• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 115- (الحق اللازم) اما لكون الموضوع كالعلة له او مقتضياً وجد مانع من اسقاطه و... .

115- (الحق اللازم) اما لكون الموضوع كالعلة له او مقتضياً وجد مانع من اسقاطه و...

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(115)
التقسيم الثلاثي للحقوق من حيث اللزوم العِلِّي أو الاقتضائي
 
وقد نقل المحقق الاصفهاني في ميزان قبول الحق للإسقاط والنقل، الوجه الآتي عن بعض الأكابر، والظاهر أن مقصوده به هو صاحب العروة في حاشيته على المكاسب، وهذا الوجه يستفاد منه كون الحق على قسمين اللازم وغير اللازم ببسط أكثر مما مضى نقلُه آخر الدرس الماضي:
قال: (وأما ميزان قبول للاسقاط والنقل: فالمستفاد من كلمات الاكابر كليات لا تكاد تجدي شيئا، كما يقال إن الموجب للحق إن كان علة تامة له فيستحيل نقله وانتقاله واسقاطه، لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة، وإن كان مقتضيا فإن كان هناك مانع منه - كتقوم الموضوع بعنوان خاص، أو تقيد مورد الحق ومتعلقه بقيد يوجب تضييق دائرته - فلا يقبل النقل والانتقال، وإن لم يكن هناك مانع كان قابلا للاسقاط والنقل والانتقال. والامر في الواقع وفي مقام الثبوت وإن كان كذلك)([1]) فقد ارتضى هذا التفصيل ثبوتاً وأن الأقسام ثلاثة واقعاً، وان ناقش فيه بعدها إثباتاً.
توضيحه بعبارة أخرى وإضافات: أن الموجب للحق، والمراد الأعم من العلة والمقتضي ليصح الانقسام اللاحق، على أقسام ثلاثة:
الأول: ما هو علة للحق.
الثاني: ما هو مقتضٍ له لكن مع وجود مانع يمنع عن قبوله للإسقاط والنقل.
الثالث: ما كان مقتضياً بلا مانع.
 
ما كان العنوان علة لثبوت الحق
 
ويمكن أن يمثل للأول بحق الابوة والأمومة فإن كونه أباً أو أماً علة لثبوت حق على الولد، ووجه العِلِّية: كون الأبوين واسطة الفيض لوجود الابن ومن العلل المعدة له فلزمه حقهما وقد يعدّ ذلك من فروع حسن ووجوب شكر المنعم وثبوت حق له على الإنسان بإحسانه له أو وساطته لنعمة تصل إليه.
لا يقال: ليس ذلك بإرادتهما واختيارهما ليجب شكرهما؟.
إذ يقال: أولاً: بل هو بالإرادة والاختيار لبداهة اختيارية الزواج ثم المقاربة ثم عدم العزل وشبه ذلك. وثانياً: ثبوت الحق أعم من كون الواسطة مختارة فانه حق تكويني. فتأمل
والحاصل: أن مثل حق الابوة والأمومة لازم تكويني لها متفرع على كونه في وجوده مديناً له فهو حقٌ لازم. والمثال الأوضح حق الرسول والإمام (عليهم السلام) لوضوح كونهما واسطة الفيض بالأدلة الكثيرة ومنها قوله تعالى: (وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ)([2])
 
ما كان العنوان مقتضياً مع مانع عن النقل والإسقاط
 
ويمكن أن يمثل للثاني بنوعين: أحدهما ما لو تقوم الموضوع بعنوان خاص وذلك كحق الوصاية المجعولة للوصي وكحق الولاية المجعولة للحاكم الشرعي فإن توفر الوصي على خصوصيات بها جعله الموصي وصياً مقتضٍ لأن يجعله وصياً وليس علة تامة له ولذا أمكن الانفكاك وأن لا يجعل، إلا انه حيث جعله وصياً ثبت له حق الوصاية ولم يمكن له – أي للوصي – نقله لتقوّم الحق بهذا الشخص المتحيث بعنوان الوصاية أو فقل لتقوّم الوصي بخصوصياته([3]) التي أوجبت جعل هذا المنصب ومن ثمّ الحق له، فكيف ينقله؟.
وكذلك الحاكم فإن تميزه باتصافه بجامعية الشرائط أوجب جعل المنصب (منصب الولاية) ومِن ثَمّ حق التصرف الولائي (الولوي) له فكيف ينقله لغيره أو يسقطه؟ إذ انه جعله له متقوماً بعنوانه الخاص (كونه جامعاً للشرائط) فكيف يسقطه أو ينقله؟([4])
وثانيهما: (ما لو تقيد مورد الحق ومتعلقه بقيد يوجب تضييق دائرته) وذلك كحق الاستمتاع بالزوجة فان الموضوع هو الزوجة وليست الزوجية علة لثبوت حق الاستمتاع بل هي مقتضٍ إذ للمشرِّع أن لا يجعل هذا الحق لهما ولذا نرى الانفكاك كما في الحائض في بعض الاستمتاعات وكما فيمن حلف أن لا يستمتع بها أو نذر إذا كان متعلقه راجحاً أو غير مرجوح([5]) لترتب عنوان ثانوي كالضرر عليه فرضاً، ولكن هذا الحق حيث ثبت لها امتنع نقله إلى الغير لتقومه بعنوان الزوجة وهي ليست زوجة للغير.
وأما الثالث فأمثلته كثيرة: كحق الشفعة والخيار وغيرهما.
 
