بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(104)
كلام الميرزا عن حكم القرينة وليس عن مميزها عن غيرها
وأما الخلط الثاني: فهو بين الموضوع أو الصفة وبين المميز والضابط في معرفة ان هذا المصداق مصداق هذا الموضوع أو ذاك أو الضابط في ثبوت هذه الصفة أو الحكم له أو غيرهما، وقد مضى ذلك فنقول:
قوله: (فإذا ألقى المتكلم كلاماً إلى السامع، فبأي شيء يميّز القرينة عن ذيها، ويرجح أحدهما على الآخر لصرفه عن معناه الأصلي الحقيقي إلى المجازي؟) إنما هو بحث عن المقام الثالث وهو (ما الذي يميز القرينة عن ذيها) وهو أجنبي عن مدعى الميرزا النائيني الكبروي الذي لخصه المستشكل بقوله: (ان القرينة لها خصوصية بها تكون حاكمة على ذيها).
كلامه عن الكبرى لا عن الضابط المميز
بعبارة جامعة: كلام الميرزا يتلخص في صغرى وكبرى هما: الخاص قرينة ([1]) وكل قرينة تتقدم على ذيها مطلقاً أي سواءً أكانت أظهر من ذي القرينة أم مساوية أم أضعف ([2]).
والخلط الأول جرى في كلام المستشكل بأشكاله الصغروي ([3]) على كبرى الميرزا التي لخصها بقوله (ان القرينة لها خصوصية بها تكون حاكمة على ذيها)
والخلط الثاني جرى باشكاله بما هو ضابط القرينة، على كبرى الميرزا.
الضابط في تشخيص القرينة عن غيرها
نعم كان له ان (يستفهم) عن الضابط لتشخيص ما هو الموضوع في الكبرى لا أن (يستشكل) بـ: ما هو الضابط على الكبرى؟.
هذا إضافة إلى ان الضابط واضح ومرجعه إلى الارتكاز العرفي فانهم في مرتكزهم يرون ان (يرمي) هو القرينة على المراد من (أسد) وليس العكس، واما في عالم الإثبات، بما يمكن التمييز عبره والتحاكم إليه؛ إذ الارتكاز قد يدعى انه قائم بالشخص فلا يصح الاستدلال به على الطرف الآخر وإن صح الاعتماد عليه في مبنى الشخص نفسه ومعتقده، فان الضوابط عديدة:
منها: مناسبات الحكم والموضوع.
ومنها: وقوع أمرٍ حالاً أو صفةً أو تمييزاً أو شبه ذلك فانه ظاهر في القرينية، وهذا هو الضابط الأوضح والأكثر تداولاً فان التوابع يؤتى بها لبيان حال المتبوع من إضافة أمرٍ إليه أو حذف أمر منه أو فقل تقييده وتضييقه أو توسعته أو التصرف فيه بنحو ما.
والحاصل: ان شأن التوابع من عطفِ بيانٍ أو بدلٍ أو وصفٍ أو حالٍ أو شبه ذلك هو كونها قرينة على المراد من المتبوع وليس العكس.
وبذلك ظهر الجواب أيضاً عن قوله: (فأي ترجيح للفظة "يرمي" حتى بها يصرف "الأسد: عن ظهوره لولا الاظهرية؟)، إذ يرد عليه:
أولاً: انه خلط بين الإشكال على كبرى الميرزا وبين ما هو المرجح للصغرى.
وثانياً: ان المرجح هو ما سبق.
وثالثاً: ان كون (الاظهرية) هي المرجح أعم من مدعاه ومن صلاحية صحة ذلك لرد كلام الميرزا ([4]) وذلك لأن الاظهرية قد تكون ذاتية وقد تكون اكتسابية ولا كلام في أظهرية يرمي من الأسد إلا ان الكلام هو انه أظهر لا بذاته بل بلحاظ مقامه وهو مقام القرينية وانه لا ضرورة ولا حاجة في تقدم القرينة على ذيها لأن تكون أظهر بذاتها فهذا هو كلام الميرزا.
والحاصل: ان الميرزا يُسنِد تقدم الخاص إلى كونه قرينة والقرينة تكون حاكمة على ذيها وتتقدم عليها للقرينية وان كانت أضعف ذاتاً فان مقام القرينية يجعلها أقوى اكتساباً ومن حيث المجموع، فلا يصح ردّ ذلك بما مرجعه إلى بانه لا وجه لتقدم يرمي على الأسد إلا أظهرية يرمي الذاتية. فتأمل
العلم بانها قرينة لا يخرجها عن كونها ظنية الدلالة
كما يرد على قوله: (فلو علم أولاً: أن المتكلم جعل الكلمة الفلانية قرينة على صرف صاحبها، لم يحتج إلى التشبّث بالظهور والحكومة)([5]):
أولاً: انه حتى لو علم بان المتكلم جعل كذا قرينةً على كذا، فان كلام الميرزا هو ان هذه القرينة تتقدم على ذيها حتى لو كانت أضعف ظهوراً، والحاصل: ان العلم بكونها قرينة لا يجعلها أقوى ظهوراً بالذات فانهما من واديين مختلفين فتدبر.
لا علم بانها قرينة بل ظن بقرينيتها
ثانياً: لا علم عادة بان المتكلم جعل هذا قرينة بل الغالب، بل هو المعهود، الظن بان المتكلم جعل هذا قرينة على ذلك ([6])، وضم هذا الظن إلى الظن الناشئ من مثل يرمي هو الموجب لاقوائية ظن يرمي (أو الخاص أو غيرهما) من الظن الحاصل من ذي القرينة فتتقدم عليه لقوتها المكتسبة من مقام القرينة كما سبق.
حكومة أصالة الظهور، في القرينة، مطلق
كما يرد على قوله (وبالجملة: لا تكون أصالة الظهور في القرينة حاكمة على ذيها إلا في بعض الموارد)([7]) ان الصحيح هو انها مادامت قرينة فهي حاكمة مطلقاً، فان الكلام بعد الفراغ عن الموضوع وموضوعيته كما سبق.
والظاهر انه حصل له خلط آخر بين (القرينة) المفروغة الموضوعية وبين (محتمل القرينية) فان كلامه قد يكون له وجه فيها نظراً للإجمال الحاصل حينئذٍ..
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=======================
|