• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 76- بحث حول عدم الفرق بين القضية الحقيقية والخارجية في الانصراف وعدمه، خلاف لبعض الاعلام .

76- بحث حول عدم الفرق بين القضية الحقيقية والخارجية في الانصراف وعدمه، خلاف لبعض الاعلام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 (76)
الاستدلال بان القضايا حقيقية على عدم الانصراف للمعهودية
 
وقال في (العقد النضيد): (ولكن يردّ على النائيني (رحمه الله): أنّه التزم في الأصول بأنّ المعهودية والمعروفيّة لا تنهضان للدلالة على الانصراف، مثلاً...، فملاك الانصراف – كما عبّر عنه المحقق النائيني – هو التشكيك في الصدق في تمام الحصّة، كالشك في صدق ما لا يؤكل لحمه على الإنسان عرفاً، وإن صدق عليه مفهوماً أو في بعض الحصص.
وما ذهب إليه النائيني حقٌّ، لأنّ القضايا الشرعيّة قضايا حقيقية، تتحقق في كل عصر على وجه الحقيقة وينطبق عليها الحكم. وعليه فلا وجه لكلامه في المقام)([1]).
 
المناقشة: أجنبية كون القضية حقيقية أو خارجية عن التأثير في الانصراف وعدمه
 
أقول: ان الاستدلال بكون القضايا الشرعية حقيقية، على ما التزم به الميرزا النائيني من ان المعهودية والمعروفية لا تنهضان للدلالة على الانصراف، مما لا وجه له ظاهراً؛ لأجنبية الدليل عن المدعى فان وزان القضايا الخارجية كوزان الحقيقية من حيث عدم نهوض كثرة الوجود وشبهها بالانصراف ومن حيث نهوض مناسبات الحكم والموضوع وخفاء الدلالة وجلائها به، وبيان ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة وهي:
 
تعريفان للقضية الحقيقية والخارجية
 
ان القضية الحقيقية في قبال الخارجية عرفت بتعريفين ثانيهما الأدق وأولهما الأشهر:
1- القضية الخارجية هي ما صب الحكم فيها على الموضوع وتعلق به في أحد الأزمنة الثلاثة كقولك قتل من في العسكر فان مصب الحكم هو الزمن الماضي، اما الحقيقية فما كان الحكم فيه غير مختص بأحد الأزمنة الثلاثة بل كان عاماً للأزمنة كـ: أكرم الضيف فانه غير مرتهن بالزمن الحاضر بل يعمه والمستقبل وكـ: الجسم مادي فانه شامل للأزمنة الثلاثة.
وإليه يعود ما قيل من ان الحقيقة مآلها إلى الشرطية([2]) وإلا فهو تعريف ثالث متوسط بين التعريفين.
2- القضية الخارجية هي المرتهنة بالزمن مطلقاً فتعم حتى الحكم الثابت للموضوع في زمنين أو في الأزمنة الثلاثة، فهي أعم من القضية الخارجية والحقيقية حسب التعريف السابق، اما الحقيقية فهي ما تعلق الحكم فيها بطبيعيّ الموضوع بما هو هو مع قطع النظر عن الأزمنة الثلاثة حتى انه لو فرض إمكان وجوده في غيرها أو لا في الزمن لثبت له الحكم كـ: الإنسان ممكن فان ثبوت الإمكان له غير مرتهن بوجوده في أحد الأزمنة أو في أي منها إطلاقاً.
وعلى كلا التقديرين والتعريفين فان كون القضية حقيقية أو خارجية أجنبي عن صحة الانصراف وعدمه بالمرة، واما البرهان على ذلك فهو:
إن منشأ الانصراف – كما سبق – اما كثرة الوجود أو كثرة الاستعمال – بأقسامه – أو مناسبات الحكم والموضوع أو خفاء الدلالة لمشككية الماهية أو لغير ذلك، ويعرف حال سائر المناشئ مما نذكره ههنا:
 
كثرة الوجود لا توجب الانصراف في الحقيقية ولا في الخارجية
 
أما كثرة الوجود فليس، على المشهور المنصور، بما هو هو منشأ للانصراف من غير فرق بين كون القضية حقيقية أو خارجية؛ ألا ترى انه قال أكرم جنودنا أو الجنود أو العسكر بنحو القضية الخارجية للموجودين في هذه الفترة بان كانت اللام للعهد الحضوري أو الذكري مثلاً، وكان أكثرهم في ساحةٍ وكان بعضهم غائباً في حاجةٍ (كما لو ذهب لشرب الماء أو لإصلاح سيفه مثلاً)، لم تكن كثرة الوجود في مكان أو حالةٍ سبباً لانصراف الحكم إليه بحيث يكون كالقيد اللفظي للمطلق؟ وألا ترى انه لو قال جئني بماءٍ فجائه بغير ماء دجلة مع كونه الأكثر وجوداً، عدّ ممتثلاً ولم يستحق العتاب فكيف بالعقاب بدعوى انصراف اللفظ عنه لكثرة وجود ماء دجلة في هذه المنطقة وندرة وجود ماء الفرات أو النيل، أو العكس، مثلاً؟
 
