بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(115)
التعميم إما لفظي وإما تنزيلي أو لكونه نظيراً
واما الاستصحاب بالنسبة إلى "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ"([1]) فانه يحتمل فيه احتمالات ثلاثة:
التوسعة اللفظية، والنتيجة الورود
الأول: ان يكون موسعاً لفظاً لـ(طهور) بان يفيد ان الطهور في "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ" موضوع بوضع شارعي – أو لغوي فرضاً – تعييني أو تعيني للأعم من الطهور الواقعي والظاهري، والمراد من (يفيد) اما ان يكون الاستصحاب – أو دليله – مُنشئاً للتوسعة اللفظية للطهور فهو وضع تعييني دل عليه بالدلالة الالتزامية، أو ان يكون كاشفاً عن وضع سابق.
وعلى الفرضين فان الاستصحاب يكون حينئذٍ وارداً – لا حاكماً - على "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ" إذ الورود له فردان:
أولهما: ان يزيل الدليل الوارد موضوع الدليل الآخر حقيقة لكن بعنايةٍ كالامارة بالنسبة إلى البراءة العقلية.
ثانيهما: ان يوجِد ويحقق الدليل الوارد موضوع الدليل الآخر حقيقة لكن بعناية ([2])، والمقام على الاحتمال الأول منه.
نعم يبقى انه في عالم الإثبات فان الاستصحاب لا يفيد التوسعة اللفظية، ولا أدلته.
التوسعة التنزيلية، والنتيجة الحكومة
الثاني: ان لا يكون موسِّعاً لفظاً بل يكون معمِّماً تنزيلاً أي انه ينزّل الطهور الظاهري الاستصحابي منزلة الطهور الواقعي لا انه يعمم الطهور وضعاً واستعمالاً للطهور الظاهري أيضاً، وهذه هي الحكومة، وذلك نظير قوله: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة" إذ نزّل الطواف منزلة الصلاة لا انه تصرف في لفظ الصلاة أو كشف عن تصرف سابق، بانه موضوع ودال لفظاً واستعمالاً ([3]) للصلاة الأعم من ذات الأركان والطواف بالبيت الحرام بل ان الصلاة ثابتة على معناها من ذات الأركان إلا ان الطواف نُزّل منزلتها، فهو نظير الحقيقة الادعائية للسكاكي إلا ان الفرق انه في الحقيقة الادعائية يدخل فرداً تكويناً ادعائياً في دائرة كلي آخر (كإدخال زيد في دائرة الأسد) فيكون إطلاق الأسد على زيد حقيقة إذ التصرف ليس في اللفظ ووضعه ولا في الدلالة والانطباق بل في الأمر التكويني أي المنطبق عليه لا المنطبق ولا الانطباق، واما في المقام فانه يدخل كلياً طبيعياً تكوينا ادعائياً في دائرة كلي طبيعي آخر فتأمل ([4]).
التعميم لكونه نظيراً
الثالث: ان لا يوسعه لفظاً ولا تنزيلاً بل يعتبره نظيراً له في الحكم، وليس ذلك من القياس الذي هو التمثيل المنطقي؛ فان الشارع حيث أحاط بملاكات الأحكام علم حكم النظائر دوننا إذ لا نعرفها فلا يصح لنا تعميم الحكم للفرع لمجرد كونه نظيراً للأصل إذ لعله بلحاظ الملاك مباين كلّاً أو في الجملة.
وهذا القسم ملحق بالحكومة فتأمل ([5]).
وبذلك ظهر ما في ظاهر كلام اليزدي (وكاستصحاب الطهارة بالنسبة إلى قوله "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ" بناءً على كون مؤدى الاستصحاب حكماً شرعياً ظاهريّاً لا عذريّاً، بحيث يكون مجزياً عند كشف الخلاف فإنه على هذا يتصرف قوله "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ" بتعميمه لبَّاً أو لفظاً إلى الطهارة الإستصحابية) ([6]) إذ ظهر ان التعميم لو كان لفظياً – إنشاءً أو كشفاً – كان من الورود، إلا ان يحمل قوله (لفظاً) على القسم الثاني أي التنزيل وقوله لبّاً على القسم الثالث وهو النظير، لكنه خلاف ظاهر عبارته وإن كان لعل مقصوده هو ذلك، فتأمل.
تقسيم آخر: الحاكم اما الامارة أو دليلها
وينقسم الحاكم بوجه آخر، أشار إليه الشيخ، وهو انه تارة يكون الحاكم هو الدليل نفسه وأخرى يكون الحاكم هو دليل حجيته:
أ- حكومة الدليل الاجتهادي بنفسه على الأصل
أما الأول فواضح وذلك كقوله: (لا شك مع كثرة الشك) و "لا ربا بين الوالد وولده"([7]) في الرافع، أو "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة"([8]) أو "التَّيَمُّمَ أَحَدُ الطَّهُورَيْن"([9]) في المثبت فانه بلفظه ناظر وشارح للدليل الآخر (أدلة أحكام الشك والربا والصلاة والطهور).
وقد مثّل له بعض الأعلام بقاعدة لا حرج ولا ضرر، وذلك في مثل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)([10]) واضح كما سبق ([11]) وفي غيره يحتاج لتدبر.
ب – حكومة دليل اعتبار الدليل الاجتهادي على الأصل
واما الثاني: فقد ارتأى الشيخ ان دليل الامارات ([12]) هو الحاكم على الأصول ([13]) لا الامارات بنفسها لعدم كون لسانها لسان الشرح والناظرية.
وبعبارة أخرى: ارتأى ان الدليل الاجتهادي بملاحظة دليل اعتباره ناظر إلى الأصول بنفي موضوعها لينتفي حكمها أو بنفي الحكم من موضوعها، وليس هو بنفسه ناظراً.
توضيحه: انه اختلفت الأقوال في وجه تقدم الامارة كخبر الثقة على الأصل كالاستصحاب والبراءة العقلية والنقلية، فذهب قوم إلى ان الوجه هو التخصيص لأن كل امارة فهي أخص مطلقاً من الأصل في موردها، وذهب البعض إلى ان الوجه هو الورود حتى بالنسبة للأصل النقلي، وذهب جمع إلى ان الوجه هو الحكومة لكنهم اختلفوا في وجهها فذهب البعض ومنهم المحقق اليزدي إلى ان الوجه حكومة نفس الامارة (كقوله: العصير العنبي إذا غلى ولم يذهب ثلثاه تنجس) وذهب البعض الآخر وعلى رأسهم الشيخ إلى ان الوجه هو حكومة دليل الامارة لا نفس الامارة، على الأصل.
وقد علّل ذلك الشيخ بوجهٍ فيما علّله الميرزا الشيرازي بوجه آخر، وله وجه ثالث، وكل ذلك سيأتي غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
|