بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(95)
وكذلك أولوية الإنسان بنفسه وأفعاله الاختيارية
سبق ان الحق تكويني واعتباري وانتزاعي وان من التكويني حق الله ثم النبي والأوصياء، فان سلطانه تعالى سلطان تكويني وسلطانهم (عليهم السلام) بوساطتهم للفيض فالأولوية حقيقية تكوينية غير اعتبارية، ونضيف انه:
كذلك حق الإنسان على نفسه وعلى أفعاله الاختيارية فان حقّه عليها هو بمعنى سلطانه التكويني، باقدار الله تعالى له، على نفسه ([1]) وأفعاله من حركة وسكون وطاعة ومعصية وبمعنى أولويته تكويناً بنفسه وبأفعاله من غيره.
لكلِّ مكلَّفٍ على نفسه وأفعاله حقّان: تكويني واعتباري
ومنه يظهر ان لكل إنسان على نفسه وأفعاله حقّين: تكويني واعتباري:
أ- اما التكويني فهو ما سبق ويتفرع عليه انه لا يجوز إعمال الولاية التكوينية على الغير بسلبه قدرته على الفعل أو الترك تكويناً بتقييد يديه مثلاً أو بدفعه – قسراً – ليفعل فعلاً دون إرادة واختيار، وإن أمكن ذلك للغير في الجملة تكويناً.
ب- واما الاعتباري فهو حقه التشريعي في ان يفعل أو لا يفعل، وقاعدة (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم وحقوقهم) تشير إلى هذا الحق الاعتباري وإن أمكن تعميمها لتشمل الحقّين لكنها منصرفة للاعتباري، ويتفرع عليه انه لا يجوز لغير من هو أولى بالناس من أنفسهم سلب هذا الحق أو منحه بان يمنعه قانونياً من ان يحوز الأراضي الموات أو من ان يؤسس شركة تجارية أو أن يقيم أو يسافر أو شبه ذلك أو يجبره قانونياً – أي بإصدار تشريع ملزم فهو غير الجبر التكويني الفعلي الجارحي – على ان يبيع داره للحاكم أو يهبه له أو ان يطلق زوجته مثلاً دون رضاه.
هل (النبي أولى) تَعمُّ الحقين؟
وإلى ذلك تشير الآية الشريفة في دلالتها التضمنية (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)([2]) إذ تستبطن ثبوت ولاية لهم على أنفسهم فان استظهرنا كون المراد الولاية التشريعية والحق الاعتباري اختص بالثاني وإلا شملت الآية الأول ([3]) أيضاً فيكون معناها: النبي (صلى الله عليه وآله) أولى تكويناً وتشريعاً بالمؤمنين من أنفسهم فيما لهم فيه الولاية التكوينية أو التشريعية فيمكنه (صلى الله عليه وآله) ان يتصرف فيهم تكويناً كما يمكنه ان يوجب عليهم أو يحرم عليهم ما هم مخولون فيه بالعنوان الأولي، تشريعاً ومن باب الولاية قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([4]).
أفضلية تمحور البحث حول الحق لا الملك
وهذا النحو من تقرير البحث هو الأولى المناسب للمقام من تقرير المحقق الاصفهاني له إذ قال: (ومما ذكرنا - من أن الاعتبار في مورد الثبوت التحقيقي لغو - يظهر أن كون الشخص أملك بنفسه من غيره، ونسبة المالكية إلى نفسه وإلى فعله ليس بالاعتبار، وأنه لا دخل له بالملك الاعتباري الذي يترتب عليه الاثار، فإن وجدان كل موجود لنفسه كوجدان كل ماهية بوجدان ماهوي لنفسها - ضروري الثبوت، ومالكيته لفعله بملاحظة أن الشخص في حركاته وسكناته تابع لاختياره وإرادته فهو أملك بفعله من غيره وكون زمام فعله بيده، حقيقي واقعي لا بجعلٍ واعتبار من الشارع أو من غيره) ([5]) إذ البحث إنما هو في الحق، ورسالته u في الحق، فكان الأجدر ان يبحث عن كون الشخص أحق بنفسه أي أولى بنفسه من غيره كما قررنا الأمر لا عن (كون الشخص أملك بنفسه...) كما قرره، بل انه قرر البحث فيما سبق ذلك عن الله تعالى والأنبياء والأوصياء في دائرة الملك مع ان المناسب للمقام هو تقريره في دائرة الحق وإن صح ما ذكره في دائرة الملك أيضاً.
