• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 163- رأي المشهور في النسبة بين العام والخاصين ورأي غير المشهور، والمنصور في العام مع الحاكم والخاص .

163- رأي المشهور في النسبة بين العام والخاصين ورأي غير المشهور، والمنصور في العام مع الحاكم والخاص

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(163)
 
مقتضى التحقيق تنقيح حال بعض صور انقلاب النسبة
 
وتحقيق القول في ذلك (تقدم الحاكم على العام أولاً ثم ملاحظة النسبة بين الخاص الاخر وهذا العام بعد تخصيصه بالحاكم) يتم بالاشارة الى بعض الصور التي ادعي فيها انقلاب النسبة ووجه قول المشهور بعدم الانقلاب ووجه تفصيلنا بالقول ههنا بالانقلاب فنقول:
إن صور تعارض الأدلة، لو كانت ثلاثة فصاعداً، التي قد يقال فيها بانقلاب النسبة كثيرة ويكفي ههنا ذكر إحداها وعَرْض رأي المشهور وغير المشهور لنصل إلى الرأي الثالث المنصور:
 
لو وُجد عام وخاصان منفصلان
 
فمن الصور: ما اذا وجد دليل عام ودليلان خاصان منفصلان وكانت النسبة بين المخصصين التباين، فتارة لا يستلزم تخصيصه بهما محذوراً فيخصص بهما بلا كلام، وتارة يستلزم محذوراً: كبقاء العام بلا مورد أو تخصيص الأكثر المستهجن، والكلام والتفصيل والثمرة إنما هي في الصورة الثانية، ولها صور عديدة:
 
لو كان العام مرجوحاً سنداً
 
منها: ما لو كان العام مرجوحاً سنداً بالنسبة إلى كلا الخاصين، فذهب المشهور إلى طرحه والعمل بهما وذلك لأن الخاص الواحد وإن كان متقدماً على العام دلالة لكن فرض وجود خاصين يستلزم إعمالهما تخصيص الأكثر المستهجن أو بقاء العام بلا مورد، يوجب سريان التعارض إلى سندها إذ الخاصان – مجموعاً – لا يجتمعان مع العام فيتعارضان سنداً معه وأما إعمال احدهما فترجيح بلا مرجح وحيث كان سندهما الراجح طرحا العام.
لو كان العام راجحاً سنداً، رأي المشهور وغيره
ومنها: ما لو كان العام راجحاً سنداً على كليهما، وهنا ذهب المشهور إلى طرحهما إذ التعارض واقع بين العام ومجموع الخاصين وحيث رجح سنداً عليهما طرحهما، وذهب بعض الأعلام إلى أن التعارض ليس بين العام ومجموع الخاصين إذ المعلوم كذب احدها لا غير فالتعارض فيها بين اثنين من الثلاثة([1]) وحينئذٍ فاللازم الأخذ بالعام لرجحانه سنداً فبعد الأخذ به يقع التعارض السندي العرضي بين الخاصين إذ لا يمكن الأخذ بهما معاً بعد الأخذ بالعام، وحينئذٍ فإن كان أحد الخاصين أرجح سنداً أخذ به وإلا تخير بينهما بناء على قبول مسلك دلالة الاخبار على التخيير.
ولكن للمشهور ان يجيبوا عن دعوى أن التعارض ليس بين مجموع الأدلة الثلاثة بل بين العام وأحد الخاصين أو شبهه([2]) إذ التكاذب ناتج من العلم بكذب أحدها فقط، بأن ذلك وإن كان دقة كذلك إلا أنه ليس كذلك عرفاً إذ العرف الذي هو المرجع في تشخيص الموضوعات، يراها كمجموع متعارضة.
 
