بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(151)
مناقشات مع المحقق العراقي:
ولكن قد يناقش كلام المحقق العراقي بوجوه:
1- الحاكم كالمخصص في مزاحمة سند المحكوم لو استغرق الأفراد أو أكثرها
الأول: انه لا فرق بين الحكومة والتخصيص وسائر موارد الجمع العرفي، من الجهة التي ذكرها فانه إن زاحمت ([1]) المخصصات المستغرقة لأفراد العام أو التي بلغت من الكثرة مرحلة تخصيص الأكثر المستهجن، سند العام، زاحم الحاكم المستغرق لأفراد المحكوم أو الشامل لأكثر أفراده بما يبلغ به تلك المرتبة، سنده أيضاً؛ وذلك لأن الحكومة تخصيص لكن بلسانٍ ألطف فحكمها حكمه، وأيّ فرق بين تشريع حكم ثم استثناء كافة أفراده بلسان التخصيص أو استثناؤها بلسان الحكومة، من جهة لزوم لغوية تشريع ذلك الحكم وانه إذا لم يمكن تشريعهما معاً تكاذبا وكان التعاند، حسب مبناه ([2])، في مرحلة السند؟
وبعبارة أخرى أدق وأشمل: أن الفارق الذي ذكره غير صحيح في موارد الحكومة بالرفع ولا في موارد الحكومة بالتنزيل غاية الأمر أنه صحيح في موارد الحكومة التفسيرية خاصة، ولعل ذهنه الشريف انصرف إلى هذا النوع الأخير من الحكومة فانها كالمخصص المتصل أو هي منه فيجري عليها حكمه الذي ذكره.
التعاند في الحكومة التضييقية في الرفع
بيان ذلك: أن الحكومة التضييقية محمولاً كما في لا ضرر ولا حرج، لا شك في قبح شمولها لكافة أفراد المحكوم وأنه كما يكون التعبد بـ(صم إلى الليل) و(حج) و(خمّس) في (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)([3]) و (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)([4]) و (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)([5]) وغيرها لغواً قبيحاً إذا خصّصّه بمخصصات أخرجت كل أفراده منه ([6])، كذلك التعبد بها مع إخراجها بلسان الحكومة كقوله لا ضرر ولا حرج ولا إكراه و.... إذا كان ذلك يستلزم خروج كافة أفراد الصوم عن دائرة الوجوب لإدخاله ([7]) إياها بأجمعها في دائرة العناوين الثانوية؛ إذ أي وجه يكون لايجابه الصوم مع إلغائه وجوبه مطلقاً بأصناف الأدلة الحاكمة المستغرقة لكل أفراده؟
وإنما كان لا ضرر حاكماً على الأدلة الأولية مع كون نسبته من وجه، لأنه ناظر من دون أن يستلزم إخراج الكل ولا الأكثر.
التعاند في الحكومة التنزيلية التضييقية
وكذا الحال في الحكومة التنزيلية التضييقية موضوعاً؛ ألا ترى أنه لا يصح تشريع (حَرَّمَ الرِّبَا) مع تشريعه مجموعة من الأدلة الحاكمة عليه بحيث لا يبقى مورد واحد للربا المحرم ([8])؟ ولو فعل ذلك تكاذب السندان؟
صحة كلامه في الحكومة التفسيرية
نعم غاية ما يصح كلامه (قدس سره) فيه هو خصوص ما كان الحاكم ناظراً بلسان الشرح بحيث لوى عنق الظاهر إلى مدلول آخر كما لو قال أعني أو أي (بناء على كونها من الحكومة كما هو مسلك المحقق النائيني) أو ما كان بمنزلته كما لو قال: (أكرم العلماء) وقال: (العلماء هم الفنّانون) ([9]) أو قال: (العلماء هم من حصلوا على العلم بالإلهام) مع فرض ندرتهم في هذا الزمن أو عدمهم بالمرة، فانه لا بأس به لما ذكره من وجود جهة الشرح فكأنّ الشارح لوى عنق المحكوم وأبان أن المراد به كلي آخر وأفراده هي أفراد أخرى، لا مثل لا ضرر ولا ربا النافي لأفراد المحكوم – موضوعاً أو حكماً - من غير أن يحوّل دلالته إلى معنى آخر له أفراد أخرى.
بل نقول: أن دليله (قدس سره) هو عليه لا له إذ قوله: (إذ ينتهي الأمر إلى العمل بمراده ولو بتوسيط شارحه) خاص بالحكومة التفسيرية دون غيرها فدليله أخص من المدعى جداً ولا يشمل غالب بل أهم موارد الحكومة.
