• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 77- الاستدلال بالتبادر على كون البيع موضوعاً لنقل الاعيان والاستناد الى قول مثل الطريحي ـ المناقشة بان قول اللغوي ـ الفقيه ليس بحجة واجوبة ثلاثة .

77- الاستدلال بالتبادر على كون البيع موضوعاً لنقل الاعيان والاستناد الى قول مثل الطريحي ـ المناقشة بان قول اللغوي ـ الفقيه ليس بحجة واجوبة ثلاثة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 (77)
الاستدلال بالتبادر على كون البيع نقل الأعيان خاصة
 
سبق ان البحث يدور حول ان البيع حقيقة في نقل الأعيان خاصة كما هو المشهور المدَّعى عليه الإجماع أو هو أعم من نقلها ونقل المنافع والحقوق وقد استدل الميرزا النائيني بالإنصراف على الأول وقد مضى بحثه.
كما أُستُدل للمشهور بالتبادر وصحة السلب عن نقل المنافع، وعليه فلا بد من تحقيق الحال في التبادر فانه قد ادعاه الطرفان.
 
الحكيم: كلام المصباح لا ينافي المختار استناداً لتفسير الطريحي
 
فقد استدل السيد الحكيم في (نهج الفقاهة) تبعاً لصاحب العروة في حاشيته على المكاسب، على ان المعوض لا بد ان يكون عيناً بالتبادر ولكنه أشكل على ذلك بان تعريف المصباح للبيع بـ(انه في الأصل مبادلة مالٍ بمال) يفيد الأعم وأجاب بان المستفاد من كلمات جماعة من اللغويين كالطريحي في مجمع البحرين هو ان المال يراد به خصوص العين لا الأعم الشامل للمنافع وعليه فلا يصلح تعريف المصباح رداً للمختار.([1])
ونص عبارة السيد الحكيم في نهج الفقاهة: (قوله([2]): (والظاهر اختصاص المعوض) كما هو المتبادر منه ولا ينافيه ما في المصباح لعدم ظهور كون المال يعم المنفعة، بل لا يبعد ظهوره في خصوص العين كما يساعده المتفاهم العرفي، وظاهر غير واحد من أهل اللغة، بل صريح مجمع البحرين ذلك. قال([3]): المال في الاصل الملك من الذهب والفضة ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الاعيان (قوله: وعليه استقر اصطلاح) كما يقتضيه مقابلتهم بين البيع والاجارة فبحثوا عنهما في بابين (قوله: في كلمات بعضهم في نقل) الظاهر ان الاستعمال المذكور كان تبعا للنصوص فلاحظ كلماتهم في باب بيع المدبّر واجارته، ولم يعهد لهم غير ذلك)([4]).
 
الإشكال: عدم صحة الاستدلال بكلام الفقيه اللغوي
 
لكن أشكل في العقد النضيد عليه بـ(قلنا: إنّه ما كان ينبغي أن يحتجّ([5]) بكلام الطريحي في "مجمع البحرين" لأنه فقيه لغوي وقد يجتهد، والحجة هي قول اللغوي الصّرف كابن الأثير في "النهاية"، حيث ادّعى أن المال عند العرف يُطلق على خصوص الذهب والفضة ثم عمّموه لكلّ ما يُقتنى من الأعيان، والظاهر أنه مستند كلام الطريحي)([6]).
 
الأجوبة
 
أقول: هذا الإشكال غير تام لوجوه:
 
1- قول المجتهد حجة حتى على من لم يجتهد بالفعل
 
أولاً: مبنىً: بان اجتهاد الفقيه واللغوي وغيرهما حجة على من لم يجتهد بالفعل وإن كان ذا ملكة لكنه حيث لم يجتهد بالفعل فهو جاهل بالفعل فهو مخير بين الاجتهاد والتقليد والاحتياط لكونه بالحمل الشائع الصناعي حقيقة ممن لا يعلمون (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)([7])
وعلى أي فالمانع عن التقليد هو الاجتهاد الفعلي لأنه عالم بالفعل بالمسألة أو انه منزّل منزلته فكيف يقلد غيره فيها؟ على إنا فصلنا الكلام عن ذلك بل وعن صحة تقليد المجتهد بالفعل لغيره من المجتهدين الجامعين للشرائط في المسألة ما لم يعلم أو يطمئن بمؤدى اجتهاده؛ وذلك لشمول أدلة الحجية لنظره وقسيمه بوزان واحد، في بعض الكتب([8]) وفي بعض أبحاث العام الماضي فراجع.
 
