• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 21- مناقشة اخرى : ـ الظاهر ان متعلّق (اجتنبوا) هو مختلف الافعال المناسبة لـ( قول الزور) لا (الارتكاب) فقط ـ كلام (الشهيدي) وتوضيحه : ـ هل الاضافة اضافة الموصوف للصفة او اضافة المصدر لمفعوله ؟ وهل المتعلق (المصدر) او (اسم المصدر) ؟ .

21- مناقشة اخرى : ـ الظاهر ان متعلّق (اجتنبوا) هو مختلف الافعال المناسبة لـ( قول الزور) لا (الارتكاب) فقط ـ كلام (الشهيدي) وتوضيحه : ـ هل الاضافة اضافة الموصوف للصفة او اضافة المصدر لمفعوله ؟ وهل المتعلق (المصدر) او (اسم المصدر) ؟

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى يوم الدين
كان البحث حول الاستدلال بقوله تعالى (واجتنبوا قول الزور) على حرمة حفظ كتب الضلال , وكذلك الاستدلال على حرمة سائر التقلبات فيها , وقد وصلنا في سياق بحثنا الى كلام الفاضل المامقاني
إشكال المامقاني بوجود فعل ظاهر التعلق: ونذكر هنا إشكالاً أساسيا للفاضل الماماقاني ثم نناقشه بإذن الله،  حيث يقول : "لكن لا يخفى إن تمامية هذا الوجه[1] موقوف على ان يراد بالاجتناب عن قول الزور الاجتناب عن جميع ما يمكن تعلقه به من الأفعال التي منها الحفظ , والحمل على إرادة الجميع إنما يتم اذا لم يكن هناك فعل ظاهر التعلق، وهو هنا موجود لان الظاهر من الأمر بالاجتناب عن الكذب والباطل هو الامر بالاجتناب عن ارتكابهما ", انتهى كلامه[2].
توضيح كلامه : ان الامر تارة يتعلق بصورة مباشرة بفعل من الافعال وهنا لا يحتاج الى توسيط فعل آخر, وتارة أخرى فان الأمر – وكذا النهي – يتعلق بغير الفعل فلابد ان يتوسط بينهما - أي : بين الأمر والمأمور به – فعل كما اذا قيل : (اجتنب الفاسق) فان الفاسق من مقولة الجوهر وعليه فلابد من توسيط فعل من الأفعال كـ(اجتنب مجالسة الفاسق) فان الجوهر بما هو غير معقول ان يتعلق به أمر أو نهي , نعم يمكن ان يتعلق به الخلق والإيجاد لمن بيده الخلق والإيجاد.
والنتيجة :  ان الأمر لو تعلق بالجواهر أو سائر المقولات غير مقولة الفعل فلابد من فعل مقدر , هذه هي المقدمة الأولى
وأما المقدمة الثانية فهي: انه لو كان هناك وسيط من الأفعال فما هو ذلك الوسيط؟
الفاضل المامقاني يقول : لو لم يكن هناك وسيط ظاهر التعلق بهذا المتعلق، فان الظاهر إن كل الأفعال المقدرة هي المأمور بها فعلا او تركا , اما لو كان هناك وسيط ظاهر من بين الوسائط فان الامر او النهي ينصب على ذلك الوسيط الظاهر دون سائر الافعال , هذه كبرى المقام .
التطبيق على الصغرى : وفي الصغرى  نقول : في قوله تعالى: ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) هل المراد هو الاجتناب عن إيجاد قول الزور, هذا احتمال ؟  او هل  يجب ان نتجنب المحافظة على قول الزور ؟ ,وهذا احتمال ,او نتجنب الترويج لقول الزور ؟  وهذا احتمال,  او نتجنب استماع قول الزور ؟ وهذا احتمال آخر اذن: هنا مجموعة من الأفعال الوسيطة فهل كلها مراد أو أحدها؟ أي هل المستظهر الجميع أو احدها؟
و المامقاني يقول : اذا لم يكن هناك ظهور لأحد الأفعال في انه المتعلق لـ ( اجتنبوا ) فان كل الأفعال ستكون مقصودة في المقام ويكون المعنى انه يجب اجتناب ايجاد وحفظ وترويج واستماع و...،  قول الزور , حيث ان كل هذه المعاني مرادة. 
