بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(137)
3- وجه التقدم في القرائن المتصلة، الأظهرية
الثالث: ان المنزل عليه في كلامه، وهو القرائن المتصلة، الملاك في تقدمها على ذيها هو الأظهرية فكيف بالمنزل ([1])؟
ألا ترى أن القرينة لو كانت مساوية، حتى بمعونة كونها قرينة، في الظهور لظهور ذيها عارضته ولم تتقدم عليه؟ وانها لو كانت أضعف كان ذوها هو المتصرف فيها؟
ويتضح ذلك بالتدبر في المثالين التاليين: فان (يرمي) في (رأيت أسداً يرمي) قرينة على أن المراد بالأسد الرجل الشجاع، وكان مقتضى القاعدة العكس بأن يكون أسد قرينة على أن يرمي يراد به رمي الحجارة مثلاً بيده وذلك لأن أسد مجاز في الرجل أما يرمي فحقيقة في الرمي بالنبال وفي رمي الحجارة، ولا شك أن المعنى الحقيقي متقدم على المعنى المجازي إلا أن الذي جرى هو العكس، وما ذلك إلا لأظهرية يرمي في الرمي بالنبل مع ان الرمي بالحجارة أيضاً معنى حقيقي، من أسد في المفترس والحاصل: ان الأظهرية، ولا غير، رجّحت المجاز على الحقيقة.
والسر في ذلك كثرة استشهاد الأدباء والأصوليين بهذا المثال على إرادة ذاك المعنى ولولاه لكان مجملاً، سلمنا لكن أيضاً للاظهرية عرفاً فتدبر، وذلك يظهر بالمثال التالي أكثر:
فلو قال: (رأيت أسداً ينزف) وكان في الغابة مثلاً مما يكثر فيها الأبطال والأسود معاً أو كانت قد حدثت معركة ضارية بين عشيرة من الأبطال وقطيع من الأسود، فقال: (رأيت أسداً ينزف) كان مجملاً لعدم أظهرية ينزف في الرجل من الأسد في الأسد ويؤكده ما لو قال: (رأيت أسداً يفترس) فانه حيث كان يفترس أظهر في الحيوان من الإنسان إذ يستعمل في الأخير توسعاً فانه مؤكد لكون المراد الحيوان الضاري رغم احتمال ان يكون قد تجوز بـ(يفترس) عن الرجل الشجاع، ونظيره ما لو وصفه بـ(يربض).
الناظرية لا تصلح بمفردها ملاكاً
الرابع: ان الناظرية ليست ملاكاً للحكومة بما هي هي وبمفردها بل لا بد من اجتماع شروط وضمها إليها لتكون بمجموعها سبب الحاكمية، ومن الشروط (التناسب) ووجود وجه شبهٍ، فليست الناظرية وافية بمفردها بدفع التنافي بين الدليلين (الناظر والمنظور إليه) فلا يخرج بها الدليلان عن دائرة التعارض ([2])، وقد عدّها العراقي كغيره من مستثنيات باب التعارض الخارجة عنه موضوعاً.
ألا ترى أنه لو قال: (أكرم العلماء) و(الفاسق ليس بعالم) ([3])، صحّ وكان الأخير حاكماً، عكس ما لو قال: (أكرم العلماء أي المرضى) بناءً على كون المفسر بأي وأعني من الحكومة بل أظهر مصاديقها كما ذهب إليه الميرزا النائيني عكس من أخرجه عنها واعتبرها نوعاً آخر قسيماً ومرتبة أعلى منها، أو قال: (أكرم العلماء) و(ليس المريض بعالم) فانه لو لم يكن تناسب في الرفع بلحاظ أثر أو جهة منفية عنه مما هي ثابتة للعالم لما صح الكلام بل عدّ غلطاً أو تحكماً، نعم لو لاحظ جهة تناسب صح ككون المريض غير مستجمع لشتات ذهنه أو كونه على جناح النسيان أو شبه ذلك فصح، بلحاظ هذه المناسبة، تنزيله منزلة الجاهل ولولا ذاك لعدّ قوله غلطاً أو تحكماً أو ركيكاً لا يصدر من الحكيم.
ولذا كان قوله: (والفاسق ليس بعالم) لوجود جهة تناسب صحيحاً في دائرة الحكومة التضييقية إذ الوجه هو أن العلم يُتوخَّى منه الأثر والفاسق حيث لم يعمل بمقتضى علمه كان علمه كلا علم، ولو لم يلاحظ هذه الجهة أو نظائرها ومع ذلك ادعى الناظرية والحكومة كان خلاف الحكمة.