2- مبنىً لا تعبد في دليل السند، بل إمضاء وتأكيد بدون تتميم للكشف
ثانياً: مبنى: بانه لا تعبد في دليل السند أبداً فقوله: (ودليل التعبد بسنده لا يلغى عن الاعتبار) و(بل يصير حال الظاهر بعد عدم حجية ظهوره وطرحه رأسا حال المجمل المعلوم عدم معنى للتعبد بسنده) ([10]) مما فرع عليه قوله: (وإلا يلزم طرح سنده أيضا لعدم انتهاء أمر سنده إلى العمل) و(إذ ينتهي الأمر إلى العمل بمراده ولو بتوسيط شارحه) غير تام.
بيان ذلك: أن الحجج العقلائية كخبر الثقة والظواهر وغيرها إمضائيات وليست تأسيسيات، وهذا هو المشهور ولكن نضيف أن الشارع في إمضائه لها لم يزد عن أنه أكّد كاشفيتها لا أنه أعمل مولويته في كاشفيتها ولا انه تمم كاشفيتها أو جعلها كما صار إليه الميرزا النائيني ([11]) وجمع من الأصوليين.
والدليل على ذلك واضح إذ بالعودة إلى أدلة حجيتها نجدها كافة مقررة لبناء العقلاء على حجية تلك الطرق وبانية على أنها كاشفة ومرآة كما رأؤها ولا إعمال فيها لمقام المولوية أبداً ولا حتى إشعار بتتميم الكشف أو الجعل.
فلاحظ قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)([12]) بناء على شموله وعمومه لغيرهم (عليهم السلام) كما بنوا عليه، فانها ظاهرة في أنه اسألوا لتعلموا المراد به الأعم من العلمي عرفاً وليس المراد اسألوا فقد جعلتُ حجية العلم (أي العلمي) أو تممت كشفه!!.
وكذلك قوله: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)([13])
وقوله عليه السلام: "الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي..."([14]) لظهوره في الاخبار عن أنه يؤدي عنه لا الإنشاء والجعل وغيرها.
والحاصل: أن وزان الشارع الأقدس لكونه محيطاً بالجهات، بالنسبة للعقلاء في إمضائه طرقهم ([15])، وزان الخبير بقول مطلق بالنسبة إلى ناشئ في علم الطب أو الفلك مثلاً فإذا استظهر الناشئ أن هذا النبض مثلاً علامة كاشفة عن المرض الفلاني بنسبة 90% مثلاً ([16]) ولكنه أراد الاطمئنان على سلامة ما استظهره فسأل الخبير المتضطلع فأيّده وأقره وأمضاه على ما اكتشفه، فانه ليس بذلك بمتمّم للكشف ولا بمعملٍ مقام المولوية ([17]) أو غيرها بل انه صِرف مبيّن أن ما اكتشفه من المرآتية الناقصة هو كذلك بل ظاهر حاله ذلك لا انه يتمم كاشفية العلامة ومرآتيتها، بل لعل دعوى ذلك غريبة لدى العقلاء، وعلى أي فانه يكون مفاد ذلك التنجيز عند الإصابة والاعذار عند الخطأ.
وإنما يلجأ العقلاء لإتباع الطرق الناقصة الكشف لكفاية مقدار كاشفيتها وإصابتها لديهم وانه لا ضرورة، بنظرهم، لتجشم عناء الأكثر حتى وإن تيسر ولعل لمصلحة التسهيل دخلاً، بل ان الشارع رغم انفتاح باب العلم أجاز إتباع العلمي كما في إرجاعات الأئمة (عليهم السلام) للرواة رغم وجود الإمام نفسه، وهذا مسلك عقلائي لجهات عديدة بيناها في موضع آخر.
وتمام الكلام في ذلك بما يسد ثغراته ويذب عن حياضه ويتصدى لمناقشة الإشكالات عليه في محله.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
========================
قال الإمام الصادق عليه السلام: "مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام جَعَلَ ذُنُوبَهُ جِسْراً عَلَى بَابِ دَارِهِ ثُمَّ عَبَرَهَا كَمَا يُخَلِّفُ أَحَدُكُمُ الْجِسْرَ وَرَاءَهُ إِذَا عَبَرَهُ" من لا يحضره الفقيه: ج2 ص581.
........................................................
|