2- قول اللغوي والفقيه حجة في اللغة لكونها حدسية عن حس قريب
 
ثانياً: سلمنا، لكن قول اللغوي اما ليس بحجة مطلقاً أو إذا كان حجة فقول الفقيه اللغوي حجة أيضاً.
بيانه: انه قد يقال بان استظهارات اللغويين للمعاني الحقيقية وإن لم يكن عن حس إذ انهم لم يسمعوا من الواضع وضع هذا اللفظ لهذا المعنى بل تتبعوا موارد الاستعمال فحدسوا منها ان هذا هو الموضوع له الحقيقي لذلك اللفظ حيث وجدوهم يستعملون اللفظ فيه دون قرينة، لكنه حدس قريب من الحس وهو ملحق به فقول الثقة الواحد فيه حجة لغوياً كان أو غيره وليس من الحدس الذي لا يكون حجة على الفقيه الآخر والذي عليه لا يكون حجة سواء كان من حَدَسَ فقيهاً أم لغوياً أم غيرهما.
والحاصل: ان الحدسيات داخلة في قول أهل الخبرة وهي ليست حجة على أهل الخبرة الآخر على المشهور اما الحسيات فهي داخلة في خبر الثقة وهو حجة حتى على أعلم العلماء ولو كان المخبِر عامياً محضاً مادام ثقة ضابطاً، ويلحق بالحسيات الحدسيات القريبة عن الحس كالعدالة مثلاً ومنه دعاوى الوضع وان هذا موضوع له حقيقةً أو مستعمل فيه مجازاً.
وعلى أية حال فان قُبِل هذا وتمَّ لم يكن فرق بين الطريحي وابن الأثير في حجية قول كليهما وإن لم يقبل ولم يتم لم يكن فرق بينهما أيضاً في عدم الحجية فلا وجه للتفريق.
 
التحقيق: التفصيل بين المفردات اللغوية
 
والتحقيق: ان الألفاظ مختلفة:
فقد يحتاج بعضها إلى إعمال نظر واجتهاد وتجشم مؤونة زائدة في تمييز حقيقته من مجازه والموضوع له من غيره وذلك كما في الألفاظ ذات المعاني التشكيكية مما كان في دلالتها نوع خفاء أو كان مدلولها من الماهيات التشكيكية كإطلاق الماء على المياه الزاجية أو الكبريتية والليل على ما بين الغروب والمغرب والغناء على الترجيع المطرب أو الأعم والأخص([9])، ففي مثل هذه ليس الاجتهاد فيها حدساً عن حس قريب فليس بحجة على مسلك من لا يرى اجتهاد المجتهد حجة على غيره، سواء أكان فقيهاً لغوياً كالطريحي أم لغوياً صرفاً كابن الأثير.
وقد لا يحتاج بعضها الآخر – وهو الأكثر – إلا إلى اجتهاد بسيط جداً، كملاحظة انه المتبادر أو المطرّد أو انه المنصرف إليه أو شبه ذلك، فهذا هو مصداق ما كان الاجتهاد فيه حدساً عن حس قريب فلمن يلحقه بالحسيات ان يعتبره حجة من غير فرق بين مثل الطريحي وبين مثل ابن الاثير أيضاً.
 
3- القرينة العامة في مَن له مقامان هي المرجع
 
ثالثاً: سلمنا، لكن الظاهر في من له مقامان، كمقام كونه لغوياً ومقام كونه مجتهداً، إذا تصدى للاستنباط وهو في أحد المقامين انه يستنبط بما هو من أهل ذلك المقام لا بما هو من أهل المقام الآخر؛ فان كونه في أحد المقامين قرينة عامة على انه يستنبط بما هو في ذلك المقام لا بما هو ذو مقام آخر، والطريحي وإن كان فقيهاً لغوياً إلا انه في مجمع البحرين في مقام اللغوي فنظره حجة بما هو لغوي إلا ان تدل قرينة على أنه أعمل مقامه الآخر؛ ألا ترى ان الأطباء مثلاً قد يستخدمون فيما بينهم ألفاظاً متداولة في العرف العام لكنهم في عرفهم الخاص يريدون بها معاني اخر موضوعة لها بالوضع التعيني أو التعييني فلو استعملها الطبيب في العرف العام كان قرينة على إرادته المعنى العرفي العام لو لم يقم قرينة على الخلاف، عكس ما لو استعملها في العرف الخاص([10]).
والحاصل: ان الفقيه اللغوي، في كتابه اللغوي إذا استنبط في مفردة من المفردات بما هو فقيه لا بما هو لغوي لكان عليه ان يقيم القرينة وحيث لم يُقمها كان الظاهر انه استنبط بما هو لغوي، على ان ملاحظة عبارة مجمع البحرين تكشف عن انه شارح للموضوع له بما هو لغوي لا بما هو فقيه فراجع. فتأمل                    
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2100
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 8 رجب 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23