• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 149- نسبة مبحث الحكومة مع مبحث (اجتماع الحكم الظاهري مع الواقعي) ووجوه خمسة للجمع بين الحكم الظاهري والواقعي .

149- نسبة مبحث الحكومة مع مبحث (اجتماع الحكم الظاهري مع الواقعي) ووجوه خمسة للجمع بين الحكم الظاهري والواقعي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(149)
النسبة بين مبحث الحكومة ومبحث اجتماع الحكم الظاهري والواقعي
 
ثم أنه قد يقال بأن مبحث حكومة الامارات على الأصول بل مطلق الحكومة مشتبك مع مبحث اجتماع الحكم الظاهري والواقعي وقد أشكل البعض على بعض الأعلام بأنه خلط بينهما.
والتحقيق: أن الامارة مع وجودها تكون حاكمة على الأصل أو واردة أو مخصصة، على الأقوال([1])، ولكن مع وجودها لا اجتماع للحكم الواقعي مع الظاهري إذ الموجود هو فقط الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الامارة أما الأصل فحيث أزيل موضوعاً حقيقة تكويناً أو تنزيلاً فلا حكم ظاهري متولداً منه ليضاد الحكم الواقعي فيبحث عن كيفية الجمع بينهما.
 
إذا فقدت الامارة جرى الأصل فاجتمع الحكمان الظاهري والواقعي
 
نعم إذا فقدت االامارة وكان الحكم الواقعي موجوداً فرضاً بأن لم يصل الدليل عليه أو وصل ما لا حجية فيه كالمرسل والمهمل، فههنا يكون موضع بحث اجتماع الحكم الظاهري والواقعي، أما الظاهري فلوجود الأصل وأما الواقعي فلفرض وجوده وإن لم يصل فيقع السؤال انه كيف يجتمع مثلاً الأمر والوجوب الواقعي مع الترخيص الظاهري؟.
 
وكان الأصل حاكماً على الحكم الواقعي، على أحد المبنيين
 
فهذا مورد اجتماع الحكمين لكن هل هو من موارد الحكومة؟ ذلك مبني على المبنى فيها: فإن قلنا بأن الحكومة هي (أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظراً للدليل الآخر....) كما عرّفه الشيخ وتبعه جمع فلا حكومة إذ الفرض وجود الأصل فقط وأن الامارة غير موجودة فلا وجود لدليل آخر وإن كان مؤداه – وهو الحكم الواقعي – فرضاً موجوداً.
وإن لم نشترط وجود دليلين لفظيين في الحكومة وقلنا بكفاية وجود دليلٍ وارتكازٍ على الخلاف أو دليلٍ وإجماعٍ أو دليلٍ وحكمٍ آخرٍ وإن لم يكن مدلولاً عليه بدليل، كان الأصل حاكماً على الحكم الآخر (مؤدى الامارة) لوجود ملاكه فيه لوضوح ناظرية (رفع ما لا يعلمون) إلى الأحكام الأولية إذ المراد رُفع حكمٌ لا يعلمونه، فيكون مثل هذا مجمع بحث الحكومة ومبحث اجتماع الحكم الظاهري والواقعي.
نعم، مثل حكومة لا ضرر مما يتطرق للمحمول ويتكفل بالعناوين الثانوية ليس من موارد اجتماع الحكمين بل ولا التنزيليات توسعةً أو تضييقاً فتدبر.
 
وجوه الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي
 
وحيث انتفت حكومة الامارات على الأصول في صورة فقدها ولكن ثبتت، على المبنى، حكومة الأصول على مؤديات أحكام الامارات غير الواصلة وكان ذلك من مصاديق الجمع حينئذٍ بين الحكمين الظاهري والواقعي، كان لا بأس بالإشارة إلى وجوه الجمع إجمالاً:
 
تعدد الموضوع
 
فمنها: ما يعود إلى القول بتعدد الموضوع، كما فيما سبق نقله عن الشيخ ومناقشته.
 
تعدد المحمول:
 
ومنها: ما يعود إلى القول بتعدد المحمول، وهذا على وجوه وأقوال:
 
الحكم الواقعي استعدادي
 
الأول: أن الحكم الواقعي استعدادي ولا يوجد فيه إلا شأنية الحكم، والقابلية والاستعداد لا ينافيان فعلية الأصل فالتنافي مرتفع باختلاف المحمول على ما ذهب إليه بعض الأعلام.
وفيه: أنه التزام بالتصويب ورفع لليد عن الحكم الواقعي فإن الإذعان بانه مجرد الاستعداد للحكم يعني الإذعان بعدم وجوده؛ ألا ترى أن في الأرض الاستعداد لتكون نباتاً وثماراً وأشجاراً لكنها ليست نباتاً وشجرة وثمرة؟.
والحاصل: أن هذا القول يرجع إلى مرتبة الاقتضاء التي ذكرها الآخوند وهي مرتبة سابقة على الحكم وليست به.
 
