• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 94- من فقه الآيات: تحقيق في معنى العدل في قوله تعالى (وأمرت لاعدل بينكم) .

94- من فقه الآيات: تحقيق في معنى العدل في قوله تعالى (وأمرت لاعدل بينكم)

من فقه الآيات: تحقيق في معنى العدل في قوله تعالى (وأمرت لاعدل بينكم)*

قال الله تبارك وتعالى: (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ)، والتحقيق في معني العدل يقتضي بسطاً من الكلام، وتبدو المحتملات المبدئية في المراد من العدل ستةً، تختلف اثارها الفقهية والاصولية والكلامية بناءاً على الاخذ باي احتمال من الاحتمالات الجارية، وتجري الاحتمالات المذكورة -كما سياتي- في مفردات اخرى كعنوان الطيب والخبيث في قوله تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، لذا كان البحث عنها بموضع من الاهمية لجريانها في مواضع اخرى ايضاً.

1.العدل العرفي

1- الاحتمال الاول: ان يراد بالعدل العدل العرفي، أي ما يعده العرف مصداقاً من مصاديق العدل، فيكون العرف هو الملاك والمناط في تحديد وتشخيص موارد العدل، و حينئذٍ يبقى السؤال عن العرف المقصود الذي يرجع اليه في ذلك، وان أي عرف هو الملاك والضابط ، والمحتملات فيه خمسة :ما تطابقت كافة الاعراف على عدّه عدلاً، ولعل ذلك نادر جدا.

جاء في لسان العرب في تعريف العدل: (العدل ما قام في النفوس انه مستقيم وهو ضد الجور) فان الظاهر من كلامه بلحاظ التعبير بالنفوس هو هذا الاحتمال، وان كان يمكن انطباقه على الثالث ايضاً.

ما توافقت عليه غالب الاعراف.

ما تعارف عليه اواسط الناس من غير افراط ولا تفريط ومن غير شذوذ[1].

ما يعد عدلاً بحسب عرف كل قوم قوم وبكل ملة ملة،

وقد يؤيده قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ) بلحاظ تجدد الخطاب لكل متلقي دون الاكتفاء بالمخاطبين الحاضرين وقت نزول الآية المباركة.

وقد ينظّر لذلك بـ:لفظي المكيل والموزون فانهما عرفيان، والاحكام تترتب على ذلك وتختلف باختلاف الأعراف، فكذلك كلما كان عدلاً عند قوم ومعروفاً لديهم فهناك امر للحكم به, ويختلف ذلك باختلاف الأعراف.

ما يعد عدلاً بعرف العرب وبزعمهم خاصة.

ومآل هذا الاحتمال الى ارادة العدل في عرفٍ خاص وهو عرف المخاطبين من مشركي مكة وما حولها، و قد يؤيد ذلك انهم المخاطبون ذلك, وان هذا المعنى هو الاقوى في الاحتجاج عليهم، فما كان عدلأ عندكم فقد أمرت ان اطبقه عليكم.

والحاصل: إن العدل أريد به معناه الموجود في العرف العام بناءاً على الاحتمالات الثلاثة الاول، وذلك بإلغاء خصوصية الخطاب، وان الحكم الالهي بالعدل بينهم ليس خاصاً بمشركي مكة وعلى نحو الحيثية التقييدية كما في الخامس من الاحتمالات، وانما كان ذلك لاحتياج الخطاب الى طرف.

2.العدل اللغوي

2- الاحتمال الثاني: ان يراد به، العدل اللغوي،

وقد عرف العدل في المعاجم اللغوية بعدة تعريفات جرى على بعضها المفسرون ايضاً عند تفسيرهم للاية الكريمة.

منها: "التسوية بين الشيئين"، قال في مجمع البيان في ذيل الاية الكريمة: (أمرت كي اعدل بينكم, أي: اسوي بينكم في الدين والدعاء الى الحق ولا احابي احدا) أي: ان الدعوة تكون للجميع بنحو واحد،  وقد تفسر الاية بعدم تقديم أحدهم على الآخر في الحكم والقضاء، محاباةً.

ويلحق بهذا التعريف تعريفه بالتقسيط على سواء.

ومنها:"المساواة في المكافأة"، وحينئذ ستكون الاية بمعنى: امرت ان احسن في حق من احسن، ومن اساء سأقابله بالمثل، وسأساوي بينكم جميعاً في مكافأة كلٍ بمقتضى عمله.