استدراك: لكنه - الفاضل المامقاني - يقول كذلك : ان ظاهر اجتنبوا قول الزور هو ان متعلّقه فعل خاص وهو خصوص الارتكاب[3], لأن الارتكاب هو الأظهر من الافعال التي ترتبط بقول الزور,
ونوضح كلامه بمثال : فانه عندما يقال زيد كالأسد فان الأسد له صفات عديدة ولو لم تكن هناك صفة ظاهرة للاسد وهي الشجاعة، لكان يحمل التشبيه عليه بكل الوجوه الأخرى المتوافرة فيه كبخر الفم والمشعرية وغيرها , ولكن نظراً لوجود صفة ظاهرة في التشبيه وهي الشجاعة, فإن التشبيه يحمل عليها.
والفاضل الماماقاني يقول : انه سواء أفسرت قول الزور بالكذب أم فسرته بالباطل فان الفعل المحذوف والوسيط هو الارتكاب والإيجاد , وعلى ذلك جرى السيد الخوئي وآخرون، كما سبق.
تعليقنا على كلام الفاضل المامقاني :  (التفريق بين الكذب والباطل )ونقول في مقام التعليق على كلام الفاضل المامقاني :
الظاهر ان هناك فرقا بين الكذب وبين الباطل , فاننا نقبل منه الكبرى الكلية التي ذكرها ونقبل كذلك تطبيقها على الكذب كصغرى , حيث نراه صحيحا,  إلا اننا لا نوافقه في تطبيق تلك الكبرى على صغرى (الباطل) وذلك:  ان ظاهر اجتنب الكذب هو اجتنب أن تقوله وان توجده- ولو للارتكاز -, لا اجتنب ان تسمعه, ونظائره. ولكن الأمر في (الباطل) ليس كذلك , فان المستظهر هو الاجتناب عن كل ما يرتبط بالباطل , فعندما يقال (اجتنب الباطل) فان العرف يرى العموم ولا يرى وجود فعل ظاهر بارز ينصرف إطلاق اللفظ اليه, إذ لا فعل خاص شديد الاتصال بالباطل , مما يدل على ان كل فعل ممكن التعلق بالباطل فهو مراد في المقام، فيكون الظاهر من (اجتنب الباطل) هو اجتنب الإيجاد والترويج والمحافظة عليه وهكذا أي اجتنب أي فعل يرتبط بالباطل بوجه من الوجوه.
والحاصل: ان القاعدة العامة هي :  انه لو كان المتعلق محذوفا فالمراد هو كل الأفعال إلا لو كان احدها ظاهر التعلق , وبناءا على ذلك فان الطرف الآخر هو من  عليه الإثبات ؛  لأنه يدعي الاستثناء من هذه الكبرى فعليه إثبات أن أحد الأفعال وهو ظاهر التعلق بحيث يصرف (اجتنبوا) إليه بخصوصه.
وحيث اوضحنا سابقا ان قول الزور المراد به قول الباطل بل الاعم من ذلك أي: القول المنحرف، فالمراد الأعم من إيجاده أو حفظه أو غير ذلك.
كلام العلامة الشهيدي: التفريق بين نوعي الإضافة
وللعلامة الشهيدي كلام دقيق وعبارته في حاشية المكاسب هي :  والاستدلال بذلك – أي بـ (اجتنبوا قول الزور على حرمة حفظ كتب الضلال ) -مبني على كون إضافة القول إلى الزور – والمراد به الباطل - من قبيل اضافة الموصوف الى الصفة لا من قبيل اضافة المصدر الى مفعوله[4] " ,  انتهى .
