• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 22- مزيد توضيح لمعنى الاسم المصدري وكيفية تطبيقه على الآية الكريمة ـ دليلان على ارادة (اسم المصدر) من (قول الزور) 1ـ انه اعم نفعاً فالحكمة تقتضيه 2ـ عموم المورد يفيد عموم الوارد .

22- مزيد توضيح لمعنى الاسم المصدري وكيفية تطبيقه على الآية الكريمة ـ دليلان على ارادة (اسم المصدر) من (قول الزور) 1ـ انه اعم نفعاً فالحكمة تقتضيه 2ـ عموم المورد يفيد عموم الوارد

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 
كان الكلام حول الاستدلال بقوله تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) على حرمة حفظ كتب الضلال,  ومطلق التقلبات في مسببات الفساد. وذكرنا إن المرحوم العلامة الشهيدي فصّل بين احتمالين في قول الزور :
الاحتمال الأول:  أن يكون المراد من قول الزور هو المصدر.
الاحتمال الثاني :  ان يكون المراد من قول الزور هو اسم المصدر فان كان المراد في هذه الآية هو المصدر خاصة, فان الدلالة فيها ستكون ضيقة حيث ستفيد الآية وجوب اجتناب خصوص قول الزور أي التكلم به وسيكون معناها (اجتنبوا أن تقولوا زورا). وأما إذا كان المراد في هذه الآية هو اسم المصدر فإنها ستكون ذات دلالة اعم فتفيد وجوب الاجتناب عن مختلف الأفعال التي يمكن أن تتعلق بوجه ما بقول الزور, هذا ما مضى.
مزيد توضيح للتفريق بين المصدر واسم المصدر: سبق أن ذكرنا أن المصدر هو  ما دلّ على الحدث,  أي : ما دل على فعل صادر من إنسان آو حيوان آو غيرهما , وأما اسم المصدر فهو ما دل على الحالة الحاصلة والهيئة الناتجة من المصدر.
أمثلة متعددة لتوضيح المطلب :  ونضرب أمثلة متعددة لتوضيح الفرق بين المصدر واسم المصدر:
المثال الأول :  انه عندما نقول : سلام من الله عليكم ,  فهل المراد من السلام هو المعنى المصدري أم المراد هو المعنى الاسم مصدري؟ والجواب : من الواضح أن المراد هو المعنى الاسم مصدري وليس المراد من السلام هو القول الصادر من المتكلم فالمراد هو نتيجة ذلك السلام القولي ,  وهو الأمن والطمأنينة والسكون والاستقرار والسلامة من الله عليك , بل انه حتى عندما نقول : ( السلام عليكم ) فان المراد هو الدعاء وليس المقصود بان كلمة السلام الصادرة من فمي هي عليك[1] وإنما المقصود من ذلك هو الناتج والمتحصل من هذا القول,  أي : إننا ندعو له بان يكون سالما مطمئنا وفي امن وسلامة واستقرار.
المثال الثاني: انك إذا قلت : افترق زيد وعمرو افتراق الأعداء ,  فان المعنى يختلف عما إذا قلت :افترق زيد وعمرو فرقة الأعداء , ففي المثال الأول افتراق الأعداء هو إشارة إلى العلة المحدثة وأما في المثال الثاني ففرقة الأعداء  هو إشارة إلى العلة المبقية , حيث ان(  افتراق) هو مصدر ويدل على الحدث ويشير إلى ان بداية افتراقهم كبداية افتراق الأعداء. وعليه فانك لو قصدت البداية والعلة المحدثة فعليك أن تستخدم المصدر (افتراق) وأما لو قصدت ما نجم عن ذلك وترتب وتفرع عنه من العداوة والبغض والغيبة والتهمة والنميمة فانك لو قصدت ذلك كله فعليك أن تقول فرقة الأعداء؛  لأن فرقة اسم مصدر دال على ما يتمخض ويؤول  عن تلك الفرقة أي عن الحالة الناتجة.
المثال الثالث: وهو مثال فقهي , فتارة تقول: أريد منك أن تغتسل ,  وتارة أخرى تقول: أريد منك الغسل, فان المراد هنا من (أن تغتسل ) هو هذه الأفعال من صب الماء آو الارتماس[2] وأما المراد  من (الغسل) فهو نتيجة ذلك  الاغتسال وهي أن تكون على طهارة.