ومنها:"وضع كل شيءٍ موضعه".

ومنها:"عدم الميل الى الهوى، والجور في الحكم ".

3.العدل الشرعي

3- الاحتمال الثالث: ان يراد به العدل الشرعي، وهذا موقوف على اثبات الحقيقة الشرعية في العدل، وقد يستند لإثباتها فيه, بان الشارع قد تصرف في مفهوم العدل تصرفات كثيرة في كثير من الموارد مما قد لا يراها العرف واللغة عدلاً، كما في تشريع (للذكر مثل حظ الانثيين) فانه عدل بنظر الشارع، ولكنه بنظر بعض الاعراف ليس كذلك؛ حيث لا يجعل حظ للمرأة في بعض الاعراف، وفي بعضها الاخر يساوون بينها وبين الرجل، والامر عينه جار في القصاص وفي القرعة وغيرها من الامثلة.

وهكذا الامر في مجموعة اخرى من المفاهيم، حيث نرى ان الشارع قد تصرف فيها سعة وضيقاً ما اولد لها معنىً اخر غير المفهوم المتداول لغةً او عرفاً، وذلك كالطهارة بناءاً على تفسيرها بالثلاثة مع قيد الاباحة.

وفيه: ان الشارع لم يتصرف في مفهوم العدل توسعة وتضييقاً، وهو مجال الحقيقة الشرعية، وانما قد شخَّص في كلماته واحكامه مصاديق العدل، حيث ابقى الشارع المفهوم على ما هو عليه من معناه اللغوي، ولكنه قد بيّن ما خفي على العرف مصداقه، او بيّن خطأ العرف في تطبيق المفهوم على المصداق.

4.العدل الواقعي

4- الاحتمال الرابع: ان يراد به العدل الواقعي.

 ويمكن ان يستدل على ارادة هذا المعنى في الاية الكريمة، بقاعدة ان الاسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية, فعليه يكون المأمور به في قوله تعالى: (وامرت لاعدل بينكم) هو العدل الواقعي لا العرفي ولا اللغوي ولا غيرهما.

ويدل عليه ايضاً ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في المتعلقات - عند العدلية والمعتزلة -، وان الحامل للمصلحة هو العدل الواقعي، كما ان الحامل للمفسدة هو الظلم الواقعي.

والحاصل: ان الشارع لو استعمل لفظاً كالعدل فان مقتضى القاعدتين انه قد استخدمه في معناه الحقيقي الثبوتي النفس الامري وهو فيما نحن فيه العدل الواقعي؛ لانه هو الموضوع له ولأنه الحاصل للمصلحة والمفسدة، واما استخدامه في غير ذلك فهو استخدام مجازي، غاية الأمر ان المعنى العرفي أو اللغوي أو نظائرهما، هي طريق و مرآة لمعرفة العدل الواقعي.

وما ذكر امر عام جار في مطلق الألفاظ، كما في قوله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) فالمراد هو الخبيث الواقعي، وكذلك قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ) فالمراد هو الطيب الواقعي وهكذا.

ان قلت: كيف يتم الجمع بين قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ)، وبين ما ذكر من ارادة العدل الواقعي؛ حيث ان المخاطَب بمقتضى الاية الشريفة هو الحَكَم في تحديد معنى الألفاظ والخطابات الموجهة له، وهذا هو الملاحظ عند تتبع كلمات الفقهاء في كتبهم العلمية من ارجاعهم المواضيع غير المحددة شرعاً الى العرف، كالوطن والانية و الغناء وغيرها الكثير؟

قلت: لا مشكلة في الجمع بين الامرين؛ حيث ان مبنى الواقعية هو مبنى ثبوتي، ومبنى العرف هو مبنى اثباتي، ببيان ان المطلوب والمامور به هو العدل الواقعي، غير ان الفهم العرفي جعل كطريق وامارة للوصول الى العدل الواقعي.