الإشكال بان الحق إذا فسر بالثابت شمل الحكم والملك
ومنها: ان ضم كلامين للمحقق الاصفهاني قد يوهم وقوعه – وكل من يلتزم بكلتا المقدمتين – في التناقض أو الخلف، وهما قوله: (وأما الحق فله في اللغة معان كثيرة، والمظنون رجوعها إلى مفهوم واحد، وجعل ما عداه من معانيه من باب إشتباه المفهوم بالمصداق، وذلك المفهوم هو الثبوت تقريبا، فالحق بمعنى المبدء هو الثبوت، والحق بالمعنى الوصفي هو الثابت) ([6]) وقوله: (نعم الثابت تارة حكمٌ، وأخرى ملكٌ، كما في صدق الحق على الملك في باب القضاء باعتبار ثبوته على المدعى عليه، وثالثة السلطنة واشباهها من الاعتبارات الثابتة للشخص) ([7])
إذ ضم المقدمة الأولى إلى الثانية يتشكل منه هذا القياس: (الحق يعني الثابت) و(الثابت اما حكم وإما ملك وإما سلطنة وحق) ([8]) فالنتيجة هي (الحق اما حكم واما ملك واما حق)! فكيف يكون الحق أعم من نفسه ومقسماً لنفسه وغيره؟.
الجواب بوجود إطلاقين للحق
والجواب عن ذلك ظاهر؛ فان الحقّ له إطلاقان: إطلاق بالمعنى الأعم وهو الواقع مقسماً والمفسَّر بالثبوت، وإطلاقٌ بالمعنى الأخص وهو الواقع قسيماً للحكم والملك والمفسّر بالسلطنة أو الأولوية أو الاعتبارات المختلفة أو المرتبة الضعيفة من الملك أو غير ذلك من الأقوال.
وعليه: فتعريف الحق الأعم بالثبوت، لا يغني عن تعريف الحق الأخص بما يُميّزه عن الحكم وسائر القسائم، وهذا هو الذي كنا ولا زلنا نستعرض الأقوال فيه والتي بلغت حتى الآن عشرة أقوال، ولا زلنا في صدد بيان قول الاصفهاني فيه وسيأتي غداً مع بعض المناقشات حوله بإذن الله تعالى.
الإشكال على تفسير الحق بالسلطنة الفعلية أو التكليفية، دون الاعتبارية
ومنها: ان المشهور فسروا كما سبق الحقَّ بالسلطنة، وحيث رأى المحقق الاصفهاني ورود إشكال الآخوند عليهم لو فسرت السلطنة بالتكليفية، فسرها بتفسير آخر وهو الاعتبارية قال: (إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم: أن الحق الذي يقابل الحكم هل هو مفهوما أو مصداقا هي السلطنة أو الملك أو اعتبار آخر أو اعتبارات مختلفة في الموارد المتشتتة ([9])؟. المعروف أنه السلطنة، وليكن المراد منها السلطنة الاعتبارية لا السلطنة التكليفية الراجعة إلى مجرد جواز الفسخ والامضاء أو جواز الملك من المشتري في الشفعة وأشباه ذلك، لئلا يورد عليه بأن السلطنة من احكام الحق لا نفسه، أولا سلطنة للقاصر على التصرفات مع كونه ذا حق شرعا) ([10]).
الجواب: التفسيرات الأربع للسلطنة
أقول: المحتملات في المراد بالسلطنة أربعة، ذكر منها المحقق احتمالين، وهي:
1- ان المراد بها السلطنة التكليفية، حسب تفسيره لها.
2- ان المراد بها السلطنة الفعلية التي صرح بها الشيخ.
والإشكالان ([11]) واردان على كلا هذين القولين والتفسيرين.
3- السلطنة الاقتضائية.
4- السلطنة الاعتبارية التي فسرها باعتبار السلطنة قال: (والمراد بالسلطنة الاعتبارية اعتبارُها كاعتبار الملك في مورده، لا السلطنة الانتزاعية، لما يرد عليه ما أوردنا على انتزاعية الملك الشرعي أو العرفي حرفا بحرف) ([12]) وهي غير الاقتضائية فانها ([13]) فعلية في عالم الاعتبار، وعلى أي فانه لا يرد الإشكالان بناءً على هذين التفسيرين.
إشكال اللغوية متأخر رتبةً عن إشكال التناقض في عمل الشارع
نعم سبق منّا نقل إشكال العقد النضيد بان السلطنة الاعتبارية مع سلب جميع الآثار في الصبي، لغو، وقد أجبنا عنه بوجوه عديدة فراجع.
وعلى أي فإشكال اللغوية متأخر مترتبة عن إشكال التناقض الذي دفعه المحقق بالتزامه بالسلطنة الاعتبارية إذ ([14]) على القول بالسلطنة التكليفية أو الفعلية يلزم التناقض في عمل الشارع إذ اعتبر من جهةٍ للصبي حق الشفعة – حينما يرثه – وغيرها مما يرثه من الحقوق واعتبره من جهة أخرى مسلوب العبارة والصلاحية وهل هذا إلا تدافع بين الاعتبارين ([15])؟ وقد سبق منا الجواب عن ذلك أيضاً فراجع.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
|