الفرق والثمرة الفقهية:  وتظهر الثمرة الفقهية للتفريق بين المصدر واسم المصدر في مواطن متعددة, ومنها: ان الأمر لو كان في الرواية متعلقاً بالاغتسال بما هو هو فان المجرى هو البراءة , ولكن لو كان الأمر في الرواية متعلقاً بالغسل فان المقام سيكون من قبيل العنوان والمحصل وفي هذا البحث - بحسب رأي جمع من العلماء – فإن المجرى هو مجرى الاحتياط ؛ لان العنوان هو المتعلَّق للأمر والمراد هو الهيئة والحالة الحاصلة من الاغتسال فلو شك في اعتبار جزء أو شرط أو قيد فلو لم يأتِ به فإنه لا يعلم امتثال أمر المولى و الإتيان بالمأمور به  والأصل هو العدم[3].
آيتنا الشريفة والمراد منها:  و لنرجع إلى آيتنا الشريفة (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) فهل المراد منها اجتنبوا القول الزوري؟  أي :المعنى الاسم مصدري و الناتج من هذا القول ؟ ولو كان الأمر كذلك فسنكون من الموسعين للاستدلال بهذه الآية ؛ لان الناتج، كما أسلفنا، هو من مقولة الكيف.
توضيح ذلك : إننا عندما نلاحظ حال المتكلم بقول الزور من كذب أو سباب أو تهمة أو ما أشبه فإننا نجد أن الكلام قد صدر منه أولا , وهذه هي العلة المحدثة والمعنى المصدري , ثم يبقى الكلام بعد ذلك  في العقول والقلوب، أو في الكتب, بل سيبقى في الأثير والفضاء كذلك.
وان شئت فعبر:  بان هذا الكلام سيكون عبارة عن  تموجات الهواء ولذا فهو مقولة الكيف ؛ حيث إن مخارج الحروف تشكّل الهواء وتجعل له هيئة تسمى بالتموجات وهذه هي مقولة الكيف كما هو واضح.
إذن : ان القول الصادر كعلة محدثة هو من مقولة الفعل، ولكنه بلحاظ بقائه – في الأثير - فسيكون من مقولة الكيف، وأما الذي في العقول فهو من مقولة العلم وهو كيف نفساني على حسب رأي مشهور في العلم[4] والشاهد في كل ذلك, إن المعنى الاسم مصدري ليس فعلاً بل هو هيئة حاصلة في الفضاء أو هو علم حاصل لدى السامع وما أشبه ذلك فهو من مقولة الكيف وليس من مقولة الفعل.
عودا على كلام العلامة الشهيدي :  ونرجع إلى كلام العلامة الشهيدي حيث منع في آخر كلامه أن تكون إضافة القول إلى الزور من قبيل إضافة الموصوف للصفة، وظاهره أنه فسر الآية: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) - كما بينا -  بان تقولوا زورا, فالمتعلق هو من مقولة الفعل, فهي إذن من قبيل إضافة المصدر لموصوف له.
والذي نستظهره مبدئيا هو ان الاجتناب عن قول الزور قد صب على العلة المبقية – وكذا النهي – , أي أن الاجتناب قد صب على الهيئة الحاصلة من قول الزور وهذه الهيئة هي من مقولة الكيف فلا بد من تقدير أفعال لها، وحيث لا فعل ظاهر وبارز يصرف إليه (اجتنبوا) فتكون كافة الأفعال المقدرة مرادة في المقام[5].
مناقشة كلام العلامة الشهيدي :  هناك أربعة ردود خطرت في البال كمناقشة لكلام العلامة الشهيدي, والبعض منها نطرحه إلى ساحة النقاش فقط.
النقاش الأول: (اسم المصدر) أعم فائدة ان المعنى الاسم مصدري هو الأعم فائدة والأكثر نفعا، من إرادة المعنى المصدري, فلو كان القصد من آية (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) المعنى المصدري أي اجتنب أن تقول زورا فهنا يكون مفاد الكلام من الله تعالى ذا فائدة واحدة وهي وجوب الاجتناب عن قول الباطل والشرك أي حرمة التلفظ بهذه الكلمات فقط. وأما لو كان المراد المعنى الاسم مصدري فان الفوائد المتربة على ذلك تكون متعددة ومتنوعة, إذ يكون المعنى المراد هو اجتناب إيجاد كلمة الشرك وكذا المحافظة عليها وكذا الاجتناب عن الكتب التي تتضمنها، وعن الاستماع لها من غير رد، واجتناب الدفاع عن مروّجيها كذلك ومقتضى الحكمة أن يراد المعنى الاسم المصدري لا المصدري حيث إن دعوانا هي أن المتكلم الحكيم الملتفت ينبغي أن يقصد ما فيه فائدة أكثر.