توضيحه: في مثل مقامنا وهو قوله تعالى (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ) نقول: ان المراد منه هو العدل الواقعي، وهو الذي أُمِر به (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك أمرنا بالإتيان به وامتثاله وتطبيقه، إلا ان الامارة النوعية الكاشفة عن العدل الواقعي هو الفهم العرفي، فيكون دور العرف هو الكشف المحض، وحيث يحتمل ان يحدث تخلف للعرف عن اصابة الواقع، اذ قد يرى ما ليس بعدل عدلاً ، وبالعكس، كما هو الشأن في الامارات[2] وتخلفها عن الواقع ،  فقد يتصرف الشارع توسعة وتضييقا في الموضوعات الملقاة إلى العرف؛ لأنه هو الاعرف بالملاكات منهم[3], وعندئذٍ فان ذلك يكشف عن تخطئتهم، ولا يولد ذلك مشكلةً في البين لأن عرفهم ظن نوعي كاشف وهو حجة في المقام، كما هو الحال في بقية الكواشف النوعية.

ان قلت: ان اريد من العدل الواقعي ، لكان من باب تعليق الحكم على موضوع قد خفي على المكلف امره وتشخيصه حيث انّى للمكلف الوصول الى ادراك العدل الواقعي، وهكذا يجري هذا الاشكال - كما اورده في الفقه[4] ايضاً - في لفظي الطيب والخبيث؛ فانه لو كان المراد منهما الطيب الواقعي او الخبيث الواقعي، للزم منه تعليق الحكم على الأخفى، ولا يمكن ان يحال امر المولى الى المكلف على الأخفى.

قلت: ان المحذور المذكور – وهو خفاء العدل الواقعي في الجملة و لو بعض مصاديقه على المكلف -  لا يظهر في قوله تعالى:(وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ)؛ لمعرفته (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المخاطب في الاية بالعدل الواقعي، نعم يتجلى الاشكال في الآية الاخرى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)، فحينئذ نقول: قد ظهر مما سبق بيانه وجه دفع المحذور؛ فان الواقع ولو كان في الجملة خفياً, إلا ان الشارع عدّ العرف امارة نوعية كاشفة عن ذلك الواقع، وعليه فقد الغى احتمال الخلاف، ورفع ذلك الخفاء بالتعبد الشارعي بحجية الفهم العرفي، أو بإمضائه لبناء العقلاء .

ثم لا يخفى انه بناءاً على ما ذكر من ان الكاشف النوعي عن العدل الواقعي هو العرف، فانه حينئذ سيختلف العدل باختلاف الاعراف لو قلنا أن الشارع أحال الموضوع للأعراف، لا للعرف العام أو العرف الغالب ، و الاحكام الشرعية ستترتب على ضوء تحقق العدل في عرفهم، اللهم إلا فيما تصرف الشارع فيه.

وقد يقال: ان ارجاع العدل مفهوماً وتشخيصاً الى العرف، - سواءً لكاشفيته عن العدل الواقعي بناءاً على ارادة العدل الواقعي ام لموضوعيته ومحوريته واستقلاليته في تبيين موارد العدل بناءاً على ارادة العدل العرفي،- يستلزم منه تعدد مصاديق العدل، و لكن لا ضير في ذلك، حيث توجد امثلة عديدة لذلك في الفقه فليتأمل.

5.العدل الشخصي

5- الاحتمال الخامس: ان يقصد به العدل الشخصي.

وقد ينظّر لذلك بما التزمه المشهور من الفقهاء في قاعدتي لا ضرر ولا حرج من ان المدار على الضرر والحرج الشخصيين دون النوعيين، فالوضوء الضرري والصيام الضرري الشخصي هو المنفي والرافع للحكم لا النوعي منه ان لم يكن شخصياً، من غير تفصيل بين المعاملات والعبادات، خلافاً للشيخ الاعظم وبعض اخر من السابقين، حيث ذهبوا الى ان الضرر المرفوع في العبادات هو الضرر الشخصي، واما في المعاملات فهو الضرر النوعي، مستدلا – الشيخ - على ذلك بخيار الغبن.

فكذا في مقامنا إذ قد يقال ان المراد من (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ) هو العدل الشخصي لا النوعي، وعليه سوف ينتفي ما ذكرناه من الاحتمالات السابقة للعدل، وسيكون المراد هو العدل الواقعي المنكشف برأي الشخص. فتأمل[5].

ويرد هذا الاحتمال: وجود فرق ملحوظ بين ما نحن فيه، وبحث لا ضرر ولا حرج، فانه في الاخير نلتزم بالضرر والحرج الشخصي، واما في العدل فإننا نلتزم بالعدل النوعي.

وتوضيحه: انه ينبغي ان يفرق بين شيئين وهما (العدل في حقه) و(العدل في نظره)[6] -ومن هنا نشأ الخلط -.