المنصور: التفصيل بين كون أحد الخاصين أظهر وعدمه
 
وعلى أي فالمنصور هو رأي ثالث وهو التفصيل بفرع جديد وهو أن الدليلين الذين هما أخص مطلقاً من العام تارة يكونان من حيث الظهور بدرجة واحدة فالأمر كما ذكر (والأرجح رأي المشهور) وتارة يكون أحدهما أظهر من الآخر، وذلك كما في مورد البحث([3]) وهو كون أحدهما حاكماً والآخر خاصاً فقط، فإنه حينئذٍ لا تصل النوبة للتعارض السندي مع وجود الجمع الدلالي بلا محذور المعارضة، إذ مع كون أحدهما حاكماً فانه أظهر في تخصيص العام من الخاص الآخر فيكون تخصيص العام به، أي بهذا الحاكم الأخص مطلقا، دون الخاص الآخر ترجيحاً مع مرجح لا بلا مرجح.
وإنما اعتبرنا في فرض المشهور مجموع الخاصين معارضاً للعام لأجل كونهما متساويين ظهوراً فلا يصح تقديم أحدهما على العام لأنه ترجيح بلا مرجح ولا كليهما اذا كان العام أرجح أو كانت كلها متساوية، ولكن لا يجري هذا المحذور في المقام إذ ترجيح أحدهما وهو الحاكم الأخص ترجيح مع مرجح.
وعليه: يجب أن يُخصَّص العام به ثم يلاحظ حاله بعد تخصيصه به مع الخاص الآخر فقد يقدم عليه وقد يقدم الخاص الآخر.
ومنه ظهر حكم ما إذا كان العام مساوياً سنداً لمجموع الخاصين مع كون أحدهما أظهر لكون أحدهما حاكماً أخص والآخر خاصاً فقط. هذا
 
أمثلة للبحث
 
ويمكن التمثيل للمبحث بأمثلة عديدة: منها ما لو دل دليل على استحباب الإحسان للناس كافة استناداً إلى مثل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)([4]) ودل دليل آخر على وجوب الإحسان للوالدين([5]) استناداً الى مثل (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)([6]) ودل دليل ثالث على حرمة الإحسان للعصاة، وفرض أن مجموع الاستثنائين يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن، ثم يفرض أحد الخاصين بلسان الحكومة التنزيلية بالتضييق.
مثال اخر: لو دل دليل على استحباب التعليم وآخر على وجوبه في الصناعات والعبادات كفاية وثالث على حرمته إذا علّمه ليظلم ويعتدي أو لمن يتقوى به على الظلم.
مثال ثالث: لو دل دليل عام على استحباب الصدقة وآخر على وجوبها للمضطر وثالث على حرمتها لمن يصرفها في الظلم.
مثال رابع: ما لو ورد: يستحب إكرام العلماء وورد خاصان: يجب إكرام العالم العادل، ويحرم إكرام العالم الفاسق.
ولا تخفى المناقشة في بعض الأمثلة السابقة لعدم كونها من كون النسبة بين الخاصين هي التباين بل النسبة من وجه، ولكن يمكن تقييد أحد الخاصين بما يباين به الآخر، على أن البحث هو البحث فتدبر جيداً.
 
من الأدلة على المدعى
 
ويدل على ما ذكرناه من دعوى التقدم بالاظهرية: انه لورود (حَرَّمَ الرِّبَا)([7]) وورد "لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ رِباً..."([8]) وورد يجوز الربا بين الزوج والزوجة والمسلم والذمي أو الحربي - مثلاً وفرض أن هذين الخاصين استغرقا أكثر أفراد العام، فإن من الواضح أن لسان (لا ربا) حيث كان منقحاً للموضوع حكومةً يتقدم على (حَرَّمَ الرِّبَا) أولاً فإنه بمنزلة المفسر له.
بل قد يقال بأنه بمنزلة الوارد فكما أن أحد الخاصين لو كان وارداً على العام تقدم عليه بالبداهة دون الخاص الآخر فكذلك الحاكم بلسان تضييق الموضوع فانه عرفاً مثله بعد إذ تنزل منزلته، وللبحث صلة ومزيد توضيح واستدلال غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
 
روي عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: "أَلَا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ اثْنَانِ طُولُ الْأَمَلِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِانْقِلَاعٍ، أَلَا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَآذَنَتْ بِاطِّلَاعٍ، أَلَا وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَالسِّبَاقَ غَداً، أَلَا وَإِنَّ السُّبْقَةَ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةَ النَّار..." تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ص152.
............................................
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2375
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 24 ربيع الاول 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15