بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(138)
دفاعاً عن العراقي: لو اجتمع الخاص والحاكم تقدم([1]) للحكومة لتقدمها رتبة([2])
ويمكن الدفاع عن ما تبناه المحقق العراقي تبعاً للشيخ من أن وجه تقدم الحاكم هو ناظريته، بالوجه التالي:
وهو أنه: لو اجتمع في دليل جهتان: كونه أخص وكونه حاكماً ([3])، بان كان بسياقه مثلاً ناظراً إلى الدليل الآخر كما لو ورد (أكرم العلماء)، ثم قال: ناظراً بقرينة حالية أو مقالية إليه (لا تكرم زيداً العالم) فانه يتقدم عليه لا لكونه أخص بل لكونه حاكماً وما ذلك إلا لكونه ناظراً إليه فثبت أن وجه التقدم في الحاكم الناظرية أما الأظهرية فان غاية الأمر أن يشارك الحاكمُ الخاصَّ في كونه أظهر فلا يصلح وجهاً لكون التقدم بالحكومة، لاشتراكه بينهما.
ووجه تقدمه عليه لحكومته لا لأخصيته هو تقدم الحكومة رتبة على التخصيص فان التخصيص فرع التعارض البدوي وفي موارد الحكومة لا تعارض ولو بدوياً لما سبق وسيأتي من أن لسانه لسان المسالمة ولأنه ينفي الحكم بلسان نفي الموضوع، في الحكومة التضييقية والحكم ليس بمتكفل لموضوعه فلا منافاة، بحسب اللسان، بينهما ولو بدواً فلا موضوع للتعارض حتى البدوي كي يتقدم الخاص عليه بالتخصيص.
وبعبارة أخرى: موضوع الجمع العرفي هو وجود مدلولين مختلفين فيتقدم الخاص على العام لأنه أظهر أما موضوع الحكومة فهو وحدة المدلول – كما سلف بيانه من كلامه (قدس سره) – فإذا أفاد الحاكم وحدة مدلوله مع مدلول المحكوم لم يبق مجال لأن يتقدم الخاص (الحاكم) على العام بالتخصيص إذ أصبح ([4]) كالسالبة بانتفاء الموضوع.
الجواب: النظر يقوي الظهور، وتقدمه للسان المسالمة
ولكن هذا الوجه عليل؛ لوجوه، ومنها ما سبق من أن النظر يقوي الظهور فيكون الحاكم متقدماً على المحكوم لاقوائيته منه ظهوراً؛ فان الحاكم بمعونة مقام ناظريته لو ساوى في الظهور المحكوم لعارضه، ولو كان حتى مع ناظريته أضعف لتقدم عليه (أي تقدم الآخر المدعى انه المحكوم، عليه).
ألا ترى أن العام الآبي لسانه عن التخصيص لو جاء بعده ما قد يعدّ حاكماً عليه، تقدم عليه فصرفه عن النظر إليه، دون العكس؟ فمثلاً لا شك، على مبنى الكثيرين، من حكومة لا ضرر ولا حرج على الأدلة الأولية، لكن لو ورد دليل أولي مورد الضرر أو الحرج أو كانت غالب أفراده ضررية كما لو قال: (صوموا أيها العمال في شدة الحر) فإن (لا ضرر) لا يتقدم عليه بل انّ (صوموا...) بلسانه الآبي عن التخصيص يكون صارفاً للا ضرر ولا حرج عن الشمول لمورده.
وكذا الحال في الحكومة التنزيلية أو التضييقية كما سيأتي بيانه بوجه دقيق بإذن الله تعالى.
والحاصل: ان الدليل الحاكم مع ناظريته جميعاً لو كان أقوى من ظهور المحكوم تقدم عليه وإلا فلا، وذلك كالقرينة المتصلة فانها إذا كانت مع مقام قرينيتها مساوية أضعف لذيها لما تقدمت عليه فكيف لو كانت أضعف، وقد سبق فراجع.