الثمرة مع مثال تمريني فقهي – تفسيري: (ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)
 
ويمكن أن يمثل للموجب للحق وكونه علة تامة أو مقتضياً بما تظهر به احدى وجوه الثمرة في هذا البحث بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)([6]) فقد يقال، كما ذهب إليه البعض، بأن الموضوع وهو كونه من بني آدم هو علة تامة لثبوت الكرامة والتكريم له وهذا ما ذهب إليه كثير من الحداثويين وعليه فرّعوا كثيراً من الأحكام: ككونه طاهراً وإن كان كافراً وغير ذلك.
وقد يجاب: بانه مقتضٍ، والدليل الانفكاك ولذا جاز قتل الكافر الحربي أو المسلم الباغي، كما حرم تزويجه من المسلمة مع أنه قد يعد خلاف تكريمه تعالى له وكرامته بما هو إنسان، كما يدل عليه أيضاً قوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)([7]) وقوله (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)([8]) و( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)([9]) وغيرها، فهو مقتضٍ ولذا صح الاستثناء منه بالوجوه والعناوين.
وقد يناقش: بأن (كَرَّمْنَا) يراد به التكوين لا التشريع إذ ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)([10]) ولظهور بعض الروايات في التفسير بالتكريم التكويني.
وقد يجاب: بأن الأمر في عالم التكوين أيضاً بنحو المقتضي لا العلة التامة إذ ليس كل واحد من بني آدم مكرماً تكويناً إذ قد خُلِق منهم من كان خِلقةً مجنوناً أو ولد زنا فـ(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) يراد بها (الأصل) لا (العموم) أو بحسب الطبع الأولي أو شبه ذلك.
كما انه لو كان الكمال التكويني علة للكرامة التكوينية كان التشريع تابعاً له فإن لم يتخلف ذاك لم يتخلف هذا...
كما يستفاد من بعض الروايات تقييد التكريم في الآية بالمؤمن كما فيما ورد في تفسير القمي عنه عليه السلام (إِنَّ اللَّهَ لَا يُكْرِمُ رُوحَ كَافِرٍ وَلَكِنْ يُكْرِمُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِين‏)([11])
والبحث عن ذلك طويل يستدعي رسالة خاصة وما ذُكر كان إشارة فقط من غير تبنّ فتأملوا في أطراف المبحث.
 
حق التعليم والتعلم، لازم أو لا؟
 
كما قد يمثل للموضوع الذي هو كالعلة التامة للحق بحق التعليم والتعلم الذي يراه الفقهاء العصريون حقاً لازماً لكل إنسان بما هو إنسان فكونه أحد بني آدم علة لثبوت هذا الحق له.
وقد يجاب أنه مقتضٍ ولذا يمنعون تعلمه فيما لو كان سيستخدمه استخداماً ضاراً.
وقد يقال بانه علة لاستحقاق تعلم أصول الدين وشبهها أي لثبوت هذا الحق له ووجوبه عليه أيضاً؛ ولذا ذهب الفقهاء إلى الوجوب العيني نظراً لاستقلال العقل بذلك وغيره، دون غيرها.
وذلك مما يصلح أيضاً أن يقع مورداً للبحث،
فتدبروا جيداً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.................................................
 
قال الإمام الهادي (عليه السلام): "تَأْخِيرُ التَّوْبَةِ اغْتِرَارٌ وَ طُولُ التَّسْوِيفِ حَيْرَةٌ وَ الِاعْتِلَالُ عَلَى اللَّهِ هَلَكَةٌ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ أَمْنٌ لِمَكْرِ اللَّهِ- (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)([12]) "
 تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص456.
================
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2306
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 29 محرم 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15