بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(81)
الكلام في (الحقوق): وقوعها ثمناً أو مثمنا
ههنا مسألتان:
الأولى: هل يصح بيع الحق بمعنى انه هل يصح وقوعه مثمناً؟ وذلك كبيع حق التأليف وحق الاختراع أو كبيع حق الحيازة وحق السبق أو كبيع حق الشفعة وحق الخيار أو كبيع حق الولاية وحق الحضانة، بل وكبيع حق الجوار والضيافة ونظائرهما؟ وهي من وديان شتى كما سيأتي.
الثانية: هل يصح وقوع الحق ثمناً وإن لم يصح وقوعه مثمناً؟
المشهور ومنهم الشيخ في المكاسب اعتبروا عدم الصحة في المسألة الأولى أمراً مفروغاً عنه فخصوا البحث بالمسألة الثانية، إلا ان مقتضى القاعدة وقوع المسألة الأولى مورداً للبحث أيضاً بل ذهب بعض الأعلام إلى صحة بيع الحقوق في الجملة كما هو المنصور.
وقد جرى القوم على البحث عن (الحقوق) وأنواعها وحقيقتها بمناسبة البحث عن صحة وقوعها ثمناً وعدمها، فكان بحثهم عنها أشبه بالاستطراد فأجمل بعض وأوجز وفصّل بعض آخر بعض الشيء إلا ان البحث على أية حال لم يعط حقه إذ كان المدار والمقصد على صحة وقوع الحق ثمناً لا عليه أولاً وبالذات.
بحث عن الحق والحكم والعين والمنفعة والانتفاع
والجمع بين الحقين يقتضي التوسط بين الأمرين، كما صنع بعض الأعلام إذ كتب رسالة عن الحقوق في ضمن تعليقته على المكاسب
([1])، فنقول وبالله الاستعانة:
(الحق) يقع في مقابل المنفعة والانتفاع وهما يقعان في مقابل العين، كما يقع الحق في مقابل (الحكم) فلا بد من تعريفها أولاً ليتميز ما هو مدار البحث عن غيره:
تعاريف لـ(العين)
1- (العين): عرّف الأعلام العينَ بتعاريف شتى:
منها: ما عرّفه به الفقيه الهمداني من: (كونه عيناً لو وجد وصار مشخصاً في الخارج)
([2]) وهو إرجاع للعنوان إلى القضية اللّويّة وهو مخالف للظاهر إلا ان يراد شرح الاسم وبقرينة مبنى الاعلام وكون الأعم مجرى الأحكام.
ومنها: ما نختاره من انه الجوهر المقابل للاعراض التسعة، وهو الأدق إذا كان التعريف للمأنوسين بمباحث الجوهر والاعراض التسعة.
ومنها: انه (ما إذا وجد في الخارج كان من الأجسام شاغلاً للحيز بمقداره وشاملاً للابعاد الثلاثة)
([3])
وهذا التعريف اخص من سابقه إذ الجوهر أعم من الجسم إذ يشمل الجواهر المجردة
([4]) كما يشمل الجوهرُ الطاقةَ كالنور والصوت والأشعة بأنواعها
([5]) مما لا يطلق عليها الجسم عرفاً نعم هي أجسام لطيفة فلسفياً
([6])، وعلى أي فالمرجع في (العين) العرف لا الفلسفة وغيرها بل ان المرجع في (البيع) هو العرف لا العين بالذات كما ظهر مما مضى في بيع المنافع وكما سيأتي بإذن الله تعالى.
شمول العين للجزئي والـمُشاع والكلي بأنواعه
ومنها: ما نقله السيد الوالد عن البعض من (ما له تعيّن شخصي خارجي حالاً أو مستقبلاً فيشمل الجزئي الخارجي والمشاع والكلي في المعين وفي الذمة ومنه الدين)
([7]).
وتوضيحه: ان ما له تعين شخصي يقع في مقابل ما له تعين نوعي أو صنفي أو جنسي.
وأما قوله (خارجي) فيقع في مقابل ما له تعين شخصي ذهني كهذا الكتاب في الذهن فانه لا يقع مبيعاً.
وأريد بـ(مستقبلاً) إدخال الكلي في الذمة والدين بل والكلي في المعين فانه لا تعين شخصي خارجي حالي له بل وحتى المشاع فتدبر.
لا يقال: التعريف دوري إذ أخذ (التعين) في تعريف (العين)؟.
إذ يقال: التعريف شرح الاسم وليس بالحد ولا بالرسم، ويصح فيه تعريف الأخفى بالأجلى لدى الطرف الآخر فقد يكون بالمرادف وقد يكون بالمساوي وقد يكون بغيرها ومن الأول تعريف الجدار لمن يجهل انه ما هو بالحائط، ومن الثاني تعريف الناطق لجاهله بالإنسان
([8])، ومن الثالث تعريف الأنسان بالكاتب، وأقسامه كثيرة لا يهمنا الآن التعرض لها.
شموله للفرد المردد
وقد أضاف السيد الوالد إلى الأقسام الخمسة قسماً سادساً وهو (المردّد) وارتأى وقوعه في الشريعة موضوعاً للأحكام فضلاً عن إمكانه إذ ناقش فيه جمع وارتأى استحالته استناداً إلى ان كل شيء هو هو وليس هو أو غيره.
قال (قدس سره): (والظاهر ان المردد أيضاً داخل في العين ولذا صح في مسألة (طلاق الخامسة واحدى البنات والأم، أو الأختين، لو أسلم عنهن أو عنهما نعم المشهور لم يصححوا ذلك في البيع ونحوه اما لعدم ورود مثله أو لأنه محال...)
([9])
والحاصل: ان الشارع يقول لمن أسلم عن خمس مثلاً: اختر إحداهنّ مع ان (إحداهن) فرد مردد لا وجود له في الخارج إذ الترديد محله الذهن فقط اما الخارج فالموجود فيه هذا وهذا ولا يوجد فيه شيء اسمه احدهما أو إحداهن فتدبر. وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
===================