• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 158- تفسير الميرزا الشيرازي الكبير لكلام الشيخ والمناقشة والمرجع الضابط في حل الخلافات المبنوية .

158- تفسير الميرزا الشيرازي الكبير لكلام الشيخ والمناقشة والمرجع الضابط في حل الخلافات المبنوية

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(158)
 
تطوير الميرزا الكبير لكلام الشيخ وتفسيره لـ(المفسّر) في كلامه
 
ثم أن الميرزا الشيرازي الكبير فسّر بل وطوّر الفارق الذي ذكره الشيخ بين الحاكم والمخصص بقوله: (وأما ميزان الحكومة: فأحسن ما يقال فيه: أن يكون الحاكم - أولا وبالذات وبنفسه - مفسرا للمراد من المحكوم عليه، ومبينا لكمية مدلوله، لكنه غير رافع لموضوعه، بل هو مع وجود الحاكم صادق على المورد - أيضا – وإنما الحاكم أوجب رفع الحكم المعلق عليه عن المورد.
والمراد من كونه مفسرا له أولا: أنه يكون بحيث لا يفهم التنافي بينه وبين المحكوم عليه من أول النظر، بل يكون كالقرائن المتصلة من حيث كونه موجبا لظهور المحكوم عليه في اختصاص الحكم الذي تضمنه بغير مورد الحاكم ابتداء.
وبعبارة أخرى: ميزانه أن يكون بحيث يوجب ظهور المحكوم عليه في إرادة اختصاص الحاكم المعلق على الموضوع المذكور فيه بغير مورد الحاكم مع صدق ذلك الموضوع على ذلك المورد بنفسه، وذلك بأن يكون ذلك الدليل الحاكم بمنزلة قول المتكلم أعني غير هذا المورد)[1].
أقول ههنا مطالب:
 
الفرق بين الحاكم بنفسه والحاكم بلفظه
 
المطلب الأول: أن الميرزا غيرّ عبارة (بلفظه) الموجودة في كلام الشيخ[2] إلى (بنفسه) وذلك للخلاف المبنوي في اختصاص الحكومة بالأدلة النقلية أو عمومها للأدلة غير اللفظية أيضاً كالعقل والإجماع الذي لا معقد له، وقد سبق أن المنصور أنه يعم صوراً أربع: ما كانا – أي الدليلان – لفظيين أو عقليين أو بالاختلاف، وسيأتي برهانه. ولذا قال في الحاشية قولنا: (بنفسه) إنما عدلنا إلى ذلك، ولم نقل: (بلفظه) كما صنع المصنف - قدس سره -، لأن الحاكم قد يكون دليلا لبيا، فلا يشمله اللفظ، ومن هنا ظهر أن إيراده - قدس سره - (قوله): (بلفظه) لا يستقيم.
لمحرره عفا الله عنه.
المطلب الثاني: أن الميرزا فسّر (التفسير) بأمرين:
 
معنى (التفسير): أن لا يفهم التنافي ولو بدواً
 
أن لا يفهم التنافي بينه وبين المحكوم عليه من أول النظر، وتوضيحه: أن الخاص المنفصل ينافي العام بدواً فالتعارض بينهما بدوي غير مستقر أما المتصل فلا تعارض ولا بدوياً بينه وبين العام، وأما الحاكم فهو كالمتصل لا يعارض ولو بدوياً المحكوم.
والسر في ذلك أن مثل "لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ رِبا..."[3] و"الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة"[4] مما ضيّق الموضوع أو وسّع إنما يدور في عالم التنزيل وأما (حرم الربا) ففي عالم التكوين أي أن موضوع (حرم الربا) هو الربا التكويني أي ما هو ربا بالحمل الشائع خارجاً وموضوع "لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ رِبا..." هو الربا التنزيلي فانه نزّل الربا بينهما منزلة اللاربا لا الربا التكويني لوضوح أن الربا يعني الزيادة وهي أمر وجداني خارجي فانه إذا اقرض فأخذ الأكثر كان ربا وزيادة دون شك فهما من عالمين مختلفين فكيف يتعارضان؟
ويرد عليه: أن ذلك لا ينفي التعارض البدوي فإن التكوين وإن لم يرتق إلى عالم التنزيل لكن التنزيل تطرق لحكم عالم التكوين إذ مفاده بالمآل أن الربا التكويني ليس بحرام وإن كان لتنزيله منزلة اللاربا. فلا بد إما من البحث عن وجه آخر لنفي التعارض البدوي أو الإذعان بالتعارض البدوي غير المستقر فيكون كالخاص والعام من هذه الجهة. فتأمل.
على أن هذا إن صح فلا يصح في الحكومة برفع الحكم كما في (لا ضرر) لوضوح التنافي البدوي بين (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)[5] و(لا ضرر) في مادة الاجتماع.
 