توضيح كلامه :
ان الآية في المقام فيها احتمالان[5] :  الاحتمال الاول : ان يكون قول الزور في الآية من قبيل اضافة الموصوف الى صفته , أي ان المعنى هو (اجتنبوا القول الزوري)[6]
الاحتمال الثاني : ان تكون الاضافة في الآية هي من قبيل إضافة المصدر لمفعوله فالمصدر هو (قول) و(الزور) هو المفعول ويكون المعنى على ذلك هو (اجتنبوا ان تقولوا زورا)[7]
مزيد توضيح : ان اجتنبوا قول الزور لو كان من قبيل إضافة المصدر لمفعوله لما احتجنا الى تقدير فعل لان المتعلق هو فعل[8], فالضرب فعل والأكل فعل وهكذا ,
وسيكون المعنى : اجتنبوا ان تقولوا زورا , وتكون الآية على ذلك خاصة بالقول ولا ترتبط بالكتابة ولا بأي فعل آخر, لأنها ليست أقوالاً
واما الاحتمال الاخر فهو ان اجتنبوا قول الزور هو من قبيل إضافة الموصوف الى الصفة ويكون المعنى هو اجتنبوا القول الزوري,  وهنا نحتاج الى تقدير لان القول الزوري هو من مقولة الكيف وهو كالجوهر لا يمكن ان يتعلق به الأمر فيحتاج الى وسيط في المقام وهو الفعل كما هو الحال في اجتنب اللون الأحمر فان معناه (اجتنب ان تنظر الى اللون الاحمر مثلاً)[9]
الفرق بين المصدر واسم المصدر: ولتعميق البحث بشكل أكبر نقول : هنالك عنوانان, المصدر واسم المصدر , والمصدر هو ما يدل على الحدث , و اما اسم المصدر فهو ما يدل على الهيئة الحاصلة من الفعل او على النتيجة الحاصلة من المصدر,[10]
ولو كان قول الزور في بحثنا مصدرا فان فعل الاجتناب سيتعلق به بصورة مباشرة , و اما لو كان قول الزور هو اسم مصدر فانه يحتاج الى فعل مقدر في المقام .ولتوضيح ذلك نقول: ان المصدر هو ما جرى على وزن فعله كـ(اغتسل يغتسل اغتسالا) فالاغتسال هو المصدر الدال على الحدث، وأما اسم المصدر فهو مالم يجر على فعله، بحذف او اضافة، كما في ( اغتسل يغتسل غسلا ) والغسل هو اسم مصدر و هو الناتج من ذلك الفعل والحدث
ونذكر مثالا آخر للتوضيح :  انه في مبحث طلاق المرأة نقول : لا يصح طلاق المرأة في طهر المواقعة , فإن (الطهر) يراد به هنا (اسم المصدر) لا المصدر أي: ان الطلاق لا يصح والمرأة في حالة طهر المواقعة – وحالة الطهر هي نتيجة اغتسالها لا نفس الاغتسال، أي لا يصح في وقت الصفة الحاصلة لها وهي طهر المواقعة. وكذلك الحال في الفرق بين (الكسب) و(الاكتساب)
صغرى البحث :  وفي صغرى بحثنا نقول :  هل المراد من قول الزور هو اسم المصدر او المصدر؟  فلو كان المراد منه المصدر فان المعنى سيكون مضيقا ولو كان المراد اسم المصدر فان المعنى سيكون واسعا , إلا ان تبنّي احد المعنين يعتمد على تحديد ما هو الظاهر من الاية الشريفة.
وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين...
 
[1] أي الاستدلال بقوله تعالى: ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) على حرمة حفظ كتب الضلال.
[2] غاية الآمال ج2 ص105.
[3]  وهذه دعوى منه وقد جرى عليها عدد من الأعلام المتأخرين.
[4]  حاشية الشهيدي على المكاسب ص 239.
[5]  وهذا البحث يجري في الكثير من الآيات الشريفة والروايات وهو بحث مغفول عنه عادة.
[6]  ومثاله النحوي المعروف هو ثوب القطن أو قطيفة خزّ أي القطيفة المتصفة بأنها من خز.
[7]  كما في اجتنبوا ضرب زيد فالمراد اجتنبوا أن تضربوا زيداً.
[8]  وهو الفعل بالمعنى الفلسفي لا النحوي.
[9]  وهذا الترديد بين الاحتمالين هو جوهر وجهي القول بالاحتياج إلى تقدير من عدمه.
[10] وما بيناه من تعريف فهو بحسب ما نراه وعلى هذا جرى الأصوليون وهو بخلاف تعريف بعض النحاة لاسم المصدر بـ(اسم المصدر يدل مباشرة على لفظ، لا على الحدث المجرد) انظر النحو الوافي ج3 ص154 مسألة 99.
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2363
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 27 ذي القعدة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23