بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(148)
دعوى ابتناء حكومة الامارات على الأصول على مبحث اجتماع الأمر والنهي
سبق أن البعض بنى مبحث حكومة الامارات على الأصول وتعدد موضوعهما على مبحث إمكان أو امتناع اجتماع الأمر والنهي فانه إن قلنا بالإمكان وكفاية تعدد الجهة في تعلق الأمر والنهي بالشيء الواحد تعدد موضوع الامارة وموضوع الأصل لتعدد الجهة كما سبق بيانه ([1]).
ولكنه غير تام لوجوه:
المناقشات
1- لكل منهما مجال وموضع، فهما متباينان مورداً
الأول: ان مجالي المبحثين منفصلان متغايران تماماً وكل يسبح في فلك؛ فإن دائرة مبحث اجتماع الأمر والنهي ومجاله هو صورة ([2]) عدم وجود الامارة، ولا حكومة ههنا؛ فانه فإذا لم توجد امارة وفرض وجود حكم واقعي لم يصل إلينا كان مجرى الأصول العملية من براءة واحتياط وغيرهما فقد اجتمع الأمر بالحكم الواقعي أو النهي عنه مع الإباحة أو الوجوب أو الحرمة المعاكسة المستفادة من الاستصحاب أو من أصل الاحتياط أو البراءة، لكنه ليس من دائرة الحكومة إذ الفرض عدم وجود الامارة فكيف تكون حاكمة؟
وأما دائرة الحكومة فهي صورة وجود الامارة، وهذا ليس من مجال دائرة اجتماع الأمر والنهي؛ لوضوح انه مع وجود الامارة لا يوجد موضوع الأصل حقيقة على الورود أو تنزيلاً على الحكومة فلا وجود للأصل مع وجود الامارة كي يكون ذلك صغرى كبرى اجتماع الأمر والنهي.
والحاصل: أنه كلما كانت حكومة لم يكن من مصاديق اجتماع الأمر والنهي؛ إذ الحكومة تخصيص في الواقع بلسان الحكومة والشرح أو المسالمة أو غير ذلك على الأقوال، وليس الأخص مطلقاً من دائرة اجتماع الأمر والنهي بل هو خارج عن دائرة العام بحسب الإرادة الاستعمالية إن كان متصلاً وبحسب الإرادة الجدية إن كان منفصلاً، فهو مشمول للخاص فقط ([3]).
2- حتى مع تجويز الاجتماع لا نقول بالأخذ بالامارة والأصل معاً
الثاني: ما ذكره المحقق اليزدي بقوله (ثم إنه قد استفيد ممّا ذكره في الإيراد أنه لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي مع تعدد الجهة لا مانع من العمل بهما وأنّه يتعدد الموضوع حينئذٍ، وكذا لو قلنا باختلاف الأحكام بالعلم والجهل، وأنت خبير بأنه لا ربط لمسألة جواز الاجتماع ولا لمسألة التصويب والتخطئة بالمقام، إذ مع فرض تجويز الاجتماع لا نقول بالأخذ بالأصل والدليل معاً، وكذا على القول بالتصويب؛ إذ مع فرض وجود الدليل في مقابل الأصل العملي لا يجوز الأخذ بالأصل، وإن قلنا بتغيُّر الأحكام بالعلم والجهل فهذا أيضاً إنما يناسب المقام الآخر ([4])، وهذا واضح جداً) ([5]).
أقول: كلامه وإن صح إلا أنه متأخر رتبة عن الإشكال الأول.
لا يقال أنه قال (فانه لا ربط...)؟
إذ يقال لو اقتصر على ذلك لأمكن حمله على الإشكال الأول لكنه علله بـ(إذ مع فرض...) وهو نقل للكلام إلى عالم الوقوع والإشكال الأول سابق عليه رتبة إذ هو عن انهما (اجتماع الأمر والنهي والحكومة) لا يجتمعان وهما متباينان مورداً، لا عن اننا لا نقول بالأخذ بهما معاً المبني على فرض اجتماعهما وكون موردهما واحداً غاية الأمر نأخذ بأحدهما لتقدمه على الآخر. فتدبر.
