاف بين الف و عشرة

من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام): ((خبر تدريه خير من عشرة ترويه)) والوجه في الاختلاف بين الف و عشرة*[1]
 
وجاء في رواية أخرى: ((خبر تدريه خير من ألف ترويه))[2].
وجوه اختلاف التعبير بـ (عشرة) و (ألف):
 
ولهذا الاختلاف بين الالف والعشرة محامل:
الأول: أن يحمل عشرة وألف على الكنائية عن الكثرة، لا الحد.
لكن فيه: إن كلا منهما وإن كان كناية عن الكثرة ولكن للكثرة درجات، ولكل مرتبة منها لفظ ومصطلح في اللغة العربية لا يصح تجاوزه، فمثلاً: السبعة تقال لكثرة العشرات، والسبعون تطلق في كثرة المئات، ولا يصح استعمال السبعة لكثرة المئات أو الألوف، وكذا العشرة والألف.
الثاني: إن سبب الاختلاف هو اختلاف مضمون الروايات من حيث أهميتها، فإن دراية الرواية الواردة في الأُصول أهم من دراية الرواية الواردة في الفروع، فكيف برواية عشرة أو ألف منها؟[3].
ثمّ إنَّ هذه أهم من الواردة في الأحكام، وهذه أهم من الواردة في الأخلاقيات، بل هذه الأربعة أيضاً لها في داخلها مراتب.
الثالث: إن سببه هو اختلاف درجة الدراية، فإنّ دراية مثل الشيخ الأنصاري لفقه الحديث لا تقاس بدراية الذي بدأ بدراسة المكاسب، ودراية هذا لا تقاس بدراية من يدرس الرسالة العملية، لو عرضت على كل منهم رواية.
والحاصل: إن (خبر تدريه خير) على حسب درجات الدراية عشر مرات، أو ألف مرة (من خبر ترويه) أي: خير من عشرة أو ألف خبر ترويه.
الرابع: إن الدراية علم بالمضمون، وصِرف الرواية جهل، والعلم خير من الجهل، والدرجات على حسب متعلقهما.
الخامس: إن صِرف الرواية غير مقتضٍ للعمل، أما الدراية فمقتضية له، والدرجات على حسب الثمرات.
 
وثاقة رواية ((خبر تدريه...))  لمطابقته للقواعد:
وأما سند هذا الحديث، فحيث إنه مرفوع فإن قلنا بحجية مراسيل الثقات[4] فالأمر سهل، وإلا أمكن الاطمئنان به ووثاقته كخبر ورواية عن طريق برهانية مطابقة مضمونه للأصول والقواعد، بل نقول: إن مطالبه من المستقلات العقلية أو المرتكزات العقلائية.
ويظهر ذلك بالتدبر والتفكر قليلاً في المقاطع الثلاثة: (حديث تدريه خير من عشرة ترويه) لأنّ ما تدريه ينفعك دون ما ترويه من دون أن تدريه، وهذا بديهي، فإنّ مَن يدري ويعرف كيفية الخروج من المآزق والمشاكل والفتن هو الذي ينتفع بها، دون من يروي لغيره ألفاظاً ومصطلحات لا يفهم معناها، وكذا مَنْ يعرف الحكم الشرعي دون من يروي وهو يحفظ ألفاظ المسألة دون فهم معناها، وكذلك من يدري ويعرف محتوى الدواء أو وصفة الأطباء، فإنه هو من ينتفع بها وينفع غيره بها، دون من يحفظ أو يروي ألفاظ الوصفة دون معرفة معناها، ولا موارد استعمالها، ولا ما يضادها مما لا تجتمع معه... وهكذا.
والظاهر أن المراد من (خير) هو بالإضافة لمن يدريه، فإن درايته للحديث خير له من روايته لعشرة أحاديث، ولا ينفي ذلك أن تكون روايته لعشرة أحاديث خيراً لهم من درايته هو لحديث واحد، فإن ظاهر الحديث هو لحاظ حال الشخص نفسه درايةً وروايةً.
والحاصل: إن الخيرية بين الطرفين ـ الدراية والرواية ـ تلاحظ مقيسة إلى شخص واحد لا إلى شخصين، فهي خير من الرواية، كما أنها في حد ذاتها ـ ككلي طبيعي ـ خير من الرواية، اللهم إلا لو غلبت الغاية الجهة النفسية في الدراية، وعليه فإنه قد يكون الأرجح لدى التزاحم أن يروي عشرة من أن يدري رواية، فتدبر جيداً.
ثم إنه حيث كانت الدراية حقيقة تشكيكية ذات مراتب كانت الخيرية ذات درجات بحسبها كذلك.
-----------------------------
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2443
  • تاريخ إضافة الموضوع : 10 ربيع الثاني 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29