حيث انه تارة يكون الكلام عن المرجع في مفهوم العدل، وتحديد ذلك المفهوم، وهنا يكون العرف هو المقياس والمرجع في ذلك، والأمر بنفسه جار في الضرر فان العرف هو الذي يشخص الضرر، باعتباره مرآة للواقع, وليس الشخص والفرد هو المرجع، إذ (بلسان قومه) وهم العرف، لا بلسان كل فرد فرد.

وتارة اخرى، يكون الكلام في محل ثبوت الحكم ومعروضه ومصداقه، وهنا المحور هو الشخص، وعليه فالعدل في حقه هو الشخصي [7]، ولكن العدل في نظره هو النوعي، فلو ان شخصا رأى ان هذه المعاملة غبنية – كشخص –، لكن العرف لم يرَ ذلك، فإن رأي العرف هو الساري في المقام، نعم العرف قد يراها غبناً للنوع لا لهذا الشخص أو بالعكس.

وعليه فان البحث في مستويين ودائرتين، والحال نفسه في مورد الضرر فان البحث في الضرر الواقعي المنكشف بالعرف، إلا ان التطبيق ومحور وموضوع الحكم هو الشخص.

والتحقيق:

ان هنا أموراً ثلاثة: نظر الفرد ونظر النوع ونظر الشرع، والأخير منتف؛ حيث لا حقيقة شرعية في العدل، والمرجع في تحديد مفاهيم موضوعات الأحكام هو العرف لا الفرد؛ إذ ان قوله بلسان قومه،  يراد به النوع لا الفرد كما سبق.

نعم في متعلَّق العدل ومصداقه، فان المحور والمعيار هو الشخص لا النوع، أي ما كان عدلاً في حقه كشخصٍ، فالنبي مأمور بفعله وإن كان نفس هذا التصرف ظلماً لشخص آخر، فإذا أريد بالعدل الشخصي هذا المعنى كان نظير ما أريد من كون (لا ضرر ولا حرج) شخصيين.

6.اجمال المعنى

6- الاحتمال السادس: ان يذهب الى الاجمال في معنى العدل و تحديده، ويعزى ذلك الى اختلاف التفسيرات اللغوية للكلمة؛ حيث توجد اكثر من عشرة معان للعدل وقد ذكرنا بعضاً منها ، هذا اولا، واختلاف الاعراف في تعريفها للعدل ثانياً، وعلى ذلك فلا مرجعية لغوية ولا مرجعية عرفية يمكن ان يستند اليها, فيكون اللفظ مجملاً، نظير ما ذهب اليه المحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان، من اجمال معنى الخبيث والطيب؛ إذ الشرع لم يبينه والمعنى اللغوي ليس مرادا والعرف غير منضبط

وفيه اولاً: انه وإن صح ان العدل قد فسر بتفاسير شتى – لغة وعرفاً -، إلا ان المتبادر منه هو ما كان ضد الجور، وهو الموضوع له.

وثانياً: سلمنا لكن من المحتمل ان يكون العدل مشتركاً معنوياً بين المعاني المتعددة المذكورة في كتب اللغة، وجامعها هو الاستواء، وهو منطبق على جميع المعاني ومشترك بينها؛ وقد يؤيد ذلك بما قاله صاحب معجم مقايس من: ان العدل اصل صحيح يدل على الاستواء.

 وبهذا البيان كذلك يندفع توهم التنافي بين القولين الذين ذكرهما في مجمع البيان ويكون المعنى المذكور اعني (اني امرت لكي اسوي بينكم في الدعوى ولكي اعدل بينكم في مقابل الجور) من باب التفسير بالمصداق.

ثالثاً: بل يمكن دعوى الاشتراك اللفظي – بالوضع التعييني – في العدل، بين ما يقابل الجور، وبين التسوية في العطاء، ولو قبلنا بالجواب الثالث فانه سيعود للجواب الاول إذ نقول: انه بالرغم من الاشتراك اللفظي المذكور إلا ان العرف وبنحو الوضع التعيّني والنقل يتبادر اليه من العدل ما يقابل الجور فيكون هو المعنى المراد، فهنا لدينا دعوى تبادر لاحقة ولكن بعد قبول الاشتراك اللفظي، او يمكن ان نقول: بان العدل وان كان مشتركا لفظيا، إلا ان قرينة المقام وهي انه كلما استخدم العدل في شؤون الحكومة والقضاء فان ذلك معين للمعنى المراد بانه ما يكون في قبال الجور، والآية من هذا القبيل. فتأمل[8]