رد هذه المناقشة: لكن يمكن رد هذه المناقشة: إن حِكم الشارع التشريعية غير معلومة لنا، وعليه فإننا لا نستطيع أن نحكم بتعميم أحكامه، كي نقول بان ذلك هو الأكثر فائدة ولذا فهي مقصودة,
 وبتعبير أخر : انه لو علمنا بان الله تعالى قد حرم مختلف هذه التصرفات حفظا و إبقاء وترويجا , ودار الأمر بين أن يكون الشارع قد قصد من هذه اللفظة ما يفيدها بأجمعها وبين أن يقصد الأقل فائدة، لقلنا بالتعميم, استناداً لدليل الحكمة. ولكن الكلام فيما نحن وهو في صورة تردد الأمر بين الاحتمالين وعليه فإننا لا نستطيع أن نقول: هذا هو الأكثر فائدة فهو مراد الشارع إذ لا يعلم أن الشارع قد حرم تلك الأخرى كي تكون (الصغرى) مسلّمة فنبني عليها (الكبرى) أي لكي نقول ان هذا هو الأكثر فائدة وعليه فان مقتضى الحكمة أن يقصده إذ لعل كل ذلك ليس بحرام في نظره ومع ذلك فكيف نحمِّل الشارع قصدَ معنى بدعوى أنه الأكثر فائدة.
نعم انه مما لاشك فيه إن حفظ كتب الضلال فيها نوع من الفساد لكن الشارع لعله لاحظ مصلحة أخرى في المقام فدخلت المسألة في باب التزاحم أو أنه راعى مصلحة التسهيل على المكلف وعليه يكون القدر المتيقن والمحرم هو الإيجاد فقط[6]
والنتيجة:إن هذا الوجه ليس  بتام ظاهرا الوجه الثاني: عموم المورد دليل على عموم الوارد  وفيه نقول : إننا نستعين بعموم المورد على عموم الوارد .
توضيح ذلك: أن الآية (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) قد نزلت في مورد وشأن معين , وعندما نأتي إلى مورد وشان النزول فإننا نرى أن النهي فيه عام أي إن النهي اعم من الإيجاد والإبقاء والحفظ ومن مختلف أنواع التقلبات فإذا كان المورد عاما فانه يدل على أن الوارد عام أيضا، وأما مورد هذه الآية فهو[7] في شان تلبية المشركين حيث كانت التلبية  : ( لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك ) , وهذه التلبية -  كما هو واضح – إيجادها حرام وكذا كتابتها والدفاع عن القائم بها فانه أيضا حرام وكذا الترويج وسائر الأمور الأخرى المتعلقة بها .
والمتحصل: أن التلبية الشركية محرمة حدوثا وبقاءً[8]  فلو قلنا – وثبت – أن المورد هو ما ذكرناه وقلنا إن التلبية الشركية محرمة بمختلف التقلبات فيها لدل ذلك على أن الوارد أيضا عام.
الدليل على صحة هذا القول والوجه: انه مع التدبر نجد أن الآية ناطقة بالدلالة على المورد – أي شأن النزول المدعى هذا – ظاهرا، فلا يكون الاجتناب منحصراً بمجرد القول إذ الآية تقول: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ) وهذا هو العمل الشركي وهو منهي عنه ثم تقول: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) وهذا هو القول الشركي وهو منهي عنه.فالآية بشقيها تشير إلى الاجتناب عن العمل وكذا الاجتناب عن القول الشركي، وما بيناه هو المستظهر بلحاظ مجموع الآية ولاحقها وهو (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) فهم حنفاء لله وهم غير مشركين به فعلا وقولا، هذا هو الظاهر خاصة بلحاظ ما نعلمه من حالهم وهو أن المشركين كانوا مشركين بالقول والفعل. وعليه: يكون النهي في الآيات والروايات موجها لكليهما بشتى أنواع التقلبات فيهما فإذا تم هذا الاستظهار الصغروي في شأن النزول، فإن المورد سيكون مورد القول الشركي، وأما كبراه فواضحة أيضاً لأن كل التقلبات فيه محرمة، فيثبت لنا من ذلك كله: أن الوارد (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) عام وسيكون المراد من الآية هو المعنى الاسم مصدري من قول الزور فيتطابق الثبوت والإثبات
وللكلام تتمة.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين...
 
[1] - وهذا للشخص الملتفت بل قد يعمم لغيره للارتكاز.
[2] - نعم قد يراد به (الغسل) من باب علاقة السبب بالمسبب، فهو مجاز.
[3] - وهذه هي مجرد إشارة لهذا البحث والتفصيل يترك إلى محله.
[4] - حيث قال البعض إن العلم كيفية نفسانية والبعض قال انه من مقولة الإضافة وهناك أقوال أخرى.
[5] - وبذلك تشمل العلة المحدثة أيضاً. فتدبر
[6] - ولا يسوقنا برهان (الحكمة) إلى شيء.
[7] - على حسب ما قاله صاحب مجمع البيان.
[8] - أي إيجاداً وإبقاءاً.
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2364
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 28 ذي القعدة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23