بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(82)
الاستدلال بالروايات على حجية الظواهر
ويمكن الاستدلال على حجية الظواهر مطلقاً بطوائف من الروايات:
1- ما ورد فيها لفظ (الظاهر) كحجة مسلّمة
الطائفة الأولى: ما ورد فيها لفظ (الظاهر) باعتباره حجة مسلّمة، وهي كثيرة:
الاستدلال بخطبة الزهراء (عليها السلام) والإشارة لحجيتها سنداً
منها: ما ذكرته الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشهيرة بالمسجد والتي تظافرت الروايات بنقلها كما قاله المجلسي بل كان يتناقلها الشيعة كابراً على كابر حسب تصريح علماء الشيعة وعلماء من أهل السنة.
قال السيد الوالد: (وهذه الخطبة متلقاة بالقبول، وقد كان الأئمة الأطهار (عليهم السلام) والأعلام من الأخيار يتعاهدون هذه الخطبة ويتواصون بها ويعلّمونها أولادهم جيلاً بعد جيل، فهي مقبولة سنداً لتلقي الأصحاب والعلماء عصراً بعد عصر لها بالقبول، وهو دليل الاعتبار عقلائياً، وشهرتها الرواية كبيرة جداً.
إضافة إلى القرائن المقالية والمقامية الكثيرة الشاهدة لها: كنقل المخالفين لها مع توفر الدواعي على عدم النقل، وكقوّة المضمون في الكثير من مقاطعها بل في كلها، وكتطابق مضمونها مع الأصول والقواعد) ([1]). إذ قالت (عليها السلام):
(وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائداً إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة) ([2]).
الاستدلال بقولها (عليها السلام) (منجلية ظواهره) وغيره
ووجه الاستدلال واضح إذ اعتبرت (عليها السلام) القرآن هو البقية الباقية في الأمة التي استخلفها الله تعالى ورسوله علينا فهو بنصوصه وظواهره حجة دون شك، كما عليه العامة والخاصة أيضاً ([3]) ولوضوح انه ليست نصوصه فقط هي المستخلفة علينا، على ان الاستدلال بذلك إن ورد عليه انه استدلال بالظاهر، وليس وارداً لمناسبات الحكم والموضوع، فانه لا يرد شيء على قولها: (منجلية ظواهره) فـ(سرائره منكشفة) لأهلها وهم الراسخون في العلم فليست حجة إلا على من انكشفت له اما ظواهره فهي منجلية لا خفاء فيها فكيف لا تكون حجة؟ إضافة إلى انها كالنصوص (القائد إلى الرضوان اتباعها) وهي (حجج الله المنورة) إذ حيث كانت ظواهره منجلية كانت حججاً منورةً كما هي (بيناته الجالية) أي منها؛ لوضوح ان الظواهر المنجلية كذلك كما انها (براهينه الكافية) (وشرائعه المكتوبة).
وبالجملة، فان (منجلية ظواهره) نص في ان الظواهر القرآنية منجلية فتكون هي الحجة عليهم، وكيف يتوهم إذا كانت منجلية ان لا تكون حجة؟ ويؤكد ذلك ما سبق وما لحق من مختلف توصيفاتها للقرآن مما أشرنا إلى بعضها قبل قليل فتدبر جيداً.
الظاهر في مقابل النص مصطلح أصولي وليس شارعياً
بل نقول: ان الظاهر الذي يقع في مقابل النص هو مصطلح أصولي أو فقهائي، وليس حقيقة شارعية في هذا المعنى المصطلح بل هو باق على معناه اللغوي وهو الظهور والوضوح فهو حجة مطلقاً ولذا كان (منجليةً) تأكيداً لـ(لظواهره) لا احترازاً عن غيرها، وعليه: فلا يصح الدوران مدار لفظ الظاهر بما هو مصطلح عليه بل نبقى والظاهر بما هو المراد به لغةً فهو نص في ما هو ظاهر فيه.
سلمنا، لكنه تام في خصوص ظواهر القرآن حتى لو فرض ان لم تتم لدينا الكبرى؛ لقولها (عليها السلام) (منجلية ظواهره) فتأمل.
الاستدلال بقولها (عليها السلام) (أوامره واضحة)
ومنها: قولها (عليها السلام) (وكيف بكم وأنى تؤفكون.. وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون..
(بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)([4])، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)([5]) ) ([6])
وموطن الاستشهاد قولها (عليها السلام) (وأوامره واضحة) مع بداهة ان شبه المستغرق من أوامره هي ظواهر كـ (أَقِمْ الصَّلاةَ) (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ([7])) (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ([8])) (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ([9])) (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ)([10]) وغيرها ولا يتوقف الاحتجاج بها على الضمائم ([11]).
والحاصل: انه إذا كانت أوامره واضحة فلا يجوز العدول عنها وهي حجة، وكيف لا تكون حجة وقد عنّفتهم (عليها السلام) أشد التعنيف على ترك كتاب الله بما فيه من (أموره الظاهرة) و(أوامره الواضحة) إذ قالت: (كيف بكم وأني توفكون)؟ بل صريح كلامها (عليها السلام) ما هو أشد من الحرمة المعهودة ([12]) إذ قالت: (وقد خلفتموه وراء ظهوركم. أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ).