رابعاً: وهذا الجواب والاحتمال يحتاج الى تحقيق إلا اننا نشير له اشارة، حيث نقول:

انه قد يدعى بان (لاعدل) نظير (غنمتم)في اية الخمس، وان النقاش الجاري هناك نستطيع ان نستفيد منه في مقامنا هنا، حيث انه في ذلك البحث وفي اية الخمس فان علماء الامامية يقولون ان (الغنيمة) موضوع للأعم فتشمل المكاسب، هذا اولا.وثانيا: لو تنزلنا فقلنا ان الغنيمة خاصة بغنائم دار الحرب، إلا ان صيغة (غنمتم) – وهو مشتق – لا ريب في ارادة المعنى الاعم منها[9]؛ فانه لا تلازم بين وضع مبدأ الاشتقاق لمعنى معين، وبين كون احد مشتقاته قد استعمل ونقل لمعنى اخر دون اصله او العكس.

وفي مقامنا نقول: ان العدل  وان فرض كونه مشتركاً لفظياً إلا ان(لأعدل) ظاهرة في ما يقابل الجور. فتأمل

بحث مفتاحي و مهم:وكما ذكرنا فان هذا البحث هو بحث مفتاحي يمكن ان يجري في مفردات اخرى، كما في قوله تعالى مثلا:(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ)، وكذلك:(قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ)، فما هو المراد من الخبيث والطيب؟ ان الاحتمالات الستة السابقة في العدل جارية في هذين المفهومين  ايضا وفي غيرهما؛ فالبحث هو بحث سيال، كثير الفائدة، فمثلا (ردّ الوديعة) هو واجب عقلا وشرعا، ولكن ما هو المراد من الردّ؟ هل هو الرد الواقعي ام الرد في عرفه؟ والثمرة تظهر فيما لو تخالفا، فانه لو رددت الوديعة ردا واقعيا بان وضعتها في بيته مثلاًولكن ذلك في عرفه لم يكن يعتبر ردا؛ حيث لابد من وضعها في البنك مثلا، أو الامر على العكس من ذلك  ,فهل يكون ما فعلته مصداقا للرد وقد برأت  ذمتي أم لا؟ وهكذا.

--------------------------------------------------------------------------

* مقتطف من دروس في قاعدة الالزام الدرس 13-14-15، بتصرف.

[1]- وقد ذكر السيد السبزواري في مهذبه في كتاب الاطعمة والاشربة ان المراد من الطيب والخبيث هو العرفي وهو ما تعارف  عليه اواسط الناس

[2]- لا يخفى ان الدال على الحكم يسمى دليلا وطريقا، واما الدال على الموضوع فيسمى امارة حسب الاصطلاح، نعم قد يطلق الأولان على الأخير، وندر أن يَعكس.

[3]- فقد يعد ما ليس من مصاديق عنوانٍ، منه، لوجود ملاكه فيه، رغم عدم شمول اسم الموضوع له عرفاً.

[4]- موسوعة الفقه: مجلد 76 / بحث الاطعمة والاشربة

[5]- إذ هذا الاحتمال قسم وليس قسِماً للاحتمالات السابقة، إذ سواء قلنا بأن (العدل) شخصي أو نوعي، فانه يبحث ان هذا العدل – الشخصي أو النوعي – هل يراد به العدل العرفي (أي العدد الشخصي العرفي أو النوعي العرفي) أو يراد به العدل الواقعي (أي الشخصي الواقعي أو النوعي الواقعي) وهكذا.

[6]- وكذا (الضرر في حقه) و(الضرر في نظره)

[7]- أي ما كان (عدلاً) في حقه شخصياً، وإن كان (ظلماً) في حق النوع، لخصوصية فيه أو في النوع.

[8]- إذ سياق الآية في شأن العقائد، إلا أن يدعى انها أعم. فتأمل

[9]- وهو بحث مفصل وعليه ادلة قد سقناها في محلها في كتاب (فقه الخمس) الجزء الأول وهو مخطوط إلا ان المحاضرات الصوتية موجودة.

 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2246
  • تاريخ إضافة الموضوع : 26 ذي الحجة 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28