بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(131)
النكتة والوجه في تقدم الحاكم على المحكوم
سبق البحث عن عنوانين: أقسام الحكومة وتعاريفها، وبقي البحث عن عناوين أخرى منها:
المباني في سرّ تقدم الحاكم على المحكوم
وقد اختلفت المباني في وجه تقدمه عليه، وهذه هي رؤوسها:
1- الناظرية
المبنى الأول: أن الوجه هو (النظر) وهو مبنى الشيخ ومنه تفرعت الأقوال أو التفصيلات الآتية:
الأقوال والتفصيلات على المبنى الأول
أ- أن الحاكم هو الناظر والشارح بالفعل، وقد صار إليه الشيخ.
ب- أن الحاكم هو الناظر الأعم من الفعل والقوة، فما له قابلية النظر وصلاحية الشارحية فهو حاكم أيضاً، وهذا للآخوند، ولذا قال: (مقدماً كان أو مؤخراً) ([1])
ج- أن الحاكم هو الناظر إلى بيان كمية ما أريد من الآخر، وهو للآخوند أيضاً، فقد خصص النظر بالناظرية للكمية فقد خصصه بعد أن عممه ([2]) فتدخل الحكومة بالتوسعة والتضييق الموضوعي ([3]) وتخرج سائر أقسام الحكومة.
قال في الكفاية: (فلا تعارض بينهما بمجرد تنافي مدلولهما، إذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة، بأن يكون أحدهما قد سيق ناظراً إلى بيان كمية ما أُريد من الآخر، مقدماً كان أو مؤخراً)([4])
وذلك كقاعدة الطهارة بالنسبة إلى "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ"([5]) - على تفصيل وخلاف فيه سيأتي، و"ولا شك لكثير الشك" أو مع حفظ الإمام أو المأموم.. الخ، والأول موسّع والثاني مضيّق.
د- تقييد الناظرية بلزوم كون الدليل الأول (الحاكم) لغواً لولا ورود المحكوم، وهو للشيخ وتبعه على ذلك جمع، منهم السيد العم (دام ظله) في لا ضرر ([6]) فيخرج من الحكومة ما لم يكن لغواً وإن كان ناظراً إلا إذا ادعي أنه كلما كان ناظراً كان لغواً مع عدم المحكوم بأن ادعي تلازمهما وأن القيد في كلام الشيخ توضيحي لا احترازي، وسيأتي.
هـ - التصرف والنظر، وهو للمحقق اليزدي، بناء على كون عطف النظر على التصرف عطفاً للمباين أو لما معه من وجه، أما لو كان عطفاً تفسيرياً فليس بتفصيل جديد.
قال في التعارض: (أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متصرفاً في الدليل الآخر وناظراً إليه نظر شرح وتفسير) ([7]).
و- أن يكون النظر والتفسير غير صريح وإلا كان تفسيراً لا حكومة، ذهب إليه اليزدي أيضاً. وذهب الميرزا النائيني إلى عدم وجود التفسير الصريح في الاخبار، لكن قال السيد العم انه موجود لكنه نادر ([8]).
ز- أن الحاكم خاص بغير صورة التنزيل والرفع فما كان أحدهما فليس بحاكم، وهو ظاهر السيد اليزدي أيضاً إذ جعل التنزيل قسيماً للحكومة بعد الإذعان بمبنى الناظرية فالحاكم هو الناظر غير المنزِّل أو الرافع.
2- الأظهرية
المبنى الثاني: الأظهرية، وهو قسيم للمبنى الأول وقد ذهب إليه السيد اليزدي، وتبعه جمع منهم المحقق العراقي في بعض كلماته ومنهم السيد العم (دام ظله).
وسيظهر الفرق بينهما والثمرة حين التطرق للمحاكمة بين المبنيين بعد استعراض عناوين سائر المباني.
3-4- توقف التعقّل، والتعرض لأمر زائدٍ
المبنى الثالث: توقف التعقل.
المبنى الرابع: التعرض لما لم يتعرض له الآخر.
وحيث سبق بيان هذين الوجهين مع مناقشاتهما تفصيلاً فنكتفي به ولا نعيد.
5- تعدد الموضوع
المبنى الخامس: تعدد الموضوع، وله تصويرات:
منها: رجوع القضية الحملية إلى شرطية وحيث أن الشرطية لا تتكفل موضوعها أي وجوده وعدمه وكان الحاكم متكفلاً لوجوده، تقدم عليه بالضرورة إذ لا تعارض بينهما ولا مقاومة من جانب المحكوم، وهو المستفاد من بعض كلمات الميرزا النائيني كما صرّح بالالتزام به مصباح الأصول ([9])، ولا يخفى أنه أخص مطلقاً من المبنى الرابع بل الرابع أخذ منه وزاد عليه.
أقول: لا حاجة لإرجاع الحملية للشرطية إذ الحملية أيضاً لا تتكفل بوجود موضوعها، فإذا تكفل دليل بوجوده أو عدمه كان حاكماً على هذا المبنى، وذلك نظير "لا ربا بين الوالد وولده" ([10]) و"الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة" ([11]) واللف والنشر مشوش.
وبعبارة أخرى: المحكوم ليس متعرضاً لإثبات موضوعه أو رفعه، والحاكم يرفعه أو يثبته.
6- لسان التسالم في الحاكم
المبنى السادس: لسان التسالم، بدعوى أن وجه تقدم الحاكم على المحكوم كون لسانه لسان التسالم مع المحكوم، اما غيره، كالخاص مع العام، فلسانه لسان التصادم. وهو المستفاد من كلمات السيد اليزدي ومن المعاصرين السيد السيستاني (دام ظله).
7- الهيمنة
المبنى السابع: مطلق الهيمنة، فكلما كان أحد الدليلين مهيمناً على الآخر عرفاً كان حاكماً عليه.
وسوف نبدأ غداً بإذن الله تعالى بالتعرض للمبنيين الأول والثاني ووجههما والمناقشات.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
........................................
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لَا تُجَاهِدِ الطَّلَبَ جِهَادَ الْغَالِبِ وَ لَا تَتَّكِلْ عَلَى الْقَدَرِ اتِّكَالَ الْمُسْتَسْلِمِ، فَإِنَّ ابْتِغَاءَ الْفَضْلِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَالَ فِي الطَّلَبِ مِنَ الْعِفَّةِ وَلَيْسَتِ الْعِفَّةُ بِدَافِعَةٍ رِزْقاً وَلَا الْحِرْصُ بِجَالِبٍ فَضْلًا، فَإِنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ وَاسْتِعْمَالَ الْحِرْصِ اسْتِعْمَالُ الْمَأْثَمِ" تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص234.
====================
|