2- ما أمرت بالتمسك بالكتاب والسنة بنحوٍ كلي
الطائفة الثانية: ما استدل به السيد الأخ (قدس سره) في تبيين الأصول بقوله (3- الروايات الدالة على حجية الظواهر وهذه الروايات على طوائف:
أ- الروايات الآمرة بعنوان التمسك بالكتاب والسنة.
الطائفة الأولى: الروايات الآمرة بعنوان التمسك بالكتاب والسنة، على نحو كلي.
الاستدلال بحديث الثقلين
مثل حديث الثقلين المشهور بين الفريقين، حيث قال (صلى الله عليه وآله): "إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْض" ([13]) وحيث لم يحدّد (الموضوع) أي (التمسك) ونحوه يكون عرفياً، كما هو الشأن في كل الموضوعات التي لم يرد فيها تحديد خاص من قبل الشارع. والأخذ بالظاهر: (تمسك) عرفاً) ([14]).
التمسك بالظواهر القرآنية تمسك بها قطعاً لا ظاهراً
أقول: كلامه وإن صح لكن الظاهر ان الأخذ بالظاهر تمسك دقةً وعقلاً لا عرفاً فقط ([15]). وذلك لوجهين:
2- لحمل هو هو، وثبوت الشيء لنفسه بديهي
الأول: ان التمسك بالظاهر هو تمسك بالظاهر قطعاً ودقة لا عرفاً فقط؛ إذ ثبوت الشيء لنفسه بديهي وسلبه عنه محال؛ ألا ترى ان التمسك بالموهوم – مثلاً – هو تمسك بالموهوم قطعاً انما المتمسك به هو الموهوم، فههنا خلط بين التمسك والمتمسك به فان المتمسك به هو الظاهر اما التمسك به فهو تمسك به قطعاً، وبعبارة أخرى الخلط بين المتعلَّق وبين المصب أو المآل فالمتعلق هو الظاهر والمآل أو المصب هو المراد بالإرادة الجدية والتمسك بالظاهر هو تمسك به قطعاً إلا انه تمسك بالمراد الجدي الذي الظاهر كاشف عنه، ظاهراً.
المناقشة
اللهم إلا ان يقال ([16]): ان التمسك بالظاهر هو تمسك بالظاهر قطعاً، إلا ان مقصوده (قدس سره) ليس ذلك بل ان التمسك بالظاهر هو تمسك بالقرآن عرفاً فانه منه ([17]) فقد شمله بإطلاقه أو عمومه والتمسك بالحصة أو النوع تمسك بالجنس عرفاً. فكأنَّ القياس هكذا: هذا تمسك بالظاهر القرآني وكل تمسك بالظاهر القرآني تمسك به وقد أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) بالتمسك بالقرآن، فالكبرى هي العرفية لا الصغرى. فتأمل ([18])
ب- لقرينية التالي في حديث الثقلين
الثاني: ان يستدل بالتالي على تعميم المقدم ليكون ببركته نصاً في العموم للظواهر لا ظاهراً فيها؛ فان التالي والمحمول قد يوجب تضييق الموضوع أو توسعته ([19]) فانه من القرائن.
وفي المقام يقال: الرواية ذكرت قياساً استثنائياً هو: (كلما تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً) فنقول: لا ريب ان رفع التالي ينتج رفع المقدم فلو ضلوا لما كانوا متمسكين قطعاً وحينئذٍ نقول: لا ريب في ان من يترك كافة الظواهر القرآنية والروائية ويقتصر على النص سنداً ودلالة وجهةً، ضال قطعاً بل لا يشك في ذلك مسلم لأن أكثر الدين شبه المستغرق منه، في أحكامه وآدابه وقواعده وغيرها، ليس قطعي السند والدلالة والجهة، فلو لم يتمسك بالظواهر لكان ضالاً قطعاً، فلقد اكتشفنا المراد الجدي من التمسك وانه يشمل الظواهر قطعاً ببركة القطع بالتالي: بان من ترك كافة الظواهر قطعاً ضال، ورفع التالي ينتج رفع المقدم فليس حينئذٍ بمتمسك بهما قطعاً.
ضرورة الاستدلال بكلمات الصدّيقة الزهراء (عليها السلام)
تنبيه: من الضروري جداً إضافةً للاستدلال بالكتاب العزيز وروايات المعصومين (عليهم السلام) الاستدلال بروايات الصديقة الزهراء (عليها السلام) فان فيها الكثير مما يمكن ان يستدل به في الأصول والفقه إضافة إلى الكلام والتفسير، ومن النقص الذريع بل من المحزن حقاً خلوّ كتبنا الأصولية والفقهية – حسب استقراء ناقص – من الاستدلال بكلماتها (عليها السلام) رغم قطعية سند بعضها واعتبار سند بعضها الآخر وكون غير المعتبر مؤيداً، وما استدللنا به في صدر البحث وفي (فقه التعاون على البر والتقوى) نموذج ظاهر على ذلك سواءً أتم الاستدلال لدى الفقيه والأصولي أم لم يتم؛ فان الأدلة تطرح لا في صورة الاتفاق ([20]) على دليليتها فحسب بل يطرحها كل بحسب اجتهاده ثم تتعرض للجرح والتعديل فقد يقبل البعض وقد يرفض البعض الآخر وقد يفصل ثالث، بل ان ذلك إضافة إلى جهته العلمية يُعدّ من أعظم القربات إلى الله تعالى. وللبحث صلة بإذن الله.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
|