بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(103)
تتمة الجواب عن إشكال الميرزا على الشيخ
والحاصل: انه لا يصح الخلط بين عدم صحة المبنى والضابط وبين عدم تحقق مصداق خارجي ولو واحد له، والبحث الأصولي يدور حول الضابط اما الفقهي فيدور حول الوقوع والتحقق فلا يصح في الأصول مناقشة الضابط من حيث هو ضابط بعدم تحققه في الفقه.
وبعبارة أخرى يقول الشيخ قضية لويّة إذ صريح عبارته ((نعم، لو فرض الخاص ظاهراً أيضاً خرج عن النصّ، وصار من باب تعارض الظاهرين، فربما يقدّم العام) ([1]) ولا يصح الإشكال عليه بان (لو) هذه لم تتحقق في الفقه، إذ القضية الشرطية صحيحة حتى مع امتناع طرفيها ([2]) فكيف مع مجرد عدم وقوع أحد الطرفين.
إشكالان وجوابان
لا يقال لا ثمرة إذاً لهذا الضابط؟
إذ يقال: هذا غير الإشكال بعدم التزامه (قدس سره) بالضابط أو بعدم صحته، فهو نظير البحث في ان الأصل الأولي في المتعارضين هو التساقط ثم الالتزام بان الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين هو التخيير أو الترجيح فهل يصح الإشكال بانه لا ثمرة لبيان الأصل الأولي؟
نعم لا يرد على الميرزا: ان موارد العام الآبي عن التخصيص متعددة؟
إذ يجاب: ان ذلك لكذلك نعم لكن الكلام في وجود عام آبٍ عن التخصيص مع وجود خاص معارض له فان هذا وأشباهه هو المدعى ([3]) انه غير متحقق ([4]). فتأمل
الميرزا أعاد كلام الشيخ عليه، لكنه غير وارد
والظاهر ان الميرزا أخذ الإشكال نفسه من الشيخ نفسه ثم أعاده عليه فان الشيخ استدل في الصورة السابقة (ما لو كان الخاص ظني السند) بـ(ويكشف عما ذكرنا: أنا لم نجد ولا نجد من أنفسنا مورداً يقدّم فيه العام - من حيث هو - على الخاص وإن فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة([5])، فلو كان حجيّة ظهور العام غير معلّق على عدم الظن المعتبر على خلافه، لوجد مورد يُفرض فيه أضعفيّة مرتبة ظن الخاص من ظن العام حتى يقدّم عليه أو مكافئته له حتى يتوقف، مع أنا لم نسمع مورداً يتوقف في مقابلة العام من حيث هو والخاص، فضلاً عن أن يرجّح عليه)([6]) فاستفاد الميرزا من كلام الشيخ في تلك الصورة الإشكال عليه في هذه الصورة: (ما لو كان الخاص ظني الدلالة) بنفس الوجه فقال: (والشيخ (قدس سره) في المقام وإن عارض ظهور الخاص مع ظهور العام وحكم بأنه يؤخذ بأقوى الظهورين، إلا أنه لم يلتزم بذلك في شيء من المسائل الفقهية، فانه لم يتفق في مورد عامل مع الخاص والعام معاملة التعارض، بل يقدم الخاص مطلقاً على العام، سواء كان الخاص ظني السند والدلالة أو كان قطعي السند وظني الدلالة؛ غايته أنه في الأول يكون الخاص حاكماً على العام من جهتين: من جهة السند ومن جهة الدلالة) ([7]).
لكن لا وجه لقياس أحد المقامين على الآخر أو اعادة نفس الإشكال على المقام؛ إذ قد يصح الاستدلال بعدم وجود مورد هناك دون المقام؛ إذ في المقام كما سبق حدث خلط بين صحة الضابط وبين عدم وجود مصداق له مع ان عدم وجود مصداق له لا ينتج عدم صحته إذ قد يكون صحيحاً لا وقوع له ككثير من القضايا الحقيقية والشرطية غاية الأمر ان ينتج عدم الثمرة – إن سلمنا ذلك -.
اما في الصورة السابقة فقد استدل الشيخ على ورود الخاص على العام، بناءً على كون جهة حجيته الظن النوعي بانه لو لم نقل بان العلاقة بين الخاص الظني السند والعام الظاهر الدلالة هي علاقة الورود للزم وجود مورد واحد يتقدم فيه العام على الخاص الظني السند إذا كان من الظن الضعيف جداً، وهذا الإشكال صحيح من حيث بقائه في دائرة البحث الكبروي والضابطية دون بحث الوقوع (أي تحقق وعدم تحقق مصداق للضابط وانه حيث لم يتحقق مصداقٌ كان الضابط باطلاً كما هو إشكال النائيني في الصورة الرابعة) أما الصورة الثالثة وهي صورة الشيخ فالكلام كبروي وهو انه حيث لم يتحقق مورد اكتشفنا ان السبب – كبرىً - هو الورود. فتأمل فانه دقيق.