مبحث اجتماع الأمر والنهي اما مندرج في باب التعارض أو في باب التزاحم
الثالث: أن مبحث اجتماع الأمر والنهي بناءً على الامتناع مندرج في باب التعارض واما بناء على الإمكان فمندرج في باب التزاحم، على ما التزمه بعض الأعلام ([6]). فانه إن قلنا بامتناع الاجتماع كشف عن أن أحد الكلامين غير صادر منه إذ لا يعقل أن يأمر وينهى عن الشيء الواحد مادام ممتنعاً فأحد الخبرين إذاً كاذب والمرجع حينئذٍ مرجحات باب التعارض.
وإن قلنا بالإمكان فإن ذلك لا يكون إلا لوجود ملاك لكل منهما (كملاك المبغوضية في الغصب وملاك المحبوبية في الصلاة) فحيث وصلنا أمر ونهي كشف عن وجود ملاكين متضادين ([7]) وحيث كان العجز في مقام الامتثال ولم تكن مشكلة في عالم الجعل، كان من التزاحم، والمرجع حينئذٍ مرجحات باب التزاحم.
اما الامارات والأصول فلا تعارض ولا تزاحم بينهما
وحينئذٍ نقول: لا تزاحم ولا تعارض بين الامارات والأصول:
أما التزاحم فلأنه لا ملاك في الأصل إذ مؤداه حكم ظاهري لدى الجهل، بل لأنه لا تحقق له مع وجود الامارة إذ لا موضوع له كما سبق.
وأما التعارض فلأنه لا يعارض الأصل الامارة كما هو بديهي لحكومتها عليه أو ورودها أو كونها أخص مطلقاً على الأقوال، وعلى أي فلا تعارض، نعم على الأخير ([8]) التعارض بدوي لكنه غير مستقر.
اجتماع الأمر والنهي من صغريات باب التزاحم
والتحقيق: أن مبحث اجتماع الأمر والنهي – ثبوتاً - هو من صغريات باب التزاحم فانه إنما يكون ([9]) لو كان لكليهما ملاك أما لو لم يكن لأحدهما ملاك فيكون التكاذب في مرحلة الجعل دون الامتثال فلا يكون أحدهما صادراً فلم يجتمع الأمر والنهي للسالبة بانتفاء الموضوع لا لامتناع البعث الفعلي والزجر الفعلي نحو الشيء الواحد وجوداً وإن تعدد جهةً وعنواناً.
ولذا لم يجروا مبحث (الاجتماع) في العام والخاص، لأنه من باب التعارض البدوي أو فقل من مستثنيات باب التعارض وما ذلك إلا لوجود ملاك واحد فقط، ولو فرض وجود ملاك مفسدة في الخاص مضاداً لملاك المصلحة في العام لدخل في باب التزاحم وكان المرجع مرجحاته لا تقديم الخاص على العام؛ بل قد يقدم العام حينئذٍ لاقوائية ملاكه على العام، فتدبر جيداً وتأمل ([10]).
وبعبارة أخرى: إذا قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي وأحرزنا عدم الملاك فهو من باب التعارض، كما انه إذا قلنا بامكانهما وأحرزنا عدم الملاك فهو من باب التعارض كذلك.
ومن جهة أخرى: إذا قلنا بالامتناع وأحرزنا فيهما الملاك فإن تساوى الملاكان كان مقتضى القاعدة التخيير وإلا فالترتب بناء على إمكانه وعلى أي فهو ليس من باب التعارض، فقد دار الأمر إذن مدار وجود الملاكين وعدمه لا الامتناع وعدمه. فتأمل وتدبر
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
................................................
قال الإمام الحسن العسكري: "إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَوَاطِنَ يُحِبُّ أَنْ يُدْعَى فِيهَا فَيُجِيبَ وَإِنَّ حَائِرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ"
كتاب المزار (للمفيد) ص 209.
================
|