ولكن هذا الإشكال لا يتكفل بإثبات ان جهة التقدم هي الأظهرية، وان تكفل بعدم كون الناظرية بمفردها جهة التقدم ([4]) فتدبر.
الناظرية أعم من الحكومة
الخامس: ان الناظرية أعم من الحكومة؛ وذلك لأن ما يدعى كونه حاكماً لو لم يكن ظاهراً في الحاكمية بل أظهر فيها من قسائمه الآتية، لما صح القول بكونه حاكماً، فبذلك يظهر أن المدار على الأظهرية (في الحاكمية) لا الناظرية فإن القسائم الآتية كلها ناظرة إلى ذيها (المدعى كونه محكوماً).
توضيحه: ان مثل قوله (لا ربا بين الوالد وولده) و(لا شك لكثير الشك) ونظائرها كما يحتمل فيه أن يكون حاكماً على مثل (حرم الربا) و(حكم الشك كذا) يحتمل فيه الاحتمالات التالية:
احتمالات أخرى في الدليل الحاكم
- أن يكون ناسخاً. - أن يكون حكماً ولائياً. - أن يكون نهياً.
احتمال الناسخية
ووجه الأول: انه كما يحتمل كونه تخصيصاً بلسان الحكومة (إذ الحاكم في الحكومة التضييقية وفي النافي حكماً، لبّاً مخصص لكن بلسان آخر من تضييق للموضوع أو شبه ذلك) فيكون إخراجاً من عموم العام من حين إنشائه (إنشاء العام) كذلك يحتمل كونه نسخاً منذ زمن صدوره (أي الخاص) ([5]) بأن يكون حكم هذه الحصة مؤقتاً فان النسخ تخصيص في الأزمان كما أن التخصيص رفع في الأفراد.
فالمرجع لنفي هذا الاحتمال هو أصالة عدم النسخ المستندة إلى الغلبة وشبهها والتي مرجعها إلى الظهور، فعاد الأمر إلى ملاكية الظهور والأظهرية دون الناظرية وحدها إذ الناسخ أيضاً ناظر للمنسوخ كما أن الحاكم ناظر للمحكوم عليه، فصِرف كونه ناظراً غير مصحح لدعوى الحكومة بل لا بد من ناظريةٍ خاصة وقوامها ليس، كما اتضح، إلا بالأظهرية.
احتمال الولائية
ووجه الثاني: احتمال كون مثل (لا ربا...) صادراً منه (عليه السلام) لمقام ولايته؛ لبداهة أن للإمام مقام الولاية، وهي المختلف فيها في الفقيه إلا انها في الإمام لاريب فيها فيحتمل أن يكون قوله (لا ربا.. لا شك...) حكماً ولائياً فيتحدد – على بعض الأقوال – بزمن الإمام (عليه السلام) نفسه، وذلك كما في جعل الأمير (عليه السلام) الزكاة على الخيل العتاق دينارين بالسنة وعلى البراذين ديناراً حيث حمله عدد من الفقهاء على الحكم الولائي – الحكومي.
وحينئذٍ نقول الحكم الولائي أيضاً ناظر لما أخرجه من عمومه، كالحاكم، فالناظرية أعم فلا بد من التمسك بمثل أن الأصل كون القضايا الصادرة منهم (عليهم السلام) حقيقية لا خارجية ولا ولائية إلا ما ثبت بالدليل، ومرجع ذلك كله إلى الظهور والأظهرية فتدبر.
احتمال كون (لا) ناهية
ووجه الثالث: ان (لا ربا...) وزانه وزان (لا ضرر...) الذي احتمل مثل شيخ الشريعة الاصفهاني كونه نهياً لا نفياً، فـ(لا ربا...) أي (لا مراباة) أي لا يجوز الربا، ولا دافع لهذا الاحتمال، الذي بدفعه تتم دعوى الحكومة، إلا بالقول بأن الأصل في (لا) كونها نافية لا ناهية فعاد الأمر للأظهرية؛ فان مرجع الأصل إليها، مرة أخرى، اما الناظرية فهي أعم إذ كلاهما ناظر ([6]). فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
..............................................
قال الإمام الرضا (عليه السلام): "إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ وَ أَوْرَثَتْنَا([7]) الْكَرْبَ [وَ] الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ فَإِنَّ الْبُكَاءَ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَام" الأمالي (للصدوق): ص128.
====================
|