أن يوجب انقلاب ظهور المحكوم
 
أن يكون الحاكم موجباً لانقلاب ظهور المحكوم.
 
المناقشة:
 
ويرد عليه: أن ذلك أخص من الحكومة وأن الالتزام به طارد لبعض أفرادها وذلك لما سبق؛ فانه تام في الحكومة التنزيلية تضييقاً أو توسعة دون الحكومة برفع الحكم كما في أدلة العناوين الثانوية لوضوح أن لا ضرر لا يوجب انقلاب ظهور ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[6] بل قد يقال: أن تقدم عموم لا ضرر الشامل للصوم الضرري وغيره ليس أولى من تقدم عموم ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ ... ) للصوم الضرري وغيره، لولا ما سيأتي.
 
التفصيل بين الحكومة المصطلحة والعرفية
 
فالحق هو التفصيل بين نوعي الحكومة: الحكومة المصطلحة أو التفسيرية أو البيانية وهي المتحققة في مثل (لا ربا) و(الطوائف بالبيت) والحكومة العرفية وهي الجارية في مثل لا ضرر والتي عرفها السيد الاصفهاني مقتبساً من كلام الآخوند بقوله: (الحكومة العرفية المعبر عنها بالتوفيق العرفي، وهي عبارة عن كون الدليلين بحيث إذا عرضا على العرف يوفقون[7] بينهما بالتصرف في احدهما أو كليهما بالحمل على معنى لا ينافي أحدهما الآخر بلا ملاحظة نسبة بينهما، بل يقدمون أحد الدليلين على الآخر ولو كان أضعف دلالة منه وكانت النسبة بينهما عموماً من وجه، ولمشاكلتها مع الحكومة الاصطلاحية في عدم ملاحظة النسبة والاظهرية بين الدليلين عرفاً عُبِّر عنها بالحكومة العرفية، وذلك كالأدلة النافية للعسر والحرج والضرر ونحوها مما يتكفل لأحكامها الثانوية بالنسبة إلى أدلة الأحكام بعناوينها الأولية، حسبما تقدم في قاعدة لا ضرر على ما هو المختار عند المصنف وعندنا)[8].
وأما الحكومة المصطلحة فهي (عبارة عن كون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظراً لبيان مدلول الدليل الآخر، وناظراً إلى مقدار دلالته وكمية مقداره، توسعة وتضييقاً، وهل يعتبر فيه الشارحية الفعلية...)[9].
 
المرجع في الخلافات المبنوية وغيرها
 
المطلب الثالث: أن المرجع في حسم مثل هذا الخلاف وسائر الخلافات في هذا المقام وغيره، هو الخواص المتفق عليها للحكومة أو الخواص التي يراها الأصولي مسلّمة للحكومة، والأول لدى الخلافات المبنوية بين الأعلام والثاني لدى شك الأصولي أو الفقيه نفسه فانها تكون حينئذٍ عنده (أو عند الجميع لدى الاتفاق) هي المرجع بالبرهان الإني لتشخيص حال سائر الفوارق مطلقاً والضوابط الثانوية خاصة، مثل هذا الضابط والفارق أو الضابط السابق[10].
 
ضابط الحكومة المرجعي
 
وضابط الحكومة المرجعي عموماً أو خصوصاً[11]، الذي لا شك فيه أحد أمور:
أولاً: أنه لا تلاحظ النسبة بين الدليلين وذلك فيما إذا رأى العرف تقدم أحدهما على الآخر بنفسه ولو كانت النسبة بينهما العموم من وجه، وذلك كلا ضرر ولا حرج مع أدلة العناوين الأولية فانه وإن صح أنه كما يمكن الحكم بتقدم لا ضرر على مورد الاجتماع وهو الصوم الضرري كذلك يمكن العكس بتقدم (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ) على الضرر ليجب الصوم مطلقاً وإن كان ضررياً، إلا أن السبب في تقديم العناوين الثانوية على الأولية دون العكس هو أن العرف يرى الثانوية متقدمة رتبةً على الأولية وأنها متى اجتمعت كانت هذه هي المهيمنة وذلك من مرتكزات العرف المسلّمة.
فعدم ملاحظة النسبة مرجع أصلي في تشخيص الحكومة، وحيث شملت قسمي المصطلحة والعرفية عمّتهما الحكومة فوجب أن يكون تعريفها كذلك ولم يصح التقييد بإيجاب الحاكم انقلاب ظهور المحكوم ولا كونه لفظياً ولا شبه ذلك.
ثانياً: انه لا تلاحظ الأظهرية، ولكن سبق النقاش في ذلك مفصلاً،
وللبحث تتمة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
 
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَكُّر"
الكافي (ط – الإسلامية): ج1 ص36.
............................................
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2348
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 14 ربيع الاول 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15