واما اشتراكهما (الخاص والحاكم) على هذا في الأظهرية فلا يدفع كون تقدم ما اجتمعا فيه بالحكومة لا بالأخصية؛ لما سبق من تقدمه (الحاكم) بما هو أظهر على الخاص (رغم كونه أظهر من العام) رتبةً، فان الخاص أظهر لكن بلسان المصادمة والحاكم أظهر لكن بلسان المسالمة وأنه هو هو وليس غيره فلا يُبقي مجالاً للخاص ليتقدم بأظهريته. فتدبر
وبذلك ظهر حتى الآن أن الملاك ليس الناظرية بل الأظهرية.
المبنى الآخر([5]): النكتة في تقدم الحاكم كون لسانه لسان المسالمة
وذهب بعض الأعلام ومنهم السيد السيستاني (دام ظله) إلى أن الملاك في تقدم الحاكم على المحكوم هو كون لسانه لسان المسالمة والصلح مع المحكوم لا لسان المصادمة.
وقد طرح هذا الرأي المحقق اليزدي في كتاب التعارض مع انه تبنى قبله أن الملاك هو الأظهرية فكأنه لا يرى تنافرهما بكون أحدهما قسيماً للآخر، وهو الحق كما سيأتي، بينما يظهر من عبارات السيد السيستاني ([6]) انه وجه قسيم للناظرية وغيرها وانه هو الوجه لا غير وسيأتي كلامه.
فلنبدأ بكلام المحقق اليزدي قال: (إلا أنّا نقول إن لسان الحاكم لما كان لسان الشرح والتصرف في المحكوم لا يعدُّ معارضاً ومنافياً له عرفاً في المحكومات التي لسانها لسان تنزيل موضوع الدليل المحكوم منزلة العدم ([7])، فلأنّ الحاكم كأنّه يدل على تقرير لسان المحكوم في حكمه، وأنَّ حكمه حق إلا أنَّ هذا الموضوع خارج عنه، مثلاً إذا كان موضوع الأصل المشكوك بوصف أنّه مشكوك، فقول الشارع بوجوب تصديق العادل المخبر بأنّ الواقع كذا لا يعدُّ منافياً له، إذ كأنَّه يقول سلَّمنا أنَّ المشكوك حلالٌ لكنَّ هذا ليس منه، ومن المعلوم أن هذا اللسان ليس لسان المنافاة، فهو نظير ما إذا تعارضت البينتان إحداهما أنَّ المال كان في يد زيدٍ والأخرى على أنَّ يده بعنوان الغصب، فإنَّها كأنَّها تصدِّق الأخرى فيما أدعته، لكنها تبين وجه اليد، ففي المقام أيضاً الحاكم لا يعارض المحكوم في مقتضاه، لكنه يبين أن هذا الموضوع ليس داخلاً تحته، ولذا لا يُعدُّ الحاكم والمحكوم المتوافقان في المفاد كالأصل الموضوعي والحكمي من المتعاضدين، بل نقول إنَّ الأصل الحكمي لا يجري مع وجود الموضوعي.
وأمَّا في الحكومات التي لسانها لسان رفع الحكم عن موضوع الدليل المحكوم لا رفع نفس الموضوع كما في (لا حرج..) و(لا ضرر...) و(لا شك في النافلة..) و(لا تعاد..) ونحو ذلك؛ فلأنَّ الحاكم يبيِّن مقدار مدلول المحكوم فيرفع الحكم عن موضوعه بلسان البيان لا بلسان المنافاة، والمبيِّن لا يعد معارضاً ومنافياً للمبيَّن، وبعبارة أخرى لسان الحاكم لسان الصلح لا الخصومة) ([8]).
ثم فرّع عليه: (ولذا لا يحتاج في تقديمه ([9]) إلى واسطةٍ من عقل أو غيره بخلاف التخصيص، فإنَّ الخاص لا يبيِّن العام بلفظه بل العقل يجعله مبيِّناً له ويرفع الخصومة بينهما) ([10]).
