بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(86)
انفكاك الحق عن الملك والسلطة دليل مغايرته لهما
وأما قوله (قدس سره) (فقول بعضهم ان الحق مرتبة ضعيفة من الملك أو من السلطة، فيه نظر؛ حيث انه لا يلزم في تحققه الملك أو السلطة كما إذا وقف للمسجد فيقال ان هذه الموقوفة حق المسجد مع انه لا ملكية ولا سلطة وكذلك إذا أوصى للحيوان أو النبات أو ما أشبه ذلك) ([1]) فهو إشارة إلى عدم مساواة الحق للملك ولا للسلطة وقد ذكر (قدس سره) مادة افتراق الحق عن السلطة فان ما وُقِف للمسجد من مصابيح وفُرَش وغيرها حق للمسجد لكن المسجد ليس مالكاً لها ولا هو ذو سلطة عليها وكذا الحيوان أو النبات كما إذا أوصى بان يُسقى من ماء حوضه مثلاً.
المحتملات الثمانية في (الحق)
أقول: المحتملات في الحق هي: 1- ان يكون الحق مساوياً للسلطة، 2- وان يكون مساوياً للملك، 3- وان يكون اخص من السلطة مطلقاً بان يكون نوعاً منها، 4- أو أخص من الملك مطلقاً بان يكون نوعاً منه، 5-6- وان يكون مرتبة من هذا او ذاك، وقد سبقت أقوال أربعة تطابق المحتملات الأخيرة.
النسبة من وجه، والمراد ليس الاستحالة
7-8- وان تكون نسبته مع السلطة أو الملك من وجه فمادة افتراق الحق عنهما ما ذكره (قدس سره) واما مادة افتراق الملك عن الحق فالمحجور عليه، والسلطة عن الحق فالغاصب. فتأمل وسيأتي الكلام عن ذلك إمكاناً ووقوعاً.
ثم ان ما ذكره (قدس سره) من مادة الافتراق لا يراد بها الاستحالة إذ لا استحالة في ان يعتبر العقلاء أو الشرع المسجد مالكاً أو ذا سلطة فانه اعتبار والاعتبار أمره بيد المعتبر فانه خفيف المؤونة، بل المراد عدم الوقوع بل الغرابة وكونه ([2]) مستنكراً عرفاً فتأمل ([3]).
رأي الايرواني
وأما المحقق الايرواني فقد ذهب إلى (ثم الظاهر أن الفرق بين الحق والملك بعموم الاستيلاء والسلطان وخصوصه، فالملك يكون بدخول الشيء تحت السلطان بتمام شؤونه وكافة حيثيّاته. والحق يكون بدخوله تحت السلطان ببعض جهاته وحيثيّاته، فالشخص مسلّط على أمته – بأن يبيع ويهب وينكح إلى آخر التصرفات السائغة، فيقال: حينئذٍ إن الأمة ملكه – وأيضاً مسلّط على زوجته في خصوص المباضعة، فيقال: إن الزوجة متعلّق حقّه، وكذا الحال في العين المملوكة والعين المستأجرة إلى غير ذلك من موارد الحقّ والملك) ([4]).
أقول: ليس كلامه وجهاً جديداً بل مرجعه إلى الاحتمال الثاني الآنف ويحتمل – على بُعد – ان يكون مرجعه للاحتمال الأول. وسيأتي ما فيه.
8- انه من مقولة الإضافة
الثامن: ان الحق من مقولة الإضافة، وهذا هو صريح بعض عبارات الميرزا النائيني في منية الطالب قال: (نعم، الحقّ بالمعنى الأخص مقابل لذلك كله، فإنه عبارة عن إضافةٍ ضعيفة حاصلةٍ لذي الحق، وأقواها إضافةً مالكيّة العين، وأوسطها إضافة مالكيّة المنفعة) ([5]).
اضطراب كلمات النائيني: الحق إضافةٌ، الحق اعتبارٌ...
