بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(94)
الفرق بين الوجهين الرابع والخامس
سبق ان المحتمل الرابع هو ان حجية الظاهر معلقة وان الوجه الخامس هو ان ظهور الظاهر معلق، والفرق بينهما بظاهرهما بيِّن اذ الظهور هو الموضوع والحجية هي المحمول، لكنّ السؤال هو عن الفرق بناءً على التفسير الذي دافعنا به عن الوجه الرابع، في الدرس الأسبق ([1]).
فنقول: الفرق هو انه في الخامس كان ظهور الظاهر معلقاً دون حجيته اما في الرابع فان الظهور فيه وإن لم يكن معلقاً إلا انه جزء الموضوع وليس بكله أيضاً، فلو كان كله لكان الخامس ولو لم يكن حتى جزءه لورد الإشكال باستلزامه الحكومة لا الورود لكنه لا هو أجنبي عن الموضوع ولا هو كله بل هو جزؤه، وبذلك يتصحح الورود من جهة ولا يكون الظهور معلقاً بل انه جزء الموضوع المنجز واما الموضوع فهو المعلق بجزئه الآخر فلاحظ ما سبق قوله من ([2]) (إنه تارة: يلتزم بكون العام مقيّداً بعدم التعبد على التخصيص هو موضوع الحجية بان يقال: (العام غير المتعبَّد بتخصيصٍ على خلافه حجة) فيكون القيد جزء الموضوع ويكون الموضوع مركباً من مجموع العام زائداً صفة وقيد عدم وجود تعبّدٍ على خلافه.
وأخرى يكون العام هو الموضوع للحجية لكن تكون الحجية، وهي المحمول، مشروطة بعدم وجود تعبد على الخلاف بان يقال: (العام حجة بقيد عدم التعبد بخلافه).
والفرق: ان القيد في الصورة الأولى قيد للمقتضي والموضوع والتعبد بالتخصيص يكون نافياً للموضوع إذ النافي لجزء الموضوع نافٍ له إذ الكل ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، لكنه في الصورة الثانية قيدٌ للحكم...) فراجع
الإشكال: لا ظهور لظواهر الشرع لاعتماده على المنفصلات كثيراً
كما سبق ([3]): (3- مقتضى القاعدة التفصيل بين المتصل والمنفصل) و(واما المخصص المنفصل فانه حيث انفصل انعقد، عرفاً، للعام ظهور في انه المراد الجدي للمولى ثم إذا جاء المنفصل تقدم عليه بعد وجوده، بنحو العلة المبقية لا انه حالَ دون أصل وجوده كالمتصل.
نعم قد يتوهم عدم صحة ذلك فيمن يعتمد كثيراً على المنفصلات وسيأتي جوابه بإذن الله تعالى بالذهاب إلى نحوِ تفصيلٍ).
وذلك لأن اعتماده على المنفصلات كثيراً قرينة إجمالية حافّة بالكلام تمنع انعقاد الظهور للعام في علته المحدثة لاحتفافها به.
الأجوبة:
ولكن يمكن التفصي عن هذا الإشكال بوجوه:
لا تُعلم كثرة المخصصات للعمومات
الأول: ان ذلك قد يكون تاماً إذا احرزنا أكثرية أو كثرة اعتماد الشارع على المنفصلات في خصوص العمومات فان كثرة اعتماده عليها في مطلق الظهورات لا يستلزم كثرة الاعتماد في العمومات خاصة.
بيانه: ان الثابت ان الشارع اعتمد على المنفصلات كثيراً في الظواهر بشكل عام من عمومات ومطلقات وحقائق (مقابل مجازات) وغيرها لكنه لا يعلم وجود ذلك (الأكثرية أو الكثرة) في خصوص العمومات، وثبوت الحكم للجنس لا يستلزم ثبوته للنوع فان الأعم لا يتكفل حكم الاخص فيما ثبت له إلا إذا كان لطبيعيّهِ لا لجملته، بل لعل الاستقراء يدلنا على أقلية ذلك إن لم تكن ندرته، ألا ترى (أَقِمْ الصَّلاةَ) غير مخصص بفرد دون آخر؟ وكذا (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ)؟ و(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)؟ وغيرها.
الجواب عن حاكمية أدلة الضرر والعسر والحرج على كل العمومات
لا يقال: العسر والحرج والضرر ونظائرها من العناوين الثانوية رافعةٌ للأحكام الأولية كلها، إلا الصلاة إذ لا تترك بحال وإلا ما ورد مورد الضرر كالجهاد؟
إذ يقال: هذه العناوين حافة بالأحكام كلها فهي كالمخصص المتصل لها فينعقد الكلام بالنسبة إليها ضيقاً، لورودها في القرآن الكريم كقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)([4]) أو في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) كقوله (صلى الله عليه وآله): "لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَام ([5]) والكلام عن المخصصات المنفصلة الآتية لاحقاً غير الحافة بالكلام، وهي غالباً واردة من الصادقين (عليهما السلام)، وهي في العمومات قليلة جداً، هذا إضافة إلى انها تتصرف في الإطلاق الاحوالي والكلام في العموم الافرادي. فتدبر
واما صوم المسافر فوارد في القرآن الكريم (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )([6])
الجواب عن وجود شروطٍ لأكثر العمومات
لا يقال: ما من عبادة إلا ولها شروط (كالساتر والقبلة وهي في الصلاة) وغيرها في غيرها، وكثير منها مذكور بالمنفصلات؟
إذ يقال: باب الشرط والمشروط غير باب العام والخاص والكلام في الأخير فان (لا تكرم زيداً العالم) المخصص لـ(أكرم العلماء) خاص مخصص ولا يطلق عليه الشرط، والسرُّ ان مرجع الشرط إلى التقييد لا التخصيص، ومصبّه الإطلاق الاحوالي دون الافرادي.
الثاني: سلمنا لكن العرف يرى العام، رغم ذلك، مقتضياً وان رآه مراعىً فان المراعاة هي للتأثير الفعلي والعلية التامة لا للاقتضاء.
وللبحث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
|