• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 109- تتمة الانواع الاربعة للحكومة ـ النوع الخامس للحكومة حسب النائيني والمناقشة فيه .

109- تتمة الانواع الاربعة للحكومة ـ النوع الخامس للحكومة حسب النائيني والمناقشة فيه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(109)
إيضاح مبنى اشتراط ظهور المحكوم في إرادة غير مورد الحاكم
 
وحيث قد يستغرب البعض ما ذكرناه من النقاش المبنائي من قولنا (وإجماله هو انه هل يشترط في الحكومة ان يكون الحاكم ناظراً إلى المحكوم مفسراً له بحيث يكون المحكوم أيضاً، بلحاظ ورود الحاكم، ناطقاً بان المراد الجدي منه هو ما أفاده الحاكم؟ أم لا؟) وقولنا (الحاصل: ان الحاكم هل تشترط فيه ناظريته وشارحيته فقط؟ أم لا بد فيه من كون المحكوم عليه أيضاً ناطقاً، بعد لحاظ الحاكم، بانه مفسَّر مشروح منظور إليه؟ بان يكون حال الحاكم حال القرينة المتصلة؟)([1]) فلا بد ان نشير إلى ان هناك من الأعلام من صرح بهذا المبنى ومنهم الميرزا الشيرازي، قال:
(والمراد من كونه مفسِّراً له أولاً: أنه يكون بحيث لا يفهم التنافي بينه وبين المحكوم عليه من([2]) أول النظر، بل يكون كالقرائن المتصلة من حيث كونه موجباً لظهور المحكوم عليه في اختصاص الحكم الذي تضمّنه بغير مورد الحاكم ابتداءً.
وبعبارة أخرى: ميزانه أن يكون بحيث يوجب ظهور المحكوم عليه في إرادة اختصاص الحكم المعلّق على الموضوع المذكور فيه، بغير مورد الحاكم مع صدق ذلك الموضوع على ذلك المورد بنفسه، وذلك بأن يكون ذلك الدليل الحاكم بمنزلة قول المتكلم: أعني غير هذا المورد.
ومن هنا ظهر الفرق بينه وبين المخصّص المنفصل، فإنه ليس بحيث يوجب ظهور العام في اختصاص الحكم المعلّق عليه بغير مورد التخصيص، بل العام معه – أيضاً – ظاهر في تعميم الحكم بالنسبة إلى ذلك المورد، وإنّما يقدّم الخاص لترجيح ظهوره على ظهور العام، فالعام والخاص متعارضان إلا أن الترجيح للخاص، فيقدم عليه لذلك.
بخلاف الحاكم والمحكوم عليه، فإن المحكوم عليه لا ظهور له في عموم الحكم بالنسبة إلى مورد الحاكم حتى يتعارضا، بل ظاهر في اختصاصه بغير ذلك المورد)([3]) وقال: (السرّ في ذلك: ما مرّ من أن الحاكم مع ظهوره مفسِّر للمحكوم عليه، وموجب لظهور المحكوم عليه في اختصاص الحكم الذي تضمّنه بغير مورده، فيدور تقديمه عليه مدار بقاء ظهوره من دون توقف على أمر آخر. بخلاف الخاص؛ فإنه بمجرد ظهوره لا يوجب صرف العام، حتى يكون بنفسه مقدّماً عليه، بل مع رجحان ظهوره – أيضاً – لا يوجب صرفه، وإنّما يوجب ذلك تقديم ظهوره على ظهوره)([4]).
نعم هذا المبنى مضيق للحكومة جداً، حتى أضيق مما ذكره الشيخ (قدس سره)، والمنصور هو تعميم الحكومة للحكومة المصطلحة – والتي هي أيضاً أعم من هذا التضييق – والحكومة العرفية – كما سبق، وتعميمها للأقسام الأربعة بل الخمسة للحكومة حسب ما نحن فيه من البحث.
 
4- ان يفيد الحاكم توسعة المحمول والحكم
 
الرابع: ان يفيد الدليل الحاكم توسعة محمول الدليل المحكوم وعقد الحمل فيه.
وقد صعب على بعض الأصوليين العثور على مثال لذلك فلم يجد مثالاً له وان ما وجده فقط هو التوسعة في متعلق المحمول ومثّل له بـ(الصلاة واجبة في ثوب طاهر) مع قاعدة الطهارة الحاكمة عليه، فان (طاهر) صفة وهي من التوابع والمحمول هو (ثوب) بل لدى الدقة هو (واجبة) فهو متعلق متعلق المحمول وليس متعلق المحمول كما قال.
لكن التمثيل له سهل يسير والأمثلة غير عزيز، وذلك مثل (المطلقة رجعية زوجة) فانه يوسّع عقد الحمل في (المعقود عليها زوجة) لوضوح تضاد الطلاق مع الزوجية عرفاً فقوله (المطلقة رجعية زوجة) موسّع لدائرة (زوجة) المحمول في (المعقود عليها زوجة) فانها هي الزوجة عرفاً وشرعاً، فأضاف الدليل الحاكم المطلقةَ رجعيةً للزوجة.
ويمكن عدّ هذا المثال مثالاً أيضاً للحاكم على الموضوع توسعةً إذا كان المحكوم هو مثل (الزوجة تجب النفقة عليها).
 