لكنه (قدس سره) اضطرب في كلامه فقد صرح بعد ذلك بصفحة بان الحق اعتبار، قال: (وكيف كان فإذا كان الحق عبارةً عن اعتبارٍ خاصٍّ الذي أثره السلطنة الضعيفة على شيءٍ ومرتبة ضعيفة من الملك) ([6]).
أقول: يرد عليه أولاً: ان الحق ليس إضافة أي ليس من مقولة الإضافة لما سبق تفصيله في الدرس الماضي ([7]).
وثانياً: إن الإضافة هي من المقولات العشر وهي أمر حقيقي عكس الاعتبار فانه ليس منها وليس أمراً حقيقياً؛ ألا ترى ان الفوقية والموازاة والأبوة هي من الحقائق الإضافية وهي ليست اعتبارية إذ ليست باعتبار المعتبر فان ما هو فوق فوقٌ سواءً ءأعتبرنا فوقيته أم اعتبرنا عدمها وكذا الأب أب والأبوة أبوة ولا تكون بنفسها بنوة وإن اعتبرها العقلاء كلهم كذلك، وعليه فلا يعقل الجمع بين القول بانها إضافة والقول بانها اعتبار. نعم سيأتي توجيه لكلامه بإذن الله تعالى.
توجيه سائر كلماته
نعم لا يرد عليه ان كلماته اضطربت أكثر حيث قال ثالثاً: (وبتعبير آخر: الحق سلطنة ضعيفة على المال، والسلطنة على المنفعة أقوى منها، والأقوى منهما السلطنة على العين). ([8]) وقال رابعاً (فالجامع بين الملك والحق هو: الإضافة الحاصلة من جعل المالك الحقيقي لذي الإضافة المعبّر عنها بالواجدية) ([9]) إذ يمكن الذب عنه بان تفسيره للحق بالسلطنة هو تفسير بصنف من أصناف الإضافة وكذا الواجدية. فتأمل
نعم يرد عليه أيضاً انه تارة فسر الحق بالسلطنة وأخرى فسرها بانه اعتبار خاص اثره السلطنة.
اضطراب كلامه في الملكية
ومن نافلة القول الإشارة إلى انه (قدس سره) اضطرب أكثر في بحث سابق في تفسير الملكية فاعتبرها تارة من مقولة الإضافة وأخرى من مقولة الجدة وثالثة من الاعتبار كما فسرها بالواجدية والوجدان فراجع تمام كلامه في ثاني تعليقة له ([10]).
مناقشة قوله (الملكية من الجِدَة) وهي (إضافة)
فلنكتف الآن باحدى كلماته، قال: (وحاصل الكلام: أن الملكية عبارة من إضافةٍ حاصلةٍ بين المالك والمملوك، وهي عبارة أخرى عن الجدة) ([11]).
ويرد عليه أولاً: ان مقولة الإضافة قسيم لمقولة الجدة ولا جامع بينهما ولا وجه اشتراك، فكيف يعتبر الحق تارة إضافة وأخرى جدة؟.
ثانياً: ان الجدة هي:
هيئة ما يحيط بالشيء جِده بنقله لنقله مقيدة
وذلك كالتعمّم والتقمّص والتنعّل الخ، ولا ريب ان الحق ليس كذلك؛ أفهل ترى ان ذا الحق في الشفعة أو الخيار أو الحيازة، له هيئة حاصلة من إحاطته بها بحيث تنتقل بانتقاله كما تنتقل العمامة بانتقال المتعمم بها؟ وأترى ان له هيئة تُرى بالعين كما تُرى هيئة المتعمم حيث يعطيه التعمم هيئة خاصة جميلة أو قبيحة؟
نعم سيأتي منا بإذن الله تعالى توجيه للالتزام بان الحق وكذا الملك من مقولة الجدة بوجهٍ يبعد عنه الغرابة ويدخله في دائرة اللطافة، لكنه مع ذلك لا يدل على وقوعه فانتظر.
وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
|