نعم أشكلنا على الشيخ بوجه آخر لا ربط له بمعادلة الصحة والوقوع فراجع ([8]).
إشكال البعض على الميرزا: كون هذه الكلمة قرينة أول الكلام
ثم ان بعض الأصوليين أشكل على الميرزا النائيني بقول (وما قاله: من "أن القرينة لها خصوصية بها تكون حاكمة على ذيها"، مما لا ينبغي أن يصغى إليه؛ لأن كون هذه الكلمة قرينة على هذه أو بالعكس أول الكلام، فأي ترجيح للفظة "يرمي" حتى بها يصرف "الأسد: عن ظهوره لولا الاظهرية؟، فإذا ألقى المتكلم كلاماً إلى السامع، فبأي شيء يميّز القرينة عن ذيها، ويرجح أحدهما على الآخر لصرفه عن معناه الأصلي الحقيقي إلى المجازي؟ فلو علم أولاً: أن المتكلم جعل الكلمة الفلانية قرينة على صرف صاحبها، لم يحتج إلى التشبّث بالظهور والحكومة) ([9]).
الجواب: في الإشكال خلط من وجهين
أقول: في إشكاله على الميرزا مواقع للتأمل والنظر:
الخلط بين مقامي كان التامة والناقصة
أولاً: انه جرى الخلط بين البحث عن مقام كان التامة ومقام كان الناقصة وهل البسيطة والمركبة.
الخلط بين الموضوع أو الصفة وبين الممِّيز
وثانياً: انه جرى الخلط بين أمرٍ أو صفته وبين المميز لكون هذا من ذا أو ذاك.
بيانهما: ان البحث تارة يجري عن تحقق موضوع من الموضوعات ووجوده بحسب مفاد كان التامة وأخرى يجري عن ثبوت حكم أو صفة له بحسب مفاد كان الناقصة وثالثة يجري عن ما هو الضابط لنعرف ان هذا الموضوع تحقق أم لا أو عن المميز والفارق بين أنواع الموضوعات أو أنواع الصفات.
فمثلاً: تارة نبحث عن انه هل وجد خاص ههنا (بعد الفراغ عن وجود العام مثلاً)؟
وأخرى نبحث عن ان الخاص الموجود الثابت هل يعارض العام معارضة مستقرة أو لا؟ وهل يعارضه بدواً أو لا؟ أو عن ان تقدمه على العام هل هو لاظهريته فلا يتقدم الخاص على العام إلا لو كان أظهر أو هو لقرينيته فيتقدم الخاص على العام مطلقا؟ – كما هو مدار البحث والنقاش كله بين الشيخ والميرزا، والمستشكل ينتصر للشيخ في ان المدار الاظهرية.
وثالثة: يجري في ما هو الضابط لتمييز الخاص من غيره؟.
وتطبيق البحوث الثلاثة في القرينة: 1- هل وجدت القرينة كـ(يرمي) في رأيت أسداً؟ 2- هل تتقدم القرينة على ذيها بالحكومة والقرينية أو بالاظهرية؟ 3- ما هو الضابط لتمييز القرينة عن غيرها؟
وحينئذٍ نقول:
كلام الميرزا عن مفاد كان الناقصة وعن صفة القرينة وخاصيتها
أما الخلط الأول فهو ان الميرزا يتحدث عن المقام الثاني ومفاد كان الناقصة والمستشكل أشكل عليه بمقام كان التامة فلاحظ قول الميرزا حسب تلخيص المستشكل: (أن القرينة لها خصوصية بها تكون حاكمة على ذيها) ولاحظ قول المستشكل (لأن كون هذه الكلمة قرينة على هذه أو بالعكس أول الكلام) وهل هو إلا كمن يقول: ان الخاص يتقدم على العام للاظهرية أو للقرينية أو للورود أو غير ذلك، فيشكل عليه بـ: من قال بان هذا خاص؟ وان كونه خاصاً أول الكلام؟
بعبارة أخرى: الخطأ في الإشكال منهجي، فان للمشكل ان يشكل بعدم تحقق الصغرى اما ان يشكل على الكبرى بعدم صحتها لعدم تحقق الصغرى فخطأ.
وبعبارة أخرى: كلام الميرزا عن وجه تقدم القرينة على ذيها بعد الفراغ عن كونها قرينة فيجب الإشكال عليه باننا لم نفرغ من كونها قرينة وانها ليست قرينة فهذا هو مصب الإشكال لا ان يُعدّ ذلك إشكالاً على قول الميرزا (أن القرينة لها خصوصية بها تكون حاكمة على ذيها) فان الكلام هنا محمولي مفروغ الموضوع فكان يجب ان يشكل على دعوى ثبوت المحمول للموضوع لا عن تحقق الموضوع. وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
|