إمكان ان يكون الدليل حاكماً بنوعين من الحكومة
 
ومنه ظهر انه يمكن ان يكون الحاكم حاكماً على دليل بتوسعة موضوعه ويكون بنفسه حاكماً على آخر بتوسعة محموله فالدليل الحاكم قد تتعدد أنواع حكومته على حسب الدليل المحكوم.
وقد يمثل للصورة الرابعة بما مثل به القوم للصورة الأولى كما مضى في الدرس السابق([5]) نعم يبقى انه متعلق المحمول وليس المحمول بنفسه إذ المحمول هو الصحة أو نظائرها فتأمل هذا.
 
5- ان يرفع الحاكم موضوع المحكوم، تنزيلاً
 
وقد أضافه الميرزا النائيني قسماً خامساً إضافة إلى الأقسام الأربع السابقة([6]) وهو:
الخامس: ما لو كان الدليل الحاكم رافعاً لموضوع الدليل الآخر في عالم التشريع، فليس بموسّع ولا بمضيّق – كما هما القسمان الأولان - بل هو رافع للموضوع من رأس فيكون كالورود مع فارق ان الورود هو (ان يزيل أحد الدليلين موضوع الدليل الآخر حقيقةً بعنايةٍ) اما هذا النوع من الحكومة فهو (ان يزيل أحد الدليلين موضوع الآخر في عالم التشريع) فهي إزالة تنزيلية غير حقيقية.
قال: (فالتحقيق: أنّه لا يعتبر في الحكومة أزيد من أن يرجع مفاد أحد الدليلين إلى تصرّف في عقد وضع الآخر بنحو من التصرّف إمّا بأن يكون مفاد أحدهما رافعا لموضوع الآخر في عالم التشريع، كما في حكومة الأمارات على الأصول العمليّة و حكومة الأصول بعضها على بعض - على ما تقدّم بيانه في خاتمة الاستصحاب - وإمّا بأن يكون مفاد أحدهما إدخال ما يكون خارجا عن موضوع الآخر أو إخراج ما يكون داخلا فيه)([7]).
أقول: توضيح كلامه في نقاط:
أ- ان قيد (في عالم التشريع) لاخراج الورود كما سبق.
ب- انه اعتبر هذا قسيماً للتضييق والتوسعة في الموضوع إذ قال (وإمّا بأن يكون مفاد أحدهما إدخال ما يكون خارجا عن موضوع الآخر) وذلك مثل "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة"([8]) وقال (أو اخراج ما يكون داخلاً فيه) وذلك مثل "لا ربا بين الوالد وولده"([9]).
ج- قوله (كما في حكومة الامارات...) كحكومة خبر الثقة على الاستصحاب فان خبر الثقة لا يرفع الشك حقيقة بل يرفعه في عالم التشريع أي يعتبره كلا شك إذ يعتبر دليل حجية خبر الثقة مؤداه بمنزلة العلم فقوله (عليه السلام): "لَا تَنْقُضِ الْيَقِينَ أَبَداً بِالشَّك‏..."([10]) محكوم لـ(خبر الثقة حجة) إذ لا يرتفع الشك مع مجيء خبر الثقة حقيقة بل تنزيلاً (بل انقضه بيقين آخر) ومؤدى خبر الثقة يقين تعبدي تنزيلي.
هذا كله بناءً على ان المراد من اليقين والشك معناهما العرفي الظاهر وإلا كان([11]) من الورود كما سبق.
د- قوله: (حكومة الأصول بعضها على بعضها) كحكومة الاستصحاب على البراءة النقلية إذ لا يرتفع به (لا يعلمون) حقيقة بل تنزيلاً. بعبارة أخرى: الاستصحاب ناظر إلى (لا يعلمون) ومفسر له بانه لا يشمل ما كانت له حالة سابقة ملاحَظة، فانه مما يعلمون تنزيلاً. وهذا كسابقه في البناء والمبنى.
 
المناقشة: رجوع الصورة الخامسة للقسم الثاني
 
ولكن يرد عليه: ان مرجع هذا القسم الخامس إلى القسم الثاني، على حسب ما مثّل به، فان الحاكم، كالامارة على الأصل وكالاستصحاب على البراءة، إنما ضيّق من دائرة المحكوم موضوعاً بإخراج بعض أفراده منه، ولم يرفعه بأكمله، فصار قسماً لا قسيماً مع ان ظاهره انه قسيم لـ(اخراج ما يكون داخلاً فيه).
نعم يمكن تصوير القسم الخامس في غير ما ذكره وسيأتي غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2131
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 30 رجب 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14