الحكم الواقعي حكم شأني
 
الثاني: أن يقال بأن الحكم الواقعي حكم شأني، لا مجرد شأنية الحكم واستعداده كما في القول السابق، بل المراد انه حكم بالقوة وأما الأصل فحكم بالفعل ولا تضاد بين ما هو بالقوة وما هو بالفعل.
وتوضيحه: أن هناك مراحل ثلاثاً: قوة بعيدة وهي المشار إليها بالاستعداد فقط، وقوة قريبة وهي فيما لو وجدت الصفة أو الحالة في الشخص التي بها يمكنه أن يفعل من دون فعلية خارجية، وما هو بالفعل.
ويوضحه المثال: فإن الأُمّي كاتب بالقوة لكنه كاتب بالقوة البعيدة من دون اتصافه بصفة الكاتبية أما العارف بالكتابة غير المنشغل بها بالفعل فانه كاتب بالقوة القريبة مقابل المشغول بها بالفعل، فشأنية الحكم يراد بها الأول والحكم الشأني يراد به الثاني.
 
الحكم الواقعي في غير مرتبة الحكم الظاهري
 
الثالث: أن يقال بتعدد المرتبة فمرتبة الحكم الظاهري غير مرتبة الحكم الواقعي فلا تضاد، وله تقريرات: 
منها: أن مرتبة الحكم الواقعي هي الواقع فقط دون الظاهر ومرتبة الظاهري هي الظاهر دون الواقع، وحيث يشكل بأن الظاهري وإن لم يسرِ إلى الواقع إلا أن الواقع يسري إلى الظاهر فانه موجود في كافة المراتب، يجاب بالعدم وذلك نظير حلية الغنم المغصوبة أو الموطوءة ذاتاً وإن حرمت عرضاً بالغصب أو الوطئ، عكس حرمة الكلب أو الهرة ذاتاً، ففرق بين الحرمتين فالكلب حرام ذاتاً أما الشاة فحلال ذاتاً حرام عرضاً، فكذلك المقام.
ومنها: ما اشتهر على مبنى الآخوند من أن الأصل يرفع مرتبة التنجز من المراتب الأربع، ولعله يمكن إعادة بعض([2]) ما سبق إليه.
 
إشكال مشترك: إذا لم يكن بعثٌ فليس حكماً، وإن كانَ تدافَعَ مع الترخيص
 
وهناك إشكالات قد تورد على كل وجه أو عليها جميعاً نتركها لمظانها ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن هناك إشكالاً مشتركاً على عدد منها وهو أنه سلمنا تعدّد المرتبة بإحدى التقريرات، لكن إشكال اجتماع الحكم الظاهري والواقعي لا يندفع في (مبدئه) إذ يُسأل أنه هل في الأمر الواقعي (أو الحكم الواقعي) بعث أم لا؟ فإن لم يكن بعث فليس بأمر بل هو صورة أمر فيكون نظير الأمر الامتحاني أو الأمر استهزاءً أو ما أشبه، وهو عود إلى التصويب.
وإن كان هناك بعث فكيف يجتمع البعث مع الترخيص؟
 
الجواب: الموجود هو البعث التعليقي
 
ويمكن الجواب عن ذلك بوجود البعث، لكن البعث على قسمين فعلي وتعليقي والبعث هنا تعليقي فيجتمع مع الترخيص الفعلي، وذلك نظير ما فصلناه في مبحث البيع من أن البائع بقوله (بعت) ينشأ البيع، لا أنه مجرد صورة إنشاء وإنشاء مجازي، لكنه إنشاء تعليقي أي انه معلّقٌ إيجادُه للنقل الفعلي الخارجي على قبول المشتري فإن قبل صار الإنشاء فعلياً وإن رفض سقط لكنه في الفترة بينهما هو بينها وهو التعليقي، فالحكم معلق على الوصول فإذا وصل ففعلي وإلا فتعليقي، والوجود التعليقي سنخ وجودٍ بين الفعلي وبين الاستعدادي المحض. فتأمل وتمام تحقيق المبحث في محله.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
................................................. 
 
عن الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاختة قال: "قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَا حُسَيْنُ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) إِنْ كَانَ مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَحَطَّ بِهَا عَنْهُ سَيِّئَةً حَتَّى إِذَا صَارَ بَالْحَائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْمُفْلِحِينَ وَإِذَا قَضَى مَنَاسِكَهُ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَائِزِينَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ لَهُ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ اسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى"
تهذيب الأحكام: ج6 ص43.
=================
 
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2319
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 6 صفر 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15