بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(161)
مناقشة مع الميرزا الشيرازي في دعوى كون مصب التعارض هو الفهم
ولكن قد يورد على دعوى كون مصب التعارض هو (الفهم) أو (ما يفهم من الخبرين) الذي استفيد من كلام الميرزا الشيرازي السابق، أمران:
1- انه يستلزم خروج (لا ضرر) ونظائره عن الحكومة
أولاً: أنه يستلزم خروج أمثال (لا ضرر) من أدلة العناوين الثانوية مما يرفع الحكم بلسان رفع الموضوع ([1])، عن الحكومة، لوضوح أنه حيث كانت النسبة بينها وبين العناوين الأولية هي من وجه كانت متعارضة في مرحلة الفهم أيضاً نعم يتقدم العنوان الثانوي على الأولي لكونه ناظراً إليه فهما متعارضان بدواً حسب المفهوم من ظاهرهما لكنه يرتفع بملاحظة أن طبع الحكم الثانوي هو التقدم على الحكم الأولي ([2]).
2- المتعارضان صفة بالحمل الشائع للخبرين؛ لا لما يفهم منهما
ثانياً: - وهو العمدة – أن كون مصب التعارض هو الفهم ([3])، من المجاز ومن الوصف بحال المتعلق الذي هو خلاف الأصل ولا يصار إليه إلا لدى تعذر المعنى الحقيقي أو سوق القرينة إليه وليس أي منهما متحققاً حتى في الحكومة التنزيلية تضييقاً أو توسعة.
بيانه: أنه كما أن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية لا لما يفهم منها لوضوح أن الأسماء موضوعة للمسميات الواقعية لا للصور الذهنية عنها ومفهومها أو ما يفهم منها، كذلك فإن الأوصاف للموضوعات أوصاف لها بما هي هي ولوجودها الواقعي لا للمفهوم منها أو الصورة الذهنية عنها، فقولك الصخرة جامدة والنبات نامٍ والماء راوٍ للعطش صفات لها بلحاظ وجودها الخارجي لا بلحاظ وجودها الذهني والمفهوم من موضوعاتها.
وفي المقام: قوله (عليه السلام): "الْخَبَرَانِ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَان"([4]) أو "بِحَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْن"([5]) فان (المتعارضان) صفة للخبرين الثبوتيين بما هما هما أي للخبرين الصادرين عن زرارة وحمران مثلاً وليسا صفة للمفهوم منهما وللصورة الذهنية عنهما وإلا كان من الوصف بحال المتعلق ليكون المعنى: الخبران المتعارض المفهوم منهما أو المتعارض ما يفهم منهما.
المسلك المختار في مصب التعارض
ثم الحق أن المتعارضين صفة للدلالتين لا للمدلولين ([6]) فانهما واسطة في الثبوت وحيثية تعليلية وليسا واسطة في العروض وحيثية تقييدية؛ فان الخبر بما هو خبر ذاتيّه الاخبار والدلالة وهي متضادة أو متناقضة في مثل (يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام العلماء أو لا يجب) نعم سبب عروض التعارض عليه هو تضاد المدلولين أو تعارضهما؛ ألا ترى أن الأسود واللاأسود متناقضان حقيقة مع أن السبب هو كون مدلوليهما متناقضين فهما حيثية تعليلية لثبوت التناقض لنفس المفهومين؟
المختار في تعارض موارد الجمع العرفي وعدمه
ثم أن المحتملات في كون الحاكم والمحكوم والعام والخاص وغيرها من موارد الجمع العرفي، متعارضة بالتعارض البدوي أو لا، أربعة، وإنما قيدنا بالبدوي لوضوح انتفاء التعارض المستقر على أية حال:
أ- أنهما متعارضان بالتعارض البدوي، ولعله المشهور.
ب- أنهما لا تعارض بينها بالمرة أي حتى بالتعارض البدوي.
ج- أن العام والخاص متعارضان بالبدوي، أما الحاكم والمحكوم فلا تعارض بينهما حتى البدوي نظراً لمقام التفسير.
د- وهو المنصور: (وعليه يبتني عدّ هذا خاصيةً وميزة أخرى للحكومة على سائر موارد الجمع العرفي): التفصيل بالقول بأنها جميعاً متعارضة بالتعارض البدوي، لكن الفرق بين الحاكم والمخصص هو أن الحاكم يعارض المحكوم بالتعارض البدوي لكن بنحو أضعف أما الخاص فيعارض العام بالتعارض البدوي ولكن بشكل ضعيف؛ وذلك لأن الضعف والقوة من الحقائق التشكيكية ذات المراتب ولسان الحاكم لكونه لسان المسالمة يوهن التعارض إلى أبعد درجاته وحدوده أما الخاص فليس بذلك الوهن رغم أنه غير مستقر.
ولعله يأتي له مزيد إيضاح كما ستأتي بعض الثمرات المترتبة على ذلك، فتدبروا حتى ذلك الحين.
المرجع في تحديد مصب التعارض وغيره:
ثم أنه لدى الخلاف في تحديد مصب التعارض ونظائره فان المرجع أحد أمور ثلاثة: العرف، أو الشرع، أو الدقة العقلية:
دعوى الحقيقة الشرعية في (التعارض) والجواب
فقد يقال بأن المرجع في الموضوعات وإن كان هو العرف، لكن ذلك حيث لم يتدخل الشارع، وقد تدخل في مصطلح المتعارضين بنحو الوضع التعيّني فأريد به في عُرف الشارع، لا المتشرعة فقط، معنى أخص من المتعارضين عرفاً بمعنى أنه لو قيل بأن المتعارضين يشملان عرفاً التعارض البدوي غير المستقر (كالخاص والحاكم مع العام والمحكوم) ([7]) فقد يقال: بأنه شرعاً قد نقل إلى الأخص وهو غير موارد الجمع العرفي .
وقد يستدل على ذلك بما سبق من: (هل للتعارض حقيقة شرعية؟ إن قلت: الأصل عدمها، بل الظاهر انه لا اصطلاح خاص للشارع فيه (أي في التعارض والمتعارضين) لذا لم يذهب إليه أحد؟
قلت: قد يستدل على ذلك بسيرة الفقهاء والمتشرعة بل سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) بل بناء الأئمة (عليهم السلام) العملي على عدم اعتبار العام والخاص من المتعارضين وعدم إجراء أحكامهما عليهما (من الترجيح والتخيير أو التوقف) بل يجمعون بينهما ويوفقون بينهما دون ادنى توقف، ولو اعتبروهما من المتعارضين لكان اللازم ([8]) ان يَعُدّوا المخصص المنفصل الوارد بعد وقت العمل ناسخاً مع ان الشهرة القطعية إن لم يكن الإجماع على انه مخصِّص وليس ناسخاً إذ لا نسخ بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)) ([9]).
والجواب بعبارة أخرى عما سبق: أن السيرة وإن صحت وتمت لكن ذلك أعم من الحقيقة الشرعية إذ يحتمل أنها لكون مبنى العرف ذلك (أي عدم اعتبار موارد الجمع العرفي متعارضة) سلمنا لكن يحتمل كونها للانصراف فلا يدل وجود السيرة على ثبوت الحقيقة الشرعية،
فتدبر وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): "للمصلي ثلاث خصال إذا هو قام في صلاته : حفت به الملائكة من قدميه إلى أعنان السماء، ويتناثر البر عليه من أعنان السماء إلى مفرق رأسه، وملك موكل به ينادي: لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل"
من لا يحضره الفقيه: ج1 ص210.
...........................................
|