كثرة الاستعمال الموجبة للأُنس توجب الانصراف فيهما
 
وأما كثرة الاستعمال فانها، وكما سبق، إن أوجبت الأُنس الذهني إلى درجة كونه كالقيد اللفظي، فانها موجبة للانصراف، وذلك في الحقيقية والخارجية بوزان واحد.
 
توهم مدخلية كون الملاك (زمن الصدور) في خفاء الدلالة وفي مناسبات الحكم والموضوع، في المقام
 
وأما مناسبات الحكم والموضوع ووضوح الدلالة وخفائها فقد يتوهم انه حيث كان الملاك فيهما زمن النص لا الأزمنة اللاحقة، فيختلف على ذلك كون القضية حقيقية عن كونها خارجية؛ إذ الحقيقية غير منوطة بالزمن الماضي والخارجية منوطة به([3]) وحيث كان المدار في هذين الملاكين هو تحققهما زمن صدور النص فإذا كانت القضية حقيقية فانهما لا يؤثران فيها إذ كانت غير مرتهنة بالزمن.
وفيه: انه لا شك في ان الملاك فيهما هو زمن صدور النص([4]) لوضوح ان المتفاهم العرفي من اللفظ للمتكلم والسامع في زمن الكلام وصدور الحكم هو الحجة على مراد المتكلم الاستعمالي والجدي، لا المعاني المخترعة أو المناسبات الحاصلة في الأزمنة اللاحقة أو نظائرها.
واما اصالة ثبات اللغة فوجه حجيتها الجهل بالحالة السابقة للألفاظ والعلم بها في الحال الحاضر فيبنى على أصالة الثبات المعبر عنها أحياناً بالاستصحاب القهقري، دون ما إذا علم اختلاف المعاني في هذا الزمن عن تلك الأزمنة كما لو نقل اللفظ بعد صدور النص إلى معنى آخر أو أصبح مجملاً لاحقاً بعد ان كان زمن صدوره ظاهراً أو كان موضوعاً لمعنى واحد فوضع لآخر أيضاً بالوضع التعيني أو التعييني على نحو الاشتراك، أو كان عكس ذلك كله، فانه لا يشك عاقل من مختلف الملل والنحل في ان ملاك فهم المعنى وكذا مناسبات الحكم والموضوع الموجبة لانصرافه إلى حصة ما وعدمها وكذلك وضوح وخفاء الدلالة أو إجمالها، هو ما عليه الحال زمن صدور النص.
 
الجواب عن التوهم
 
ولكن ذلك أجنبي أيضاً عن التفريق بين الخارجية والحقيقية في الانصراف وعدمه؛ فان القضية سواء أكانت خارجية أم حقيقية فان مناسبات الحكم والموضوع إذا كانت متحققة زمن صدور النص بحيث أصبحت كالقيد اللفظي أوجبت الانصراف لبعض الحصص (التي ساقت إليها مناسبات الحكم والموضوع) في الخارجية وفي الحقيقية كلتيهما وإلا فلا.
وكذلك خفاء الدلالة فانه لو كانت دلالة اللفظ على بعض الحصص خفيةً بحيث أوجبت عرفاً عدم الشمول لها، لما شملها سواء أكان الحكم بنحو القضية الحقيقية أم الخارجية.
وبعبارة أخرى: مناشئ الانصراف هي تلك السبعة المذكورة آنفاً، بين ما هو منشأ للانصراف البدوي وما هو منشأ للانصراف المستقر، وليس منها الزمن وجوداً وعدماً فان مدخلية الزمن الخاص على التعريف الأول للخارجية أو مطلق الأزمنة على التعريف الثاني لها، ليس من مناشئ الانصراف أبداً.
هذا كله، إضافة إلى انه لو تم ذلك التوهم([5]) لأوجب الالتزام بعدم كون مناسبات الحكم والموضوع ولاخفاء الدلالة ووضوحها، من أسباب الانصراف في القضايا الحقيقية، وهذا خلاف المشهور وخلاف مبنى (العقد النضيد) نفسه إذ اعتبر تبعاً للميرزا ملاك الانصراف التشكيك في الصدق مع وضوح ان الأحكام الشرعية هي، عادة، قضايا حقيقية، فتدبر جيداً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2095
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 4 رجب 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23