وقد بنى المحقق اليزدي في ذلك على ما التزمه الشيخ من أن الحاكم شارح للمحكوم بلفظه كما سبق نقله ([11]) عنه؛ فان (الطواف بالبيت صلاة) بلفظه شارح للفظ الصلاة في مثل (الصلاة يشترط فيها الطهارة) فان لسانه لسان تفسير اللفظ وتوسعة دائرة دلالته تنزيلاً ([12]) عكس الخاص فانه مصادم للعام في مورده إذ العام انحلالي فينحلّ إلى حكمٍ وحكمٍ وحكمٍ لهذا الفرد وذاك وذاك، والخاص يصادم حكمه في الفرد الثالث مثلاً فيحتاج إلى وساطة العقل لتقديمه عليه بكونه، مثلاً، أظهر من العام في هذا الفرد الثالث في كونه مراداً بالإرادة الجدية له أو نصاً فيه وذاك ظاهر، عكس الحاكم غير المحتاج إلى توسيط العقل لأنه بنفسه شارح ومبين. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
................................................
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لقنبر: "يَا قَنْبَرُ أَبْشِرْ وَبَشِّرْ وَاسْتَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَهُوَ عَلَى أُمَّتِهِ سَاخِطٌ إِلَّا الشِّيعَةَ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ عِزّاً وَعِزُّ الْإِسْلَامِ الشِّيعَةُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دِعَامَةً وَدِعَامَةُ الْإِسْلَامِ الشِّيعَةُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ذِرْوَةً وَذِرْوَةُ الْإِسْلَامِ الشِّيعَةُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفاً وَشَرَفُ الْإِسْلَامِ الشِّيعَةُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّداً وَسَيِّدُ الْمَجَالِسِ مَجَالِسُ الشِّيعَةِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ إِمَاماً وَإِمَامُ الْأَرْضِ أَرْضٌ تَسْكُنُهَا الشِّيعَةُ.
وَاللَّهِ لَوْ لَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنْكُمْ مَا رَأَيْتَ بِعَيْنٍ عُشْباً أَبَداً وَاللَّهِ لَوْ لَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنْكُمْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ خِلَافِكُمْ وَلَا أَصَابُوا الطَّيِّبَاتِ مَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ
كُلُّ نَاصِبٍ وَ إِنْ تَعَبَّدَ وَ اجْتَهَدَ مَنْسُوبٌ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ- عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً فَكُلُّ نَاصِبٍ مُجْتَهِدٍ فَعَمَلُهُ هَبَاءٌ
شِيعَتُنَا يَنْطِقُونَ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ يُخَالِفُهُمْ يَنْطِقُونَ بِتَفَلُّتٍ وَ اللَّهِ مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ شِيعَتِنَا يَنَامُ إِلَّا أَصْعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ رُوحَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَارِكُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَى عَلَيْهَا أَجَلُهَا جَعَلَهَا فِي كُنُوزِ رَحْمَتِهِ وَفِي رِيَاضِ جَنَّةٍ وَفِي ظِلِّ عَرْشِهِ وَإِنْ كَانَ أَجَلُهَا مُتَأَخِّراً بَعَثَ بِهَا مَعَ أَمَنَتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِيَرُدُّوهَا إِلَى الْجَسَدِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ لِتَسْكُنَ فِيهِ
وَاللَّهِ إِنَّ حَاجَّكُمْ وَعُمَّارَكُمْ لَخَاصَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّ فُقَرَاءَكُمْ لَأَهْلُ الْغِنَى وَإِنَّ أَغْنِيَاءَكُمْ لَأَهْلُ الْقَنَاعَةِ وَإِنَّكُمْ كُلَّكُمْ لَأَهْلُ دَعْوَتِهِ وَأَهْلُ إِجَابَتِهِ".
الكافي (ط - الإسلامية)، ج